وهل كان الامام جعفر بن محمد الصادق{ع} عالما بالفقه فقط ..؟ ولماذا لم ينشروا علوم ال محمد{ص} للناس. ولماذا اقتصر الشيعة على تعلم المباني الشرعية التي تخص الحلال والحرام عن الائمة فقط. ولذلك نافس ائمة المذاهب الاسلامية ائمة البيت{ع} ووضعوا احكاما شرعية مقابل احكام ائمة الهدى.؟ واصبح لاحكام فقهاء المذاهب حصة في الفقه الاسلامي بصورة عامة.
من جانب اخر. يقول سيد البلغاء امير المؤمنين{ع} {ليس كل ما يعرف يقال ، وليس كل ما يقال حضر أهله ، وليس كل ما حضر أهله ، حان وقته ، و ليس كل ما حان وقته صح قوله. وقال[ع]:“من سالم الناس كثر اصدقاؤه وقلّ أعداؤه. المداراة أحسن الخلال. رأس الحكمة مداراة الناس “.تتمثل المداراة بتكليم الناس على قدر عقولهم، قال رسول الله {ص}:”إنّا معاشر الاَنبياء أُمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم “. وهنا يجب أن يتحدث المكلف بكلام مفهوم من قبل الجميع بلا حاجة إلى استخدام العبارات الغامضة، والمصطلحات غير المستعملة من الناس، قال أمير المؤمنين[ع]:”أحسن الكلام ما زانه حُسنُ النظام، وفهمه الخاص والعام “.
بعد هذه المقدمة اعرج على حياة الصادق {ع} جعفر بن محمد. وما تركه من ثروة في كنوز العلم والمعرفة في عقول قامات العلم العربية والاسلامية والغربية .. لقد شقق الإمام الصادق (ع) العلوم بفكره الثاقب وبصره الدقيق، حتَّى ملأ الدنيا بعلومه، وهو القائل: «سلوني قبل أن تفقدوني فإنه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل حديثي». ولم يقل أحد هذه الكلمة سوى جده الإمام أمير المؤمنين(ع).وأدلى بحديث أعرب فيه عن سعة علومه فقال: «والله إني لأعلم كتاب الله من أوله إلى آخره كأنه في كفي, وقد كان من مظاهر سعة علمه أنه ارتوى من بحر علومه أربعة آلاف طالب وقد أشاعوا العلم والثقافة في جميع الحواضر الإسلامية ونشروا معالم الدين وأحكام الشريعة. ونحن واباءنا نعيش ونتعبد من نمير علم الامام جعفر بن محمد الصادق{ع} .
وفي هذه المناسبة لا اتكلم عن علم الامام الصادق في الشريعة وتاريخ الاديان السماوية وسيرة الانبياء ولا عن صفاته وابناءه وكرمه وكيف حافظ على شريعة اجداده{ع} بل نخوض في علوم انسانية كان له السبق في تعريفها للناس والعلماء .
*** يجمع المؤرخون أن مجالس الإمام الصادق (ع) كانت مدرسة شاملة لعلوم القرآن، والفقه، اضافة للعقائد، والأصول، والفلسفة، والكيمياء والطب وعلم الحساب وعلم الفلك وغيرها من العلوم، وتمكنت الأمة من الاستفادة من علمه وحين انشأ مدرسة الكوفة, تتلمذ فيها – على يديه عشرون ألفاً، وصل التفقه بالعلوم منهم أربعة آلاف. وهؤلاء لم يكونوا علماء فقه يهتمون بالحلال والحرام دون سائر العلوم . بل نهلوا من نمير علمه كل علوم الدنيا .. رغم انه كان محاصر ومراقب من قبل أعين السلاطين الجائرين، كي لا ينشر علومه ويكمل رسالة آبائه وأجداده، وهي رسالة السماء، ولكن مع كل ذلك الحصار والرقابة والقتل، ما ملأ المغارب والمشارق وملأ الخافقين،وقد اجتهدت السلطة العباسية المتمثلة بالمنصور الدوانيقي ان لا تصل علوم ال محمد{ص} الى عموم المسلمين , فقام المنصور باستدعاء
أبو حنيفة النعمان بن ثابت المولود عام 80 هـ .. لو كان ولادة ابي حنيفة عام 80هـ اذن متى تاسس المذهب الحنفي.. ثم المذهب المالكي. روى ابن عساكر عن«خالد بن نزار الأيلي، قال: سمعت مالك بن أنس يقول: دعاني أبو جعفر المنصور،وقال لي: يا أبا عبد الله إني أريد أن أكتب إلى الآفاق فأحملهم على كتاب الموطأ، حتى لا يبقى أحد يخالفك فيه. فقلت: يا أمير إن أصحاب رسول الله {ص} تفرقوا في البلدن، وتّبعهم الناس، فرأى كل فريق أن قد اتبع مَتْبعاً» قال اكتب ونحن نسددك .. اذن تاسيس المذاهب جاءت بقرار سياسي.
**اعود للامام الصادق{ع}في عام 1968، نظّم مركز الدراسات العليا في تاريخ الأديان، التابع لجامعة (استراسبورغ) في فرنسا نظّم دورة علمية حول الشيعة الإمامية وتاريخهم العلمي والحضاري، من خلال حياة الإمام الصادق (ع)، وقد دعت الجامعة أساتذة جامعات وعلماء استشراق من أميركا وفرنسا وبريطانيا وسويسرا وبلجيكا وإيطاليا، ودولة عربية وإسلامية.وقد نشرت (دار المطبوعات الجامعية الفرنسية) أبحاث تلك الدورة العلمية ، في كتاب (باللغة الفرنسية) بعنوان(الإمام الصادق في نظر علماء الغرب)،في عام 1970، ونقله الى العربية (د. نور الدين آل عليّ – أكاديمي من جامعة السوربون).بمطالعة هذا الكتاب يمكن ملاحظة الريادة والتفرد العلمي للإمام الصادق(ع)، فقد وقف علماء الغرب، مذهولين أمام نبوغ وعبقرية الإمام الصادق (ع) في البعد العلمي.مثال على ذلك، مسألة العناصر البسيطة وكيف أن علماء الغرب كانوا يعتقدون بها “خطأ”، لكنهم بعد اطلاعهم على نظرية الإمام اعترفوا بأن الهواء مُركّب وليس عنصراً بسيطاً، وهو ما قاله الإمام، قبل أكثر من ألف عام.وأيضاً حول حركة الشمس، وأشعة النجوم، وانتقال الأمراض بالضوء، وضرورة إرضاع الوليد من الجانب الأيسر، واكتشاف الأوكسجين، وحركة الأجسام من حولنا حتى الجمادات، وغيرها من النظريات. .