خاص: إعداد- سماح عادل
قد لا يعرف الكثير منا أن فترة الطفولة فترة هامة جدا في تكوين شخصيتنا، وتحديد نظرتنا للأمور، وحتي تحديد الاستجابة العاطفية لنا تجاه المواقف المختلفة، وأن الطفولة المبكرة من أخطر المراحل في تكوين شخصية الإنسان. مما يعني أن البيئة الأسرية التي ينشأ فيها الطفل لها تأُثير كبير وعميق علي باقي حياته. والأهم أن أية صدمات يتعرض لها الطفل تنحفر عميقا داخل روحه، وتنطبع علي جدران ذاته.
صدمة الطفولة المبكرة..
يعني مصطلح صدمة الطفولة المبكرة إلى المِحَن التي يمر بها الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة، وهي الفترة الأكثر حرجا في حياة الإنسان. قد تؤدي التجارب المؤلمة في مرحلة الطفولة المبكرة إلى الكثير من المشكلات مع تقدم العمر، وذلك في الفترة النمائية من حياة الطفل والتي تبدأ منذ الحمل حتى عمر خمس سنوات. ويكون لتجارب الطفولة، الإيجابية والسلبية، تأثير هائل على إمكانية الإيذاء وارتكاب أعمال العنف في المستقبل، كما تؤثر على الصحة والفرص المتاحة للفرد مدى الحياة.
التجارب المبكرة تعتبر من قضايا الصحة العامة. وهناك الكثير من البحوث الأساسية في هذا المجال باسم خبرات الطفولة الضارة (ACEs).
تكشف الأبحاث أنه حتى مشاهدة الأحداث الصادمة يمكن أن تؤثر على النمو البيولوجي لدماغ الطفل، مما قد يؤدي إلى قصور في الوظائف العاطفية يستمر مدى الحياة. وتوضح الأبحاث التي أجريت على القدرات العاطفية والخبرات لدى الأطفال أن الأطفال الذين مروا بتجارب مليئة بالانفعالات العاطفية لديهم وعي زائد بالإشارات العاطفية؛ مما يساعد في تفسير هذه الإشارات بشكل فعال.
و تشير الأبحاث إلى أنه لا توجد بالضرورة علاقة كبيرة بين الخبرات والقدرات العاطفية وأن الأطفال الذين يكبرون في بيئة منزلية جارحة، سواء كانوا يعانون من سوء المعاملة أو الإهمال، يظهرون فهما ضعيفا للمشاعر إذا أظهر الآباء مستويات عالية من الغضب أو العداوة. عادة لا تتاح الفرصة للشباب الذين يكبرون في بيئات مضطربة عاطفياً للإحساس بالمشاعر التي تسبب الضيق والتعبير عنها. وبالمثل، ترتبط مشكلات الاستدماج الذهني مثل القلق والاكتئاب والانسحاب والشكاوى الجسدية بأشكال أخرى من اضطراب التنظيم العاطفي التي تتضمن مواجهة صعوبة في الانتباه والتحكم المعرفي.
أظهرت الأبحاث نتائج حول تطور مهارة التعرف على العاطفة من خلال الوجه لدى الأطفال الصغار الذين تعرضوا للإيذاء الجسدي والإهمال. وذكروا أن التعرف على العاطفة أمر مهم لأنه يمثل أساس النجاح المستقبلي للسلوك العاطفي الاجتماعي. توضح النتائج أن الأطفال الذين تعرضوا للإيذاء الجسدي يجدون صعوبة في التعرف على الحزن والاشمئزاز بينما يواجه الأطفال المهملون صعوبة أكبر في التمييز بين الاختلافات في التعبيرات العاطفية. ومع ذلك، يميل كل من الأطفال الذين يتعرضون للإيذاء البدني والإهمال إلى تقييم تعبيرات الغضب والحزن بشكل مشابه للتعبيرات المحايدة عاطفياً. بالإضافة إلى ذلك، يرى الباحثون أن التعرض للتعبير العاطفي بمستوى مناسب يدعم التعلم الجيد للعاطفة عند الأطفال، ولكن التعرض المتزايد للغضب والعداء أو ضعف التواصل يمكن أن يؤدي إلى تعلم العواطف بشكل غير سليم.
الصدمة الجسدية..
الصدمة النفسية في الطفولة، تؤثر على نفس نظم الاستجابة الفسيولوجية التي تؤثر عليها الصدمة الجسدية. بحسب الأبحاث البيولوجية العصبية الحديثة، حيث أن العاطفة تنشأ عصبيا نتيجة للتفاعل بين عمليات الإدراك التصاعدية والتنازلية. و التنظيم العاطفي يتضمن عدة مناطق من المخ وشبكة وظيفية منتشرة على نطاق واسع مع روابط ثنائية الاتجاه بين المناطق الخاصة بالعاطفة في الدماغ. مثلا، الأبحاث حددت المناطق النشطة الأساسية عند إدارة المهام العاطفية، وهي: اللوزة المخاطية والمهاد البطني والمهاد البصري والوِطَاء والسِّنْجابِيَّةُ المُحِيْطَةُ بالمَسَال.
يرتبط نضج النظم العصبية والعصبية الصماوية عند الأطفال النامية بشكل طبيعي بانخفاض التقلب العاطفي وزيادة ضبط النفس. ومع ذلك، تعتمد هذه العمليات أيضًا على نضوج التنظيم السمبتاوي في مرحلة الطفولة المبكرة وعلى التطورات في المحور الوطائي- النخامي- الكظري HPA، والتي تتشكل من خلال التجارب الإيجابية المبكرة وتلقي الرعاية.
من هنا تمنع البيئات المنزلية التي تفتقد للنضج الصحي في أنظمة الدماغ دون تطور اللغة كوسيلة لفهم العواطف وتوصيلها بفعالية، وغيرها من العمليات المعرفية التي ينظمها النظام الانتباهي.
تقدم الإنسان..
صدمات الطفولة تؤثر على تقدم الإنسان في مراحل حياته القادمة، وتتضمن هذه الصدمات تجارب عاطفية صعبة، مثل فقدان أحد الوالدين أو التعرض للعنف الأسري، وتخلف آثاراً عميقة تظهر في سلوكيات الشخص وعلاقاته الاجتماعية.
رغم تأثير صدمات الطفولة الفادح لكن من الممكن تجاوزها وتخطيها وممارسة حياة صحية ومستقرة، لكن يحتاج ذلك فهماً عميقًا للتأثيرات النفسية والطرق الصائبة للتفاعل معها.
تخطي..
لتخطي صدمات الطفولة، لابد أولاً فهم أصل هذه الصدمات وكيف أثرت على الإنسان، ربما هي صدمات متخلفة عن تجارب عاطفية قاسية أو ظروف صعبة في محيط البيئة العائلية، أو فقدان أحد الوالدين، التعرض للعنف، أو حتى تجارب مدرسية سلبية.
ويتحمل الأطفال هذه الصدمات بطرق مختلفة، وعدم التعامل السليم مع هذه التجارب ينتج مشاكل نفسية وسلوكية في باقي حياته، لذا كان كشف جذور الصدمات، طريقة مثلي للإنسان ليقوم بتحليل تأثيرها وتحديد النقاط التي يحتاج إلى التركيز عليها لتحقيق التخطي.
خطة..
هذا التحليل العميق لأصل الصدمات وما هي صدمات الطفولة قاعدة هامة لعمل خطة قوية لتخطي تلك الصدمات، حيث يستطيع الإنسان فهم كيف يمكنه تغيير تفاعلاته واستجاباته نحو تلك الصدمات الصعبة، وتصبح الاستشارة النفسية أو الاعتماد علي متخصصين في المجال النفسي طريقة هامة للتعامل مع تأُثير تلك الصدمات السلبي والوصول إلي التقدم في تخطي تلك الصدمات.
الوعي الذاتي..
عندما يفهم الإنسان أصل صدمات الطفولة لديه، يجيء دور بناء الوعي الذاتي وتعزيز النمو الشخصي كأدوات هامة لتجاوز تأثيرات الصدمات، والوعي الذاتي هو فهم الذات، والتفاعلات، والتفكير بشكل أعمق، مما يعطي للإنسان فرصة تحليل تأثير الصدمات وتحديد نقاط التحسين.
يمكن للإنسان تحسين الوعي الذاتي عن طريق الاسترشاد الذاتي وتقنيات التأمل، مما يجعله قادرا علي تحليل العواطف والتفاعلات بطريقة هادئة ومتوازنة، ويستطيع الانسان أيضا ممارسة تقنيات التفكير الإيجابي لتغيير النمط الفكري السلبي الذي قد يكون اكتسبه نتيجة تعرضه لتلك الصدمات في الطفولة.
وهذه الأدوات من بناء الوعي الذاتي وتعزيز النمو الشخصي أدوات قوية تساهم في تعافي الإنسان من صدمات الطفولة، وتعطيه القدرة على التحكم في رؤيته للحياة وتعزيز إيجابية تجربته الشخصية.
الدعم الاجتماعي..
من أحد الوسائل الهامة في العلاج بناء شبكة دعم اجتماعي قوية وتعزيز العلاقات الإيجابية حيث تعد أحد الركائز الرئيسية في عملية تجاوز وتخطي صدمات الطفولة، العائلة والأصدقاء والمجتمع جميعهم عناصر هامة وأساسية تقدم الدعم الضروري للإنسان خلال رحلة التعافي.
لذا يجب علي الإنسان البحث عن الدعم الاجتماعي الملائم وعمل علاقات صحية، والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية، والتفاعل مع المجتمع المحلي، والمشاركة في أنشطة ترويجية للصحة النفسية.
الاستعانة بالخدمات الاجتماعية والنفسية المتوفرة، من خلال المؤسسات الحكومية أو المنظمات الخاصة، لتوفير الدعم والإرشاد، كما يوفر البحث عن مجتمع داعم للإنسان الفرصة للتبادل الاجتماعي الإيجابي والشعور بالانتماء، مما يساهم في تعزيز ذاته وتحفيز طاقاته الإيجابية.
ويكمن في بناء الدعم الاجتماعي وتعزيز العلاقات الإيجابية أحد الأسس الرئيسية لتحقيق التوازن النفسي والاندماج الاجتماعي، ويسهم بشكل فعّال في مساعدة الأفراد على التغلب على تأثيرات صدمات الطفولة وبناء حياة أكثر صحة وسعادة.