خاص: إعداد- سماح عادل
“عبد الناصر رزق” كاتب أردني فلسطيني..
التعريف به..
“عبد الناصر حسن محمد عبد الرازق”، ولد في مدينة عمّان في 5 أبريل عام 1961، ولد في عمّان بالأردن لأسرة كبيرة مهاجرة من فلسطين حيث تلقى علومه المدرسية للمرحلة الأولى والثانية في مدارس الأونروا التابعة للأمم المتحدة. ومن ثم تابع تعليمه في مدارس وزارة التربية والتعليم، وتابع بعد ذلك دراسته الجامعية أثناء عمله في القطاع الخاص وحصل علي ليسانس في الفلسفة وعلم النفس من جامعة بيروت العربية. عمل في القطاع الخاص في مجال الدعاية والإعلان. كان منذ الصغر مهتمًا بقراءة كتب الفلسفة، وعلم النفس، والرواية، وقد بلغ اهتمامه بها حيث ظل يحلم بكتابة رواية يتاح له عبر كتابتها التعبير عن منطق تفكيره تجاه ما يعاين من واقعه الاجتماعي وواقع الأمة.
أنتج أولى رواياته في الأربعين من العمر. نشرت له قصصًا وخواطر متفرقة في صحف ومواقع إلكترونية مختلفة. عمل مديرًا عامًا لصحيفة (الوحدات) من عام 2004 إلى عام 2007، كما عمل رئيسًا للجنة القصة والرواية في رابطة الكتاب الأردنيين من عام 2004 إلى عام 2006.
بارانويا..
في حوار معه أجراه “مؤيد أبو صبيح” يقول “عبد الناصر رزق” عن روايته «بارانويا»: “بالنسبة لروايتي الأخيرة بارانويا، فأنا لم أتناول المسألة التي طرحتها الرواية من موقع المراقب الذي قرر الاشتباك مع ذاك المحرَّم لغاية في نفسه. لقد وجدت نفسي مقحماً في الأمر لكونه كان موجوداً وما يزال كذلك، وهو بات شائعاً ومنبثاً في مختلف شؤون حياتنا اليومية، ويتصل بألوان ومستويات مختلفة بكل من يحيا على هذه الأرض. تجده يحتك بكل تفاصيل حياتنا، يقض مضاجعنا، ويسلب طمأنينتنا، فتجدنا متورطون بكل ما يتصل به من مفاهيم وقصص.
بمعنى أننا حين نتناول تلك المشكلة فكأننا نتحدث عن كلٍّ منا بمقدار معين مهما كان ذاك المقدار صغيراً أو هامشياً فهو في المحصلة يتناول قضية مجتمعية كبرى، لا يجوز التعاطي معها من موقع المتفرج أو الحَكَم الأخلاقي، بل إن على كل منا الإدلاء بشهادته بشأنه سواء من خلال ما خبر وجرب أو من خلال ما سمع وشاهد خلال حياته.
لقد تناولت الأمر من موقعي كإنسان عاش وخبر تفاصيل حياة مجتمعه الذي قضى سنين حياته في كنفه، فنظر إلى تلك المشكلات وعاينها بانحياز تام لمنظومة القيم الثقافية التي تشربها عبر تلك السنوات ونظر إلى التناقض في السلوك الاجتماعي باعتباره ثغرة تنطوي على انعكاسات ثقافية وجمالية من شأنها أن تودي بالمجتمع إلى حالة من الفصام والتشظي على المستويات كافة. لذلك فإن نوع السلوك الجنسي من حيث الأداء يؤشر فيما لو كان منحرفاً، أقصد في إطار فئات اجتماعية ربما واسعة، كما أشارت رواية «بارانويا»، إلى واقع ينبغي دراسته والتنبه إلى تاريخ مأزوم من العلاقات الطبقية والسياسية التي من شأن تجذرها في مفاصل الحياة الاجتماعية إلى ما سردته الرواية مما اعتبرته اشتباكاً مع تابو محرم.”
مرافعة الشيطان..
وعن روايته «مرافعة الشيطان» والحديث عن الانفصام المجتمعي يقول: “ليس بالضبط، فأنا قدمت نموذجاً للاغتراب النفسي للفرد في مواجهة مجتمع يتحلى بمختلف تفاصيل حياته بأخلاق زائفة، قديمة وبالية ولم تعد تناسب واقعه الحاضر بكل ما فيه من تنوع ثقافي تتقاطع مع ثقافات أخرى وتتناقض مع أخرى، تنتفع من هذا وذاك، وتقلد وتستورد ولا تنتج، ومع ذلك تدعي الخصوصية والتفرد الثقافي، عدا عن كونها تتوافر على صفة الاستعصاء في مجال الاجتهاد وتمتنع عن قبول الجديد ما لم يكن في إطار وتحت عباءة القديم الذي تحسبه صالحاً لكل الأزمان عابراً للحدود.
كانت “مرافعة الشيطان” قصة اغتراب نفسي واجتماعي لفرد تشكل تاريخه الشخصي بنتف من الوعي متناقضة ومفككة، وقد سعى جاهداً لفهم كنه وجوده عبر محاولة الإمساك بطرف خيط يقوده إلى ما يبرر وجوده في وجود يتناقض معه ويعجز عن إيجاد حجة للتصالح معه رغم أنه يرفض ذلك مبدئياً، ويصرح من خلال حواراته مع طبيبه بأن ذلك ليس ممكناً كون البناء النفسي والاجتماعي لشخصه يحول دون ذلك، ويرشحه إلى مزيد من التناقض والصدام، فلا هو قادر وحده على هدم النسق الاجتماعي ولا هو قادر على إنهاء علاقته المادية به”.
“ليلة عيد الأضحى”..
وعن عمله الروائي الثاني يقول: “نعم وكما في أي عمل سردي، فإنه من الصعب خلوه من تجربة الكاتب الشخصية تماماً، فهو رؤية الكاتب للواقع، وطالما إن الأمر كذلك فإن الرواية هي في الواقع تعبر عن خبرة والتحام الكاتب بذاك الواقع. لقد تناولت رواية «ليلة عيد الأضحى» تجربة الشتات الفلسطيني بعد الاحتلال، بكل ما لتلك التجربة القاسية من نتائج ودلالات ومعان، أسست لذاكرة فلسطينية مختلفة بدرجة كبيرة عن شعوب الدول العربية الشقيقة، فالشتات هنا لم يكن مجرد تجربة مهينة لشعب فقد أرضه، بل كان رحلة كفاح وبناء وعملية تموضع كبرى تأسست على قيم العودة عبر ارتباط شديد بالأرض لم يشهد التاريخ مثيلاً له.
من المؤكد إنني خبرت وعاينت وشهدت على حقبة مهمة تلك التجربة القاسية، ولذلك كتبت ليلة عيد الأضحى متأثرا بها من موقع المتصل المباشر بأهلها المتصل بأدق تفاصيلها.
أما إذا كنت تقصد تفاصيل السرد وأحداثه، فإن تصورك يبدو بعيدا بعض الشيء كوني كما قلت لك لا أكتب قصصاً وأحداثاً حقيقية بل أسرد رؤيتي الشخصية للواقع لا كما هو بل كما أراه وأفكر به”.
المخيم..
وفي رواية «أشباح الجياد» يقول: “لقد انتصرت لعدالة قضيتي، كونها عادلة ليس من موقعي ككاتب فلسطيني فحسب، بل من موقعي كإنسان لا يقبل باضطهاد شعب وطرده من أرضه بالقوة. وحيث الأمر ذلك أجدني أدافع عن العدالة والحرية وقيم الحق والخير وأرفض استحواذ مقدرات الشعوب الضعيفة من قبل القوى المهيمنة.
لقد عشت طفولتي في كنف أهلي حيث عانوا نتائج طردهم من أرضهم، ولذلك تدور أحداث روايتي «أشباح الجياد» في المخيم، حيث نشأت وشاهدت وعانيت وتشربت قيم الحرية وحلم العودة كون الوطن كرامة وذاكرة تضج بقصص الجدود. كانت تلك روايتي الأولى، واحسب إنني قد وفّقت بكتابة سرد واقعي عن تجربتي لا كسيرة ذاتية وإنما كما سبق وقلت لك كرؤية واقعية لواقع حدثت تفاصيله في الحقيقة”.
العمل الإبداعي الروائي..
في حوار ثان نشر بصحيفة “الدستور” عمان يقول “عبد الناصر رزق” عن تفسيره للعمل الإبداعي الروائي: “إن فن كتابة الرواية بنظري هو تعبير عن انفعال وانخراط عمليين في عالم الأشياء والحياة، وإن الروائي بخلاف العالم الذي يقول بما يصدر عن عقله، يتجرأ للغوص بما يصدر عن العقل والحواس والتجربة النفسية والاجتماعية. إنه في الواقع يقول ما يشعر به وما يتذوقه في إطار من رؤية نقدية تغييرية تسعى إلى استشراف صورة المستقبل الذي يراه ويحاول التبشير به من تلك الزاوية المعرفية التي ينظر منها ويعيشها في حاضره.
كما أن الأعمال الأدبية التي لا تنهل من الواقع ولا تنطلق من حقائقه الاجتماعية هي بنظري أعمال نظرية فارغة ومنقطعة عن الحياة انقطاع القبور عن ضجيج الشوارع في المدن العامرة، وهي لذلك عاجزة عن الإتيان بتصور عن المستقبل لأن المستقبل لا يمكن قراءته بأفكار سابقة على التجربة المؤسسة له”.
وعن الشخصيات في رواية “ليلة عيد الأضحى”: “بخصوص النهايات التراجيدية لشخوص روايتي ليلة عيد الأضحى، فهي تعكس فكرتي عن النهاية المتوقعة لمن ينظرون إلى الواقع ويعيشون الحياة منعمين دون ضوابط في قيم البرجوازية التافهة، تحركهم شهوة الكسب ونوازع الأنانية والفردية دون التكلف بأدنى درجة من الالتزام والجهد تجاه قضاياهم الاجتماعية وأوطانهم التي تتعرض للضياع على نحو يمس تفاصيل حياتهم اليومية.
كما أن ثنائية الخير والشر كقاعدة أساسية للكتابة دون الأخذ بالتعقيدات البانورامية العميقة للأشياء والحياة، تبدو ساذجة وغير قادرة على فهم الحقائق الموضوعية للمجتمع الذي نحيا فيه، بما تنطوي عليه تلك الحقائق من عوامل الإكراه والضغط المركبين اللذان يواجه هما الفرد نابعة من داخله وآتية إليه من الخارج..
من خلال ذلك أقول أن المغامرة تكمن في الكشف أساسا وقبل كل شيء عن الحقيقة، بغض النظر عما إذا كان هذا الكشف متفائلا أو متشائما لأن الحقيقة المراد كشفها هنا هي الأهم. مؤكدا في الوقت ذاته أن الحقيقة التي أتحدث عنها ليست ثابتة أيضا”.
ثنائيات متقابلة..
في مقالة بعنوان (مرافعة الشيطان لعبد الناصر رزق: لعبة الثنائيات المتقابلة) كتبت “وسام الخطيب”: “تتوالد الدلالات في شخصية البطل سامي في رواية مرافعة الشيطان لعبد الناصر رزق الصادرة عن “دار فضاءات عام 2014” بطريقة تربك المتلقي، وتجعله على حافة الشك طوال السرد الروائي، لا بل إنه يحافظ على مسافة واسعة بينه وبين البطل. فالمتلقي الذي يستمع طوال السرد إلى سامي المضطرب نفسياً، والذي تشبه أحاديثه الهذيان لن يتماهى معه إطلاقاً ولن يثق به وعليه يضع السرد الروائي متلقيه بين سندان الحذر ومطرقة التيقّظ وهو ما سيساعده في تفسير تلك الدلالات التي تحتاج إلى قارئ متأنٍ ونخبوي إن صح التعبير لالتقاطها.
وتكمل: “إن رواية مرافعة الشيطان تحاول تأسيس سردها على أعمدة علم النفس وهذا ما وسمها بالتعقيد تارة وبالعرض النظري للأفكار تارة أخرى إلا أنها تبقى محاولة جادة لسبر أعماق الشخصية الإنسانية وسبر أعماق الظواهر الاجتماعية وإثارة الكثير من التساؤلات التي تنتظر من “اللاوعي الجمعي” لمجتمع متأزمٍ الإجابة عنها.”
وفاته..
توفي “عبد الناصر رزق” في يوم الجمعة 15 مارس 2024 اثر أزمة قلبية حادة.