22 نوفمبر، 2024 11:50 م
Search
Close this search box.

دومنة ب 90 مليون وسيارة ب 600 مليون .. في العراق الجديد !!

دومنة ب 90 مليون وسيارة ب 600 مليون .. في العراق الجديد !!

بعد عقودٍ طويلة من الانخفاض المطّرد في كافة نواحي الحياة , والفقر المدقع , والعوز والبؤس الذي ضرب بجرانه البلاد , والظلم والجور الذي عم العباد , فضلا عن السنوات العجاف وايام الحصار التي اكلت اللحم ودقت العظم , اذ بدأ عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع وسوء التغذية في الازدياد ببطءٍ مرةً أخرى في عام 1990 , وقد مات اكثر من مليون طفل بسبب هذه الاوضاع المزرية فضلا عن عشرات الالاف الذين ماتوا بسبب امراض سوء التغذية وضعف المناعة والضعف العام وفقر الدم وغيرها … الخ ؛ من الله على العراقيين بنعمة الديمقراطية والحرية وزوال الدكتاتورية والانظمة الطائفية العنصرية المقيتة والتي عبر البعض عنها بانها حكومات ( السنة والمجاعة )  والتي يطلق عليها الكذبة البعثيون والدجالة الطائفيون والسفلة المنكوسون ((ايام الزمن الجميل!! )) .  

ايام الزمن الاغبر والعهد الدموي الاسود ؛ كان العراقيون الاصلاء يبيعون اثاث البيت لشراء بعض المواد الغذائية او الادوية , وفي المحافظات الجنوبية باع الناس شبابيك وابواب الغرف وحديد (الشيلمان ) البيت من شدة الجوع والعوز والفاقة , واستخدم المواطن العراقي ( المكرود) البائس ؛ (البطانيات ) لأجل اللبس وليس الغطاء , اذ حول بعض الخياطين البطانيات الى قماصل , وانتشرت المصابغ لكثرة صبغ الملابس البالية والتي يلبسها العراقيون على الرغم من رداءتها الا انهم يصبغوها كي لا تبدو بالية , فضلا عن ان الناس كانت ( تگلب ياخة القميص ) بفضل الرواف الذي يعمل على اصلاح الملابس (الي انقرض هسه و جان شغله مزدهر ) … ؛ وكان الموظفون فقراء واغلبهم ترك الوظيفة , ومن بقى منهم , راتبه البسيط لا يستطيع شراء نصف طبقة بيض به ؛ وكان العراقي  الاصيل يتمنى أكل اللحم والدجاج , اما الفواكه كالموز والتفاح فهذه كانت من الاحلام , تصور عزيزي القارئ ان رئاسة الجمهورية كانت تخصص كل شهر صندوق من التفاح اللبناني لكل عضو من اعضاء القيادة القطرية او القومية او الوزراء باعتباره مكرمة من مكارم اللئيم صدام ..!!

وكان العراقيون الاصلاء يطلبون الملح من الجيران , و (  والمعجون ينباع بالخاشوگة مو مثل هسه بالقوطية  ) , اما الحلويات فكانت من المحرمات (فالنستلة جانت ام التمر والببسي يسووه بالمكينة بالسوگ والطحين كلة نخالة وفصم والچاي تيبسة الوادم وترجع تستخدمه ) واما ( الجگاير تنباع فرط محد يشتري باكيت وازدهر اللف والمزبن والتتن مع صور جميلة لشيخ او طفل حاطلة خمس باكيتات بنص تكة ويفتر ع رجليه يبيع فرط طبعا هذا لان فرص العمل كانت منعدمة اوهي اشبه بالبطالة المقنعة او لا تسمن ولا تغني من جوع ) … ؛ بينما الان يدخن العراقي سكائر الجرود الكوبية التي كانت حكرا على جرذ الحفرة وعار العوجة .

وكانت السيارات التي تسير في الشوارع اغلبها رديئة و من موديلات قديمة , فقد دخل العراق في القرن الواحد والعشرين بينما هنالك سيارات قديمة تعود للعهد الملكي تسير في شوارعه , ومحافظات الوسط والجنوب لا توجد فيها سوى اعداد معروفة وبسيطة من السيارات واغلبها قديمة ورديئة , فقد كان الشباب يركبون في الباصات ( الخربانه ) كالريم وغيرها , وما ان يجلسوا فيها تتسخ ثيابهم , وتهتز اجسامهم بسبب المطبات و ( الصعدة والنزلة ) بسبب رداءة السيارة , وبعض الباصات لا تتسع الا ل 18 راكب فقط بينما يقوم السواق ؛ بملئها بشكل يؤدي الى وقوف اغلب الركاب واحتكاك اجسامهم بعضها ببعض , وفي بعض المناطق والمحلات لا تتوجد سوى بضعة سيارات , وغالبا ما يلجأ اليها الجيران عند حدوث طارئ ما , فضلا عن استخدامها في المناسبات الاجتماعية , واغلب العراقيين يعتبرون السيارة من الاحلام الصعبة ؛ نظرا لسوء الظروف المعاشية وتردي الاوضاع الاقتصادية .

ومن اشترى سيارة حديثة من ابناء الجنوب والوسط او الاغلبية الاصيلة وسار بها في الشوارع ؛ و وقع نظر الكسيح عدي او الحرامي خيري طلفاح او جهاز المخابرات عليها ؛ فإنها تصادر لا محالة , وكانت المخابرات تعمل بمبدأ ( المسواك) ويقصدون به , سرقة السيارات الحديثة من اصحابها لاستخدامها في الاعمال القذرة لجهاز المخابرات , واما قصص سرقة عدي للسيارات فهي اشهر من نار على علم , في تلك السنوات الرهيبة العجاف كان المجرم البعثي والجلاد التكريتي يصول ويجول من دون قيود او ضوابط او قوانين تقيد حريته , وينهب ويسلب ما يحلو له من اموال العراقيين الاصلاء .

وفي حال قرر العراقي المسكين السفر للعمل في الاردن وفي اسوء الظروف , اذ استغل الاردنيون العراقيين استغلالا بشعا , وطالما عمل العراقيون هناك بلا اجرة , ولا احد يطالب بحقوقهم او يحميهم من مكر واحتيال الاردنيين … ؛ لابد من دفع 400 الف دينار كضريبة مجحفة ( خاوة) , والبعض باع كل ما يملك او استدان من الاخرين ؛ لأجل توفير هذا المبلغ .

اما الان وفي ظل حكومة الاغلبية الاصيلة المنقوصة والتحديات الداخلية المنكوسة والضغوط الدولية المعادية والخارجية المشبوهة , فضلا عن انتشار جيوش البعثية وابنائهم وشراذم الطائفية التكفيرية واتباعهم في دوائر الدولة , ومع كل هذه السلبيات والضغوطات والمؤامرات المستمرة … ؛  تطالعنا وسائل الإعلام المرئيّة والمسموعة والمقروءة  بين الحين والاخر ؛  فضلا عن احاديث الناس في مجالسهم الخاصة والعامة باستمرار بأخبار الثراء والغنى واقتناء الاشياء الثمينة , واستهلاك مختلف الاغذية والاشربة ومن ارقى المناشئ , وامتلاك ارقى الماركات والسيارات العالمية , ومن هذه الاخبار الكثيرة جدا : شراء الاعلامية سحر عباس سيارةجي كلاس موديل 2024 بمبلغ 600 مليون دينار , بينما كان الاعلامي كالمدعو سعد البزاز ومن لف لفه , يكتب التقارير ضد زملاءه ليتم اعتقالهم او اعدامهم فيما بعد , ويقوم بأعمال السمسرة والدعارة للتقرب من الكسيح عدي وبقية الشلة التكريتية , حتى وصل الامر بالتبرع بأقرب الناس اليه , من اجل اسعاد سيده بقضاء ليلة حمراء مع … ؛ فضلا عن كتابة الاشعار والمقالات التي تمجد بالطاغية … ؛ ومع كل هذا لا يحصل الا على الفتات الذي لا يسمن ولا يغني من جوع … ؛ ماذا يفعل عدي لو عاد الى الحياة ورأى العراقيين وهم يمتلكون احدث السيارات ومن ارقى المناشئ والماركات ويسيرون بها بكامل حريتهم من دون خوف او مصادرة او مضايقة , وكيف تكون ردة فعله اذا شاهد ان بيوت العراقيين الفقراء والبسطاء فيها اكثر من ثلاث سيارات احيانا ؟!

وقد ادهشني خبر شراء احدهم دومنة مصنوعة من الذهب الخالص عيار 21 , بسعر 90 مليون دينار , للعب بها بعد الفطور مع اصدقاءه .

سنوات وعقود مضت وكان العراقي فيها يتابع اخبار الخليج ويدهش بأخبار اثرياء الخليج بل وموطنيه العاديين , وبعد عام 2003 انقلبت المعادلة وصار الخليجي يتعجب من البذخ والكرم العراقي , ويدهش بالسيارات الحديثة وغالية الثمن والتي تعمل كسيارات الاجرة في بلادهم , وصار السائح العراقي يزاحم السائح الخليجي في بعض الدول , ويتفوق عليه بالصرف والاستهلاك والبذخ , حتى ان بائعة الخضرة البسيطة صار باستطاعتها الذهاب لزيارة الامام علي الرضا في مشهد او السيدة زينب في سوريا او الذهاب لاداء مناسك الحج او العمرة .

العراقي الان يعيش كما عاش اسلافه ملوك بابل وامراء الدويلات وشيوخ القبائل ؛ يطلب ما يشاء من الاطعمة الشهية والماركات العالمية , وتصل اليه بلمح البصر وهو جالس في بيته – عن طريق خدمة التوصيل – ؛ واصبح الاجانب يخدمون العراقيين في بيوتهم وفي المطاعم والمقاهي والفنادق  وبأبخس الاثمان , والعالم مفتوح امامه ومن دون قيود بينما كان لا يشاهد سوى قناتين حكوميتين تمجدان بالبعث والطاغية طوال فترة بثهما … .

ولكن هذا لا يعني ان نسبة الرفاهية والثراء عالية بحيث تشمل كل العراقيين , وكذلك لا يعني خلو الاوضاع من بعض السلبيات والمشاكل , فالبطالة منتشرة بين الشباب على الرغم من النسبة العالية للموظفين والمستفيدين من الرعاية الاجتماعية , وكذلك الفساد مستشري في دوائر الدولة وهذا ما يؤدي الى ظهور الطبقية وانعدام المساواة والعدالة الاجتماعية ؛ وكل هذه المشكلات تدعونا لإكمال المسيرة وتصحيح السيرة  , وليس الدعوة للقضاء على التجربة الديمقراطية والعودة لمربع الطائفية والدكتاتورية والدموية والانتهاكات والمجاعات والمعتقلات .

أحدث المقالات