خاص: قراءة- سماح عادل
يستأنف الكتاب الحكي عن طمع الغربيين في الصين، والذي تحقق علي أرض الواقع في صورة استعمار بسبب رفض الصين لتجارة الأفيون علي أراضيها. وذلك في الحلقة المائة والخامسة والعشرين من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.
حرب الأفيون الثانية..
يستكمل الكتاب الحديث عن غزو الأوربيين للصين: “وبينما كانت فتنة تاي- بنج الصماء تمزق الصين وتقطع أوصالها اضطرت الحكومة إلى مواجهة أوربا مرة أخرى في “حرب الأفيون” الثانية (1856- 1860م). وكان سببها أن بريطانيا العظمى، تعاونها فرنسا والولايات المتحدة معاونة تقوى تارة وتضعف تارة أخرى، طلبت إلى الصين أن تجعل تجارة الأفيون تجارة مشروعة وكانت هذه التجارة قد ظلت قائمة بين الحربين رغم ما صدر من الأوامر بتحريمها، وأن تسمح لها بالدخول في مدن جديدة غير التي كانت قد سمح لها بدخولها، وأن يستقبل الرسل الغربيون بما يليق بهم من التكريم في بلاط بيكين.
فلما رفض الصينيون هذه المطالب استولى البريطانيون والفرنسيون على كانتون، وأرسلوا حاكمها مقيداً بالأغلال إلى الهند، واقتحموا حصون تينتسين وزحفوا على العاصمة، ودمروا القصر الصيفي انتقاماً لما نال مبعوثي الحلفاء من تعذيب وقتل على يد الصينيين في بيكين. وأملى الغزاة الظافرون على المهزومين معاهدة فتحت لهم بمقتضى شروطها ثغور جديدة كما فتح نهر جنج- دزه للتجارة الأجنبية، وحددت طريقة لاستقبال الوزراء الأمريكيين والأوربيين في الصين على قدم المساواة مع الوزراء الصينيين، ووضعت الضمانات القوية لسلامة المبشرين والتجار الأجانب والسماح لهم بممارسة نشاطهم في جميع أجزاء الصين.
وأخرجت البعثات التبشيرية من اختصاص المحاكم والموظفين، وزادت في امتيازات أبناء الأمم الغربية وتحررهم من الخضوع لقوانين البلاد، وأعطت بريطانيا قطعة من الأرض مقابلة لهنج كنج؛ وجعلت استيراد الأفيون عملاً مشروعاً، وفرضت على الصين غرامة حربية لينفق منها على إخضاعها لسلطان الغربيين وتدريبها على أساليبهم”.
اقتطاع أراضي الصين..
وعن تقسيم أراضي الصين بين القوي الاستعمارية: “وشجعت الأمم الأوربية انتصاراتها السهلة فأخذت تقتطع من الصين قطعة بعد قطعة، فاستولت الروسيا على الأراضي التي تقع في شمال نهر عامور وشرق نهر الأوسوري (1860م)، وانتقم الفرنسيون لموت أحد المبشرين بالاستيلاء على الهند الصينية (1885م)، وانقضت اليابان على جارتها ومصدر حضارتها وأثارت عليها حرباً فجائية (1894م)، وهزمتها بعد عام واستولت على فرموزا وحررت كوريا من الصين لتستولي عليها فيما بعد (1910م).
وفرضت على الصين غرامة حربية تبلغ 000ر000ر170 دولار لما سببته لها من متاعب جمة. ومنعت روسيا اليابان أن تستولي على شبه جزيرة لياتنج على أن تؤدي الصين إلى اليابان غرامة إضافية، فلما انقضت ثلاث سنين من ذلك الوقت استولت الروسيا نفسها على شبه الجزيرة وأقامت فيها عدة حصون منيعة. وكان مقتل اثنين من المبشرين على يد الصينيين سبباً في استيلاء ألمانيا على شبه جزيرة شانتنج (1898م)، ثم قسمت الدولة الصينية التي كانت تحكمها من قبل حكومة قوية إلى “مناطق نفوذ” تستمتع فيها هذه الدولة الأوربية أو تلك بامتيازات في التعدين أو التجارة لا تشاركها فيها غيرها من الدول.
