يتّفهم العراقيون الطموح السياسي لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بولاية ثانية، فهي “سُّنة” إعتاد عليها الرؤساء في العراق بعد عام 2003، أو “عُرف” تعوّدت عليه المنظومة السياسية الحاكمة في التمسك بالسلطة حتى لو تخلّى أحدهم عن بنيه والقبيلة التي تأويه.
سَرديّة السلطة والحلم بالبقاء في الحكم تتكرر منذ حكومة إبراهيم الجعفري أول حكومة إنتقالية بعد عام 2005، في إستنساخ تجربة من سبقهم من النظام السابق في مفارقة مضحكة تخبرنا بها أدبياتهم التي قامت على أنقاض ذلك النظام إن الديمقراطية هي أساس الحكم وإن شرعية الحاكم تُكتسب من خلال رضا الشارع وصناديق الإنتخابات، لكن الواقع يعكس صورة مشوهة لمنظومة غير مستعدة للتخلي عن أدوات السلطة ومقتنياتها بالرغم من إعتراف الكثير من رموزها بالفشل وضرورة إفساح المجال للآخرين بأخذ أدوارهم في العملية السياسية.
ومع قرب مواسم التحشيد الإنتخابي يتداول مقربون من دائرة السلطة سيناريو الولاية الثانية للسوداني والرهان على ورقة قد تكون رابحة في مزاجهم السياسي وهو هوية السوداني الذي يُعتبر أول رئيس وزراء عراقي تسلّم زمام السلطة من الداخل العراقي، حين عاش سنوات الحروب والحصار الإقتصادي الذي فرضته أمريكا على الشعب العراقي، لكن الرئيس تخدعه وعود وعهود قادة الإطار التنسيقي، فهو بالنسبة لهم مجرد بيدق في لعبة يلعبها اللاعبين في ترشيح أو توريط الآخرين بمسك زمام رئاسة الوزراء والتخلص من عقدة تشكيل الحكومة ومن ضغوط الفاعل الخارجي أو حتى لإرضائه، وما إن تنتهي الصلاحية ومفعولها حتى تبدأ محاولات التخلص من البيدق والبحث عن بديل، لا تستغرب فتلك هي “سُّنة النظام السياسي في العراق” المتوتر الذي لا يستقر.
قالها نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق لولايتين وصاحب مقولة “ما ننطيها” والساعي لولاية ثالثة أحد زعامات الإطار التنسيقي بأنه يتوجب على السوداني تقديم إستقالته قبل فترة لاتقل عن ستة أشهر إذا أراد الدخول في السباق الإنتخابي.
المالكي لفت إلى أن بناء جسر أو شارع لايؤهل رئيس الوزراء لولاية ثانية في تلميح للسوداني.
مشروع الإنتخابات المبكرة الذي يحاولون لملمة شتاته وإقراره للتنفيذ بداية العام القادم قد تكون إحدى خطوات الرافضين لولاية ثانية للسوداني.
هي دورة الحياة السياسية في العراق، فوظيفة رئيس الوزراء بالمحصلة هو مزاج سياسي تتحكم به خيوط خارجية وداخلية لايُعلم متى تتوقف في تقرير مصائر العراقيين.
بالمقابل يسعى الراغب بولاية ثانية إلى تقديم التنازلات وعبور الخطوط الحمراء التي كان سلفه يُنتقد عليها، فلا عجب أن يزور السوداني واشنطن للترويج عن ولاية ثانية كما فعلها السابقين، ولا غرابة في وجود فكرة من حكومة الإطار التنسيقي لإنشاء مجمع للبتروكيمياويات والمصافي في “عين السّخنة” بمصر لتشغيل الشباب المصري العاطل عن العمل فيما تبلغ نسبة البطالة في العراق أكثر من 30٪، وقد يكون الوعد قريباً في تشغيل إنبوب البصرة-العقبة النفطي الذي كانت حكومة الإطار التنسيقي تعارضه في عهد حكومة الكاظمي بل وتتهم المخطط لتنفيذه بالخيانة على إعتبار وصول النفط العراقي إلى مخازن إسرائيل، يحدث ذلك وأكثر من أجل عيون الولاية الثانية.
الإعلان عن تأسيس التيار الوطني الشيعي الذي يقوده السيد مقتدى الصدر له دلالات ومعاني تفسرها اللحظة الحاسمة التي بدأت العملية السياسية تحدد مصير المتحكمين بخيوط السلطة، فالوقت أصبح مهماً لتسجيل أهداف سياسية تستفيد منها الكتل والأحزاب مبكراً ومن أجل سبق إنتخابي، فالواقع السياسي بدأت تلوح في أفقه أحداث ومتغيرات قد تقلب موازين القوى أو تحدث مفاجآت، فشعار التيار الوطني الشيعي الذي بدأ يتردد صداه في أروقة السياسة وحتى في الشارع للتخندق الإنتخابي القادم ضمن محاولات عودة التيار الصدري والمشاركة في الإنتخابات القادمة تحت هذا العنوان، ما يعني عودة مبدأ الأغلبية السياسية التي أصرّ عليها السيد مقتدى الصدر ورفضها الإطار التنسيقي وسالت من أجل ذلك الرفض دماء كثيرة على أرصفة الشوارع وتحولت المنطقة الخضراء إلى ساحة حرب بين جيش الأغلبية السياسية وغريمه التوافقية.
الحديث عن الواقع العراقي لا يدعو إلى الغرابة، فهو مشهد حي إعتدنا رؤيته منذ أكثر من عشرين عاماً في تكرار ممل لا يحمل أي جديد سوى قضاء وقت مستقطع من أعمار العراقيين في الإنتظار وحياة بائسة.