خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
كما ورد في عدة مقالات سابقة؛ لايزال ملف تطبيع العلاقات “الإسرائيلية-السعودية” على الطاولة، بعكس تصريحات بعض المسؤولين والمراقبين، وتصريحات “أنتوني بلينكن”؛ وزير الخارجية الأميركي، وكذلك المسؤولين السعوديين إنما تعكس حقيقة أن التطبيع أصبح وشيكًا. بحسّب تقرير “صابر گل عنبري”؛ المنشور على الموقع “الإخباري-التحليلي” (جهت پرس) الإيراني.
وكان الوزير الأميركي قد وصف الحوارات التي أجراها في المملكة؛ آذار/مارس الماضي، حول تطبيع العلاقات مع “الكيان الإسرائيلي”: بـ”التقدم الجيد جدًا”، وأكد أن هذه العملية سوف تبلغ محطتها الأخيرة قريبًا جدًا.
بدور أكد نظيره السعودي؛ “فيصل بن فرحان”، التوقيع في القريب العاجل على مجموعة من الاتفاقيات الثنائية بين “السعودية” و”الولايات المتحدة”.
أسباب إلحاح “أميركا” على إتمام التطبيع الآن..
وكان ملف تطبيع العلاقات بين “الرياض” و”تل أبيب” قد بدأ في عهد “دونالد ترامب”؛ الرئيس الأميركي السابق، واستمرت المباحثات في عهد “جو بايدن”، قبل أن تتوقف بسبب عمليات (طوفان الأقصى)، لكن بدأ استنئاف المفاوضات تدريجيًا مع طول فترة الحرب في “غزة”، وقد بدأ تكثيف اللقاءات والاتصالات في الشهر الرابع للحرب تقريبًا.
وحاليًا أصبح هذا الملف أكثر أهمية وإلحاحًا بالنسبة لـ”الولايات المتحدة الأميركية” نتيجة سببين، الأول: عملية (طوفان الأقصى) وما ترتب عليها من أضرار غير مسّبوقة للهيبة الأمنية والعسكرية، والردع الإسرائيلي في المنطقة، والمخاوف من التداعيات الاستراتيجية لتلك العملية على تأسيس معادلات أمنية جديدة، لا سيما مع طول فترة الحرب على “غزة”، والمأزق الاستراتيجي الإسرائيلي بعد مرور سبعة أشهر على الحرب، وكذلك انعدام الأفق الواضح للخروج الإسرائيلي المشرف من هذا الوضع، والذي يكثف في حد ذاته من تداعيات هجوم السابع من تشرين أول/أكتوبر.
الثاني: التوتر غير المسّبوق مؤخرًا بين “إيران” و”إسرائيل”، والذي انتهى بالهجوم المباشر على الأرض المحتلة؛ حيث تُعتبر عملية (الوعد الصادق)، بغض النظر عن الرد الإسرائيلي المحدود، بمثابة تطور في خروج الصراع عن مسّاره المحدد طوال العقود الماضية، ويندرج تحت الموازنة على امتداد تداعيات (طوفان الأقصى) والمأزق الإسرائيلي في “غزة”.
لذلك تحرص “الولايات المتحدة”؛ بشكلٍ جاد ومُّلح إلى تحويل المخاطر غير المسّبوقة التي تتهدد “الكيان الإسرائيلي” في المنطقة، إلى فرصة استراتيجية، وضرب المعادلات الأمنية التي بدأت تتشّكل بعد (طوفان الأقصى) وتأسيس نُظم أمنية جديدة في الشرق الأوسط، عبر تطبيع العلاقات بين “الرياض” و”تل أبيب”.
دوافع السعودية وغيرها من حلفاء أميركا..
في هذه الأثناء؛ بخلاف “الولايات المتحدة” يشترك بعض حلفاءها بالمنطقة: كـ”السعودية والإمارات والأردن ومصر”، في هذه المخاوف وسّعت ولاتزال إلى اقصاء (حماس) من “غزة”، لكن تدريجيًا ازدادت المخاوف مع طول فترة الحرب، وتداعيات على الاصطفافات الإقليمية، وكذلك تصاعد وتيرة التوتر في المنطقة وتأثيراتها على الآفاق العامة الاقتصادية.
لذلك يبدو أن ولى العهد السعودي؛ “محمد بن سلمان”، نفسه حريص على تطبيع العلاقات مع “إسرائيل” أكثر من ذي قبل، ويعتبر تشابكاتها الأمنية أكثر إلحاحًا لخلق معادلة أمنية عامة بالمنطقة في إطار المواجهات مع “إيران”، وقد أسّهمت الأوضاع الحالية في إتاحة فرصة (غير مسّبوقة) لإبرام اتفاقية دفاع مشترك مع “الولايات المتحدة الأميركية” أهدافها واضحة، أحدها بناء درع دفاعي مشترك ومتعدد الطبقات في المنطقة، وهو ما تعتبره “الولايات المتحدة” وبعض حلفاءها ضرورة استراتيجية مُّلحة وخط دفاع أمامي بالنسبة لـ”الكيان الإسرائيلي”؛ لا سيما بعد الهجوم الإيراني الأخير.
وتأتي هذه التطورات بعد عام من “المصالحة الروتينية”؛ بين “إيران” و”السعودية”؛ حيث لم تدخل العلاقات طوال هذه المدة مرحلة الحوار الأمني والسياسي العميق، وكأن هذا الشكل من العلاقات رغبة سعودية للسيّطرة واحتواء ردود الأفعال والتداعيات على تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”.
بطاقة التطبيع “السعودي-الإسرائيلي” وأهمية خروجها الآن..
بشكلٍ عام يبدو أن “الولايات المتحدة” تُريد إبراز بطاقة تطبيع العلاقات بين “إسرائيل” و”السعودية” بالتوازي مع إنهاء الحرب على “غزة”؛ حيث ينطوي التوقيت على دلالات نفسية هامة وهادفة.
وربما تُريد “واشنطن” للوهلة الأولى عكس الأجواء الراهنة ودلالات تبلور نهاية الحرب عبر الاتفاق مع (حماس)، والإبقاء على الحركة كمؤشر على هزيمتها.
والحقيقة أن تطبيع العلاقات “السعودية-الإسرائيلية” يختلف عن موجات التطبيع السابقة، لأنه لو حدث فسيكون بمثابة تطور جيوسياسي سيؤدي إلى أشكال وتداعيات أمنية شديدة على مستوى المنطقة، وربما يترتب عليه تأسي المزيد من الدول العربية والإسلامية بالمملكة؛ (بالنظر إلى مكانتها الخاصة)، والانضمام إلى قطار التطبيع.
في غضون ذلك؛ لن يقترن التطبيع “السعودي-الإسرائيلي”، بتشكيل “دولة فلسطينية”، ولكن من المتوقع أن تبدأ عملية سياسية للحفاظ على المظهر فقط، ومن المسّتبعد أن تُفضي إلى تشّكيل “دولة فلسطينية”، وقد يكون تغيّر رئاسة “السلطة الفلسطينة” جزءًا من هذه العملية.