وخشيت اليابان أن تقسم الصين تقسيماً حقيقياً بين الدول الغربية، وأدركت شدة حاجتها إلى الصين في مستقبل الأيام، فانضمت إلى أمريكا وطالبت الدولتان بسياسة “الباب المفتوح”، أي بحق الدول جميعاً في الاتجار مع الصين على قدم المساواة رغم اعترافها بما للدول في الصين من “مناطق نفوذ”، على أن تكون الضرائب الجمركية ونفقات النقل واحدة لجميع الدول على السواء. وأرادت الولايات المتحدة أن تضع نفسها في مركز يمكنها من أن تساوم على هذه المسائل، فوضعت يدها على جزائر الفلبين (1898م) وأعلنت بعملها هذا عزمها على أن تشترك في النزاع القائم من أجل الاتجار مع الصين”.
الإمبراطورة الوالدة..
وعن حكم الامبراطورة الوالدة يكمل الكتاب: “وفي هذه الأثناء كان فصل آخر من الرواية يمثل وراء جدران القصر الإمبراطوري في بيكين. ذلك أنه لما دخل الحلفاء عاصمة الصين ظافرين في نهاية “حرب الأفيون” الثانية (1860م) فر الإمبراطور الشاب شيان فنج إلى جيهول حيث توفي بعد عام واحد من ذلك الوقت وترك العرش لابنه البالغ من العمر خمس سنين، فما كان من زوجة الإمبراطور الثانية أم ذلك الغلام إلا أن استولت على مقاليد الحكم وتسمت باسم تزه شي- وعرفها العالم باسم الإمبراطورة الوالدة- وحكمت الصين حكماً طيباً صارماً مجرداً من الرحمة دام جيلاً كاملاً.
وكانت هذه السيدة في شبابها قد حكمت البلاد بقوة جمالها، أما الآن فقد حكمتها بقوة إرادتها. ولما مات ولدها عند بلوغه سن الرشد (1875م) لم تعبأ الإمبراطورة بالسوابق ولم تأبه بالمعارضين وأجلست على العرش غلاماً قاصراً- جوانج تشو- واستبقت مقاليد الحكم في يدها. وحافظت هذه الإمبراطورة الجريئة على السلام في بلاد الصين نحو ثلاثين عاماً مستعينة في ذلك برجال من دهاقين السياسة أمثال لي هونج- جانج، وأرغمت الدول الجشعة على أن تحسب للصين بعض الحساب. فما أن انقضت اليابان على الصين فجأة، وأسرعت الدول الأوربية إلى تقطيع أوصال البلاد تقطيعاً جديداً بعد انتصار اليابانيين عليه.
حركة تمرد..
وعن حدوث حركة تمرد: “قامت في عاصمة الصين حركة قوية تطالب بأن تحذو حذو اليابان التي أخذت بأساليب الدول الغربية- أي أن تجيش جيشاً قوياً، وأن تنشئ المصانع وتمهد الطرق وأن تحاول الحصول على الثروة الصناعية التي مولت بها اليابان وأوربا حروبهما الظافرة.
وقاومت الإمبراطورة ومستشاروها هذه الحركة بكل ما لديهم من قوة، ولكن جوانجشو انضم إليهم سراً، وكان قد أذن له أن يتربع على العرش وأن يكون إمبراطوراً بحق. فلم تشعر الإمبراطورة ومستشاروها إلا وقد أصدر جوانج إلى الشعب الصيني (في عام 1898م)، من غير أن يستشير “بوذا العجوز” وهو الاسم الذي كانت حاشية الإمبراطورة تطلقه عليها، عدة مراسيم عجيبة لو أن البلاد قبلتها وعملت بها لسارت سيراً حثيثاً سلمياً في طريق الأخذ بأساليب الغرب ونظمه، ولحال أخذها بها دون سقوط الأسرة المالكة وتدهور الأمة في هاوية الفوضى والشقاء.
فقد أمر الإمبراطور الشاب بإقامة نظام جديد للتعليم وإنشاء مدارس لا يقتصر التعليم فيها على كتب كنفوشيوس وأتباعه القدماء بل تدرس فيها أيضاً الثقافة الغربية في العلوم والآداب والفنون الصناعية وشجع على إنشاء الطرق وإصلاح الجيش والبحرية، وكان يهدف بهذا إلى الاستعداد لمواجهة “الأزمة” المقبلة على حد قوله هو “لأننا محاطون من كل ناحية بجيران أقوياء يريدون بختلهم أن يظفروا بنا، ويحاولون بتألبهم علينا أن يغلبونا على أمرنا”. وهال الإمبراطورة الوالدة أن يصدر الإمبراطور هذه المراسيم التي رأت فيها تطرفاً لا تحمد مغبته فسجنت جوانجشو في أحد القصور الإمبراطورية، ونقضت مراسيمه، وقبضت بيدها مرة أخرى على أزمة الحكم في الصين”.
معارضة الأفكار الغربية..
وعن حدوث معاداة شديدة للأفكار الغربية يكمل الكتاب: “وبدأ في ذلك الوقت رد فعل عنيف ومعارضة قوية لجميع الأفكار الغربية اتخذتهما الإمبراطورة الداخلية عوناً لها على الوصول إلى أغراضها. وكان بعض العصاة قد أقاموا في البلاد جماعة تعرف باسم أي هو- جوان؛ أي قبضات التوافق الصالحة. ويطلق عليهم المؤرخون اسم “الملاكمين” (البكسر). وكانت هذه الجماعة تهدف في الأصل إلى خلع الإمبراطورة والأسرة المالكة. ولكن الإمبراطورة أفلحت في إقناع زعمائها بأن يوجهوا هذه الحركة وقوّتها لمقاومة الغزاة الأجانب بدل أن يوجهوها لمقاومتها هي.
وقبل الملاكمون أن يصدعوا بأمرها ونادوا بإخراج جميع الأجانب من بلاد الصين، وجرفهم تيار الوطنية العارمة فشرعوا يذبحون المسيحيين بلا تفريق بين الطيب منهم والخبيث في كثير من أنحاء الصين (1900م). فما كان من الجيوش المتحالفة إلا أن زحفت مرة أخرى على بيكين، وكان زحفها في هذه المرة لحماية مواطنيها الذي استولى عليهم الرعب فاختبئوا في أركان دور السفارات الأجنبية. وفرت الإمبراطورة وحاشيتها إلى شيانغو، وانقضت جيوش إنجلترا وفرنسا والروسيا وألمانيا واليابان والولايات المتحدة على المدينة، وأعملت فيها السلب والنهب، وقتلت كثيراً من الصينيين انتقاماً منهم لمواطنيها.
وخربت كثيراً من الممتلكات القيمة أو نهبتها . وفرض الحلفاء على عدوهم المهول المغلوب غرامة حربية مقدارها 000ر000ر330 دولار يجمعها الأوربيون من المكوس المفروضة على الواردات الصينية وعلى احتكار الملح. على أن جزءاً كبيراً من هذه الغرامة قد رفعته فيما بعد الولايات المتحدة، وبريطانيا العظمى، والروسيا، واليابان، عن الصين. وكانت هذه الدول تشترط عليها عادة أن تنفق الأموال التي نزلت عنها على تعليم الطلبة الصينيين في جامعات الدول التي كانت هذه الأموال من حقها. وكان هذا منها عملاً كريماً كان له من الأثر في تحطيم الصين القديمة أقوى مما كان لأي عمل آخر بمفرده في الصراع التاريخي المرير بين الشرق والغرب”.