رسالة إلى السادة:
الساسة والمسؤولين العراقيين.
المنظمات الدولية والإقليمية (الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة المؤتمر الإسلامي وغيرها).
أصحاب الضمائر الحية في كل مكان
نحن الشعب الكوردستاني اصحاب التاريخ والحضارة والأرض والثقافة التي تميزنا عن غيرنا من الشعوب، كان لنا دوراً مهماً في بناء الحضارات الانسانية على اساس العدالة والمساواة واحترام الحقوق والحريات والتعايش السلمي بين جميع الشعوب والأديان.
مساحة إقليم كوردستان تزيد عن مساحة دول عديدة وعدد سكانه يفوق سكان دول مختلفة ايضاً، وبالرغم من محاولاته الكثيرة في سبيل نيل حقوقه المشروعة وبناء كيان سياسي مستقل له إلا ان الانقسامات الداخلية والمصالح الخارجية حالت دون ذلك، بل أصبح هدفاً للدول العظمى وموضوعاً لتصفية الحسابات بينهم في الاتفاقيات التي أسفرت عن تقسيم أراضيه بين الدول المنتصرة وإلحاق أجزائه بالدول الحالية ( ايران والعراق وتركيا وسوريا) مقتضياً مصالحهم الذاتية، اي ان إلحاق الشعب الكوردستاني بدولة العراق لم يكن بمحض إرادتهم وإنما عنوةً وبدلاً من استعابهم والتعامل معهم على أساس القانون والمواطنة تعاملت الأنظمة السياسية في العراق بالحديد والنار معهم وحاولوا محوهم وصهرهم في بوتقة القومية العربية واعلنوا مراراً وتكراراً الحروب معهم ومارسوا شتى الوسائل لفنائهم وارتكبت بحقهم جرائم الابادة الجماعية وفي المقابل قاد هذا الشعب المغلوب على أمره حركة تحرر وطنية من أجل حماية ارضه وتاريخه وثقافته.
كاد مشهد الحرق والقتل والتدمير وصوت المدافع والتجويع والخناق عليه والعيش في الكهوف والبيوت البسيطة في الوديان والبحث عن لقمة لسدّ رمقه مشهداً يومياً ومستمراً وملحقاً بالعراق منذ تأسيسه مع الاختلاف في درجة حدّتها وطريقة تنفيذها.
طرح الشعب الكوردستاني متمثلاً بقيادته الحكيمة منذ الوهلة الأولى من حركته السياسية أفكاراً ومشاريع وطنية طموحة من أجل تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في البلاد، هذه المشاريع التي طرحتها الحركة التحررية الكوردستانية كانت نابعة من ايمانها المطلق بأن تنفيذها ستأتي بثمارها لصالح الشعب العراقي كله وكانت ملائمة للمرحلة ولكنّها كانت تجابه بالرفض التام أو المماطلة والتسويف في تنفيذ بنودها واختلاق المشكلات والخلافات.
أبدت الحركة التحررية الكوردستانية عن طريق طرحها لهذه المشاريع من خلال مفاوضاتها مع الأنظمة الحاكمة عنّ نيتها الصادقة لإيجاد الحلول والمعالجات اللازمة والممكنة لتحقيق الاستقرار والازدهار والتنمية الشاملة والعيش بأمان وسلام.
أدنّاه عدد من هذه المشاريع التي وضعتها قيادة الحركة التحررية الكوردستانية على طاولة المفاوضات والحوار او أعلنت عنها كاستراتيجية تعمل من اجلها وضمن نطاقها:
– عند تأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني (الپارتی) في ١٦ آب ١٩٤٦ بقيادة الأب الروحي للكورد (ملا مصطفى بارزاني) رفع شعار (الديمقراطية للعراق وحق تقرير المصير للشعب الكوردستاني)، ومارسها بشكل عملي ضمن صفوف تنظيماته، لإيمانه بأن المركزية لا تجلب الخير للشعوب وفي ظل النظام الديمقراطي يمارس الشعب دوره ويشارك في العملية السياسية.
– خلال سنوات ثورة أيلول العظيمة للشعب الكوردستاني من ١٩٦١ الى ١٩٧٠ وفي كل جولة من مفاوضاته كانت الديمقراطية على رأس جدول أعمال الوفد المفاوض والحكم الذاتي للكوردستانيين والتي انتهت باقراره في اتفاقية الحادي عشر من آذار عام ١٩٧٠ ولكنّها سرعان ما انتهت باتفاقية الجزائر المشؤومة في ٦ آذار ١٩٧٥ بين العراق وايران.
– بعد غزو العراق للكويت في عام ١٩٩٠ وما تلته من أحداث وتطورات سياسية منها الانتفاضة الشعبية للكوردستانيين في ربيع ١٩٩١ والهجرة المليونية الى المناطق الحدودية لتركيا وايران وتبني المجتمع الدولي لقرار (٦٨٨) الخاص بإنشاء منطقة آمنة واجراء أول انتخابات برلمانية وتشكيل الحكومة، تبنى الشعب الكوردستاني وبقرار من برلمانه في عام ١٩٩٢ النظام الفيدرالي كاساس للتعامل مع دولة العراق التي كانت ما تزال تحكّمها المركزية المقيتة، وتم الإعلان عن كوردستان إقليماً فيدرالياً، وفي المقابل حاول النظام العراقي السابق النيل منه بكافة الطرق الممكنة ولكنه أخفق في تحقيق ذلك.
– في عام ٢٠٠٣ شاركت القيادة السياسية لإقليم كوردستان بكل أحزابه في بناء عراق ديمقراطي تعددي أملاً بتحقيق ما كان يصبوا إليه سابقاً وتمت صياغة دستور مختلف تماماً عن الدساتير السابقة وتم الإقرار بدولة العراق على انه ديمقراطي تعددي برلماني والمواطنة سيكون أساس التعامل دون تميز في القومية او الدين أو المذهب أو الجنس، وكان للكوردستانيين دور كبير في بناء العراق الجديد وحمايته من الارهاب والتطرف، ولكن من المؤسف جداً أن عدداً لا بأس به من المواد الدستوريّة المتعلقة بحقوق الشعب الكوردستاني واختصاصاته إقليمه الفيدرالي بقيت حبراً على ورق وتعمدت الحكومات في المماطلة وخلق الأزمات.
– نتيجة للسياسات الحكومية المتبعة ضد إقليم كوردستان وعدم تنفيذ تعهداتها وكحق قانوني لأي انسان، قررت القيادة السياسية في الاقليم اجراء استفتاء شعبي في ٢٥ أيلول ٢٠١٧ لتقرير مصيره بطريقة ديمقراطية وصوّت الشعب بنسبة ٩٣٪ لصالح الاستفتاء ولكنها جوبهت باجراءات قاسية من فرض الخناق وغلق الحدود والمطارات والبدء بالهجوم العسكري ولكن كان لقوات الپیشمەرگە والأجهزة الأمنية كلمتها الفصل وتصدت للهجوم وكبدًتهاخسائر فادحة وحمت الاقليم كما حماه أثناء هجوم التنظيم الارهابي داعش عليه في عام ٢٠١٤ وسقوط فرقتين عسكريتين وتسليم مدينة الموصل خلال ساعات وضربت أروع الأمثلة في البطولة والشجاعة والفداء.
اخيراً نقول ان جميع الحلول المقدمة من القيادة السياسية للشعب الكوردستاني منذ اكثر من ثمانية عقود بين الديمقراطية وحق تقرير المصير والحكم الذاتي والنظام الفيدرالي والاستفتاء الشعبي لم تلقّ آذانا صاغية من قبل من يمسك بزمام الحكم في العراق وتستمر مسلسل المحاولات من اجل إنهاء وجوده وإضعافه حتى رفع الراية البيضاء لهم.
لكننّا نجد من الضروري القول بان السياسات والمؤامرات التي انتهجتها الأنظمة الحاكمة ضد الشعب الكوردستاني لم تجدِ نفعاً بل زادته حماساً وإصراراً على المطالبة بحقوقهم المشروعة وان هذه الممارسات تنافي أهداف الشرائع الدينية كلها في التعامل الأنساني مع جميع البشر وكذلك تناقض روح القوانين والأعراف الدولية، في ظلّ صمت دولي من قبل المجتمع الدولي امام ممارسات الحكومات المتعاقبة من القتل والتدمير والتجويع.
السؤال الذي يفرض نفسه إلى متى يستمر هذا المشهد الذي اشمأزت منه النفوس ولم يجلب للعراق إلا الويلات والنكبات ويأتي اليوم الذي تأخذ القيادة السياسية في العراق الحلول المقدمة من قبل قيادة الشعب الكوردستاني محمل الجد والبصيرة لينعم الجميع بحياة كريمة بعيدة عن الظلم والقهر والعنف والعنصرية.
هذا نداء من القلب الذي يعتصر ألماً مما نعاني منه إلى أصحاب الهمم والضمائر الحية أن يلعبوا دورهم وينهوا المعاناة والمآسي التي طالت أمدها ونكتفي بهذا القدر من الصراع الذي لا مبرر له وننعم بحقوقنا أسوة بشعوب العالم، والى متى تستمر القيادة الكوردستانية بطرح الحلول وتجابه بالرفض من قبل الانظمة الحاكمة؟
فنحن شعب نحب السلام والعيش السعيد والخير للعالم، أليس منكم رجل رشيد.
اتمنى لكم دوام التوفيق وحمل الموضوع بجدية لان القادم من الزمن لن يكون بافضل مما سبق وحينها لا ينفع الندم.