15 نوفمبر، 2024 9:22 ص
Search
Close this search box.

النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين .. أصولها، أسبابها ونتائجها/13 الأخيرة

النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين .. أصولها، أسبابها ونتائجها/13 الأخيرة

8. تجذر الحقد الفارسي وفشل الإسلام من اجتثاثه

قال عمر الفاروق: ما تكلم أحد بالفارسية إلا خب، ولا خب إلا ذهبت مروءته”. (البصائر والذخائر9/87). وقال أيضا” هلاك العرب أبناء بنات فارس”. (البصائر والذخائر6/137).

كما ذكر ابن خلدون ” كتب به عمر إلى أبي عبيدة بن المثنى حين وجهه الى حرب فارس: انك تقدم على أرض المكر والخديعة والخيانة والحيرة، تقدم على أقوام قد جرءوا على الشرّ فعلموه وتناسوا الخير فجهلوه فانظر كيف تكون”. (تأريخ ابن خلدون2/406). وقال أبو حامد عن الفرس” فما ظنّك بقوم يجهلون آثار الطبيعة، وأسرار الشريعة؟ ما أذلّهم الله باطلا، ولا سلبهم ملكهم ظالما، ولا ضربهم بالخزي والمهانة إلّا جزاء على سيرتهم القبيحة، وكذبهم على الله بالجرأة والمكابرة، وما الله بظلام للعبيد”. (الإمتاع والمؤانسة1/82). وقال ابن خلدون ” قال السهيليّ: عند ذكر سابور بن هرمز إنّه كان يخلع أكتاف العرب ولذلك لقّبه العرب ذو الأكتاف، وأنه أخذ عمرو بن تميم بأرضهم بالبحرين وله يومئذثلاثمائة سنة وإنه قال: إنما أقتلكم معاشر العرب لأنكم تزعمون أنّ لكم دولة”. (تأريخ ابن خلدون2/205). قال التوحيدي” قيل لرجل منهم في يوم شات وهو يمشي في سمل: أما تجد البرد يا أخا العرب؟ فقال: أمشي الخيزلي ويدفئني حسبي. والفارسيّ لا يحسن هذا النّمط، ولا يذوق هذا المعنى ولا يحلم بهذه اللّطيفة، وكذلك الروميّ والهنديّ وغيرهما من جميع العجم”. (الإمتاع والمؤانسة1/76). قال محمد بن حبان “كان عمرو بن معد يكرب مع المسلمين في القادسية فجعل يحرض الناس على القتال ويقول: يا معشر المسلمين! كونوا أسودا، إن الفارسي تيس”.( السيرة النبوية2/ 469). ويصف المسعودي الشيعي بلاد فارس بقوله “أما بلد فارس، فخضب الفضاء، رقيق الهواء، مُتراكم المياه، معتم بالأشجار، كثير الثمار، وفي أهلهِ شحٌّ، ولهُم خبّ، وغرائزهم سيئة، وهممهُم دنيئة، وفيهم مكر وخداع”. (مروج الذهب2/50). كما قال أبو القاسم:

يا سائلي عن أصفهان وأهلها    حكم الزمان بنحسهم وخرابها

شبانها ككهولها وكهولـــــها     كشيوخها وشيوخـــها ككلابها

هي بلدتي لكنني فارقتــــها      طفلا فلم أعبق بلؤم ترابـــــها    (الرسالة البغدادية/92).

ويكمل قوله عن اصفهان” مدينة يابسة الهواء، جوها غبار، وأرضها خبار، ماؤها طين، وترابها سرجين، أهلها ذياب عليهم ثياب، كلامهم سباب، ