هل تتذكرون كلمات وزير الداخلية التركي “سليمان صويلو” التي أطلقها في عام 2021 حين قال “سنذهب إلى العراق وسوريا قريباً سيراً على الأقدام” ذلك الحديث الذي يختصر الكثير من المقاصد التي تحملها أفعال وتصرفات الجارة التركية في الشمال العراقي، وما زاد في جرأة هذا المسؤول إضافته “إن السلام في سوريا والعراق وليبيا وبكل ما تصل إليه الجغرافية الإسلامية والإنسانية في الشرق الأوسط هو من مسؤوليتنا”.
يُقال والعهدة على ما يدور في أروقة السياسة العراقية إن تركيا تحتفظ بأكثر من “55” قاعدة عسكرية مسلحة في أراضي إقليم كردستان، في أعلى مراتب “السيادة” التي تتغنّى بها المنظومة السياسية الحاكمة بعد عام 2003.
تُحدثنا تلك السيادة عن عملية عسكرية بريّة مرتقبة تقوم بها تركيا على منطقة “كافي ماسي” بمحافظة دهوك في إقليم كردستان حيث تم إخلاء أكثر من ستة قرى من قبل الأهالي خوفاً من تعرض منازلهم للقصف العشوائي من قبل طائرات الإحتلال التركي، وقد تكون زيارة الوفد التركي برئاسة وزير الخارجية “هاكان فيدان” إلى بغداد من أجل إبلاغ العراقيين بذلك التوغل الذي يهدف إلى إخلاء المنطقة التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني من مسلحي حزب العمال الكردستاني ولتأمين طريق التنمية الذي يربط العراق بتركيا.
التوغل التركي المُرتقب داخل الأراضي العراقية يصعب فك طلاسمه خصوصاً عندما يقف الأمر أمام إشكالية الإتفاقيات خلف الكواليس وتبرير الحكومات العراقية اللاحقة بعد عام 2003 بوجود إتفاقية أُبرمت منذ عام 1975 بين النظام السابق والحكومة التركية، يسمح للأخيرة بالتوغل داخل الأراضي العراقية لمسافة “30 كيلومتر” لمطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني دون أن يتم إلغاء هذه الإتفاقية بالرغم من تغيير الأنظمة والمواقف، مما يُثير أسئلة عن مغزى بقاء الوضع على ماهو عليه دون حلول من حكومة بغداد.
من المؤكد أن تركيا التي أعلنت عن إنشاء قاعدة عسكرية ضخمة في منطقة “ميتينا” شمالي العراق للسيطرة على المنطقة بحجة وجود حزب العمال الكردستاني لم تكن الأولى والأخيرة في مناطق التوغل والنفوذ على الأراضي العراقية.
السيناريو الذي قد يكون خافياً على الكثير من الرأي العام ما تقوم به تركيا من حملات تجريف لأراضي واسعة من المناطق الحدودية وتدمر مساحات شاسعة من الغابات الطبيعية والمزارع، حيث يقوم الجيش التركي في البداية بقصف مكثف للمناطق بقذائف حارقة لتلتهم الحرائق بساتين ومزارع المنطقة وكل المحاصيل الزراعية ثم يقوم وبالإستعانة بشركات خاصة بقطع الأشجار في تلك المناطق التي يسيطر عليها حيث تُنقل مئات الأطنان يومياً إلى تركيا حسب ما كانت تُبلّغ عنه وزارة الزراعة في إقليم كردستان وتستنكره.
أعذار التوغل التركي بحجة محاربة حزب العمال لم تقتصر على تدمير الثروات الطبيعية والمحاصيل الزراعية بل وصل إلى المعالم التاريخية في المنطقة حسب تأكيد مدير دائرة آثار دهوك إلى تعرض بعض المواقع الأثرية للقصف والحرق، وتؤكد دائرة الآثار إن بعضها يعود إلى عهود إسلامية ومسيحية ويهودية.
التوغل التركي داخل الأراضي العراقية الذي قد يصل إلى مدينة الموصل لايمكن تفسير أعذاره سوى بالإحتلال المبطّن الذي يسيل له لُعاب الجارة التركية والتي تتحيّن الفرص للإنقضاض على هذا الجزء من العراق، لكن المصيبة في أولئك الذين يستقبلون الوفود الحكومية لبلد محتل بالأحضان وتشابك الأيادي دون شعور بعقدة السيادة المهدورة والمنهوبة على أرضهم، فهل رأيتم سيادة مثل هذه السيادة؟.