استقرار أي بلد لا يمكن له ان يتحقق وحال تفكك جبهته الداخلية . عليه لابد توافر العوامل الضامنة لتحقيقي مثل ذلك الاستقرار والتي من اهمها توحيد الجبهة الداخلية ، وهذا يحتاج للاستقرار السياسي والأمني والمجتمعي .
في العراق نجد هناك بعثرة للمفاهيم والأسس التي بني عليها النظام التي مع الأسف الشديد كانت قد طوّعت الى مصالح ضيقة بعيدة عن مفهوم الوطن ودون اهتمام لمصالحه العليا , مع انها من بديهيات النظم الدولية التي من المفترض ان تكون على رأس هرم الأوليات في الإدارة والحكم الرشيد .
واحدة من اهم أسباب تفكك الجبهة الداخلية للعراق تمثّل بـ ” فقدان الثقة السياسية ” بين الشركاء من كافة المكونات , والدلالات هنا كثيرة , وربما ما هو اقرب للذاكرة هو ذلك الاتفاق الذي تمّ بين قوى تحالف إدارة الدولة , الذي لو لا انبثاقه لبقينا حتى الساعة دون حكومة تذكر او ربما يصار لتكليف شخصية سياسية لإدارتها وكما حدث مع لبنان ابان تكليف السيد ” نجيب ميقاتي ” . فورقة الاتفاق السياسي الزمت الجميع العمل بها , وتنفيذها , لكن ولمّا سيصل زمن حكومة السيد السوداني لسقف السنتين نجد هناك الكثير من بنود الاتفاق التي تخص الأخوة بالمكون السني وكذا الاخوة بالمكون الكردي لم يجرِ بعد تنفيذها وبقصدية فاضحة وبتحدٍ بالغ , ما جعل كلا المكونين يفقدان الثقة بحليفهما ” الاطار التنسيقي ” . فدون اية اعذار أومن تلك التي سيقت من قبلهم ومحاولتهم اخلاء المسؤولية عنهم بحمل العلّة على كتف التشريعات والقوانين , غير انهم من النظرة الواقعية يتحملون تبعات عدم التنفيذ , فالاطار له الأغلبية في البرلمان وكذلك باتت اغلب المؤسسات الفاعلة تدار من شخصيات تابعة له , مع هذا نجد لا بصيص من امل لإقرار قانون تعديل قانون العفو النافذ , ولا هناك من حل لملف المهجرين وارجاعهم لمدنهم , ولم تعطَ حقوق لذوي المغيبين او معرفة مصير أبنائهم , نعم ويتحمل الاخوة السنة فيما بعد جزء من المسؤولية إزاء التفكك الذي أصاب عدد من الكتل والصراع المحموم على منصب رئاسة البرلمان , وكذلك صمت البعض لئلا يخسر مكتسباته , وما يحزن انك لم تجد بعد من زعيم سني يطالب بتنفيذ تلك الورقة سوى ما نسمعه بين الفينة والأخرى من صوت لرئيس حزب السيادة الشيخ ” خميس الخنجر ” والذي ربما بٌحَّ صوته ودون نتائج ملموسة سوى ما يتلقاها من الوعود المكررة من قبل رئيس الحكومة او من قبل بعض زعامات الاطار .
على ذات الجرف نجد الزعامات الكردية لا تختلف بشيء ازاء موقفها من حليفهم الاطاري عن الموقف السنّي منه, اذ لازالت المشاكل عالقة بملفات عدة منها الرواتب وتصدير النفط والمنافذ وتسليم واردات النفط للحكومة الاتحادية , ثم قرارات المحكمة الاتحادية بشأن انتخابات الإقليم , ناهيك عمّا يتعرضون له من اعتداءات متكررة , سواء كانت فصائلية من الداخل ام خارجية من طهران ؟ , فهلا هناك من قيام بعد لمزية الثقة السياسية ؟؟ .
لا يمكن تحقيق الاستقرار الداخلي وان غيّرت الحكومة من سياستها الخارجية وسعيها لتحقيق التوازن لأجل تحقيق الامن , وكما صرّح السيد السوداني قبيل مغادرته نييورك , والذي اكدت الوقائع وقبل ان يحطّ اقدامه مطار بغداد , ان لا امن في العراق بعد تعرض قاعدة ” كالسو ” شمال بابل لهجوم بالصواريخ وتلك جزئية بسيطة وفيما فتحتنا الباب مشرعاّ امام تحركات وسلوك الفصائل المسلحة المقاومة المدعومة من ايران .
واذن لا امن دون امن داخلي مستدام , ولا امن داخلي يتحقق دون استقرار سياسي محض , ولا استقرار سياسي يحصل دونما ثقة سياسية مطلقة بين الفرقاء , وتلك لا تتحقق الا بالتزام الاطار التنسيقي بما الزم به نفسه من تنفيذ كامل لجميع بنود الورقة السياسية يضاف لها الاستقرار المجتمعي من خلال بث الوعي القيمي بالنأي عن الخطابات الطائفية المؤججة للفتن والفرقة . نتمنى على الاخوة بالاطار التنسيقي ان يتورعوا لحجم المخاطر المحدقة بالعراق , وان لا ينغرّوا كثيرا بما حصلوا عليها من مكتسبات سياسية واقتصادية ويتركوا كل هذا ويتوجهوا فعلياً وبإرادة وشجاعة الى بقية شركائهم ليحاولوا ترميم العلاقة بينهم التي بدأت تتآكل تدريجياً , فربما وبلحظة ما ينفرط عقد التحالف وحينها الجميع سيخسر وفي مقدمتهم زعامات الاطار , اذ لا شرعية تبقى للحكومة بعدها وفيما عزم الكرد والسنة الانسلاخ من تحالف إدارة الدولة وانسحاب نوابهم من المجلس التشريعي , خصوصا ونحن بتنا نسمع في اروقتهم ما يدور من حوارات داخلية سواء بينهم او ما يدور بين الكور والسنّة بلقاءاتهم غير المعلنة .