بعد اكتمال الفصل الثاني والأخير للدورة الانتخابية الحالية , وبداية العطلة البرلمانية في 14/4/2014 , يكون عمر البرلمان الحالي قد انتهى من الناحية الواقعية , بالرغم من أنّ عمر البرلمان الدستوري ينتهي بنهاية هذه العطلة في 14/6/2014 , وبهذه النهاية يكون البرلمان العراقي قد سجّل سابقة تأريخية من بين كل البرلمانات الديمقراطية في العالم , بعدم إقراره الموازنة العامة للبلد لهذه السنة المالية , بالرغم من مخالفة هذا للدستور العراقي الذي يوجب وفق المادة 57 من عدم إنهاء فصل الانعقاد الذي تعرض فيه الموازنة العامة للبلد إلا بعد الموافقة عليها , وحتى لا تتكرر تجربة هذا البرلمان المؤلمة , ثلاثة أمور أمام أعين الشعب العراقي يجب أن لا تتكرر خصوصا ونحن على أبواب انتخابات برلمانية عامة ستأتي ببرلمان جديد وحكومة جديدة , وهذه الأمور الثلاثة هي :
أولا : تجربة التحالف الوطني العراقي / فكلنا نعلم أنّ تجربة التحالف الوطني العراقي لم تكن قد أملتها الظروف الموضوعية والذاتية للبلد , بل كانت تجربة قد فرضتها المحكمة الاتحادية العليا بقرارها المتعلق بتفسير المادة 76 من الدستور العراقي حول مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا , فهذا التحالف ولد أصلا لقطع الطريق أمام تحالف القائمة العراقية برئاسة أياد علاوي من تشكيل الحكومة , ولم يكن لطرفي هذا التحالف أدنى قدر من الانسجام , بالرغم من إعلان عمار الحكيم أنّ هذا الزواج هو زواجا دائميا وليس مؤقتا , ولست في صدد استعراض تجربة هذا التحالف على المستويين البرلماني والحكومي , فعوامل الفرقة كانت أكبر بكثير من عوامل الانسجام والتفاهم , بل أنّ التناحر بين أطراف هذا التحالف كان واحدا من أهم الأسباب التي أدّت إلى هذا الوضع المأساوي الخطير , خصوصا تصرفات كتلة الأحرار التي تصرّفت بطريقة لا تختلف عن السلوك التاريخي للخوارج .
ثانيا : برلمان التوافق / ربّما أنّ تجربة البرلمان الحالي بهذه التشكيلة وهذه القيادة , هي الأكثر ماساوية في التأريخ السياسي العراقي المعاصر , فلم يشهد البلد بكل تأريخه أسوء من هذا البرلمان , فرئيس هذا البرلمان قد جسدّ الطائفية السياسية بأسوء صورها واشكالها , وقاد هذا البرلمان بتفوق نحو التشرذم والانقسام والتناحر , فبدلا من أن يعكس هذا البرلمان صورة الوحدة والتوافق الحقيقي بين مكونات الشعب العراقي , أصبح بفضل رئيسه واحدا من أهم عوامل الفرقة بين أبناء الشعب العراقي , فتجربة هذا البرلمان المريرة يجب أن لا تتكرر هي الأخرى , وهذا ما يتمّناه العراقيون من هذه الانتخابات القادمة .
ثالثا : حكومة التوافق / ويسميها البعض بحكومة الشراكة الوطنية , والحقيقة أنّها الأبعد عن كل شكل من أشكال الشراكة الوطنية , فعناصر هذه الحكومة المتكوّنة من ممثلي الكتل السياسية في العملية السياسية , قد جسّدوا شكلا ومضمونا كل رذائل المحاصصات الطائفية والقومية , وكانوا الأفسد في تأريخ الوزارات العراقية , ولم يرتقوا إلا القلة منهم لمستوى المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقهم وعاتق أحزابهم التي ينتموا إليها في خدمة مصالح أبناء شعبهم وتقديم الخدمات لهم , بل كان جلّ اهتمامهم هو النهب والسلب للمال العام , وعكس اجندات أحزابهم التي ينتمون إليها , فمنهم الإرهابي ومنهم الفاسد ومنهم الطائفي ومنهم من تعمّد بإفشال أي جهد جيد للحكومة , فهذه الحكومة هي الأسوء في تأريخ كل الحكومات العراقية , والشعب العراقي يعلق آمالا كبيرة على هذه الانتخابات من خلال انتخاب برلمان قادر على إنهاء كل شكل من أشكال المحاصصات الطائفية والقومية , والتوجه نحو انتخاب حكومة أغلبية سياسية قادرة على تصحيح كل الأوضاع الشاذة التي مرّت بها العملية السياسية الفاشلة .
وأستطيع القول أنّ الشعب العراقي أمام امتحان صعب , فأمّا التوّجه نحو برلمان وحكومة الأغلبية السياسية , وأمّا البقاء على حكومات التوافق والمحاصصات الطائفية , فالحسم والخيار بيد الشعب والكلمة الفصل لصناديق الاقتراع , فهل سيتوجه العراقيون في الثلاثين من نيسان لإنهاء هذا الوضع الشاذ ؟ أم أننا سنرجع للمربع الأول ؟ , فلا بدّ من اختيار واحد من الخيارين , أمّا تحالف رئيس الوزراء الحالي أو تحالف مناوئيه , فما علينا إلا حسن الاختيار , فالذي يعتقد أن تحالف مسعود البارزاني وأسامة النجيفي وايادعلاوي وعمار الحكيم ومقتدى الصدر هو الأفضل للعراق , فعليه أن يصوّت لهذا التحالف , ومن يعتقد أنّ تحالف رئيس الوزراء نوري المالكي هو الأفضل للعراق , فعليه هو الآخر أن يصوّت لهذا التحالف , وأنا شخصيا لا أرى أي مصلحة للعراقيين في تحالف يقوده مسعود وأسامة وأياد علاوي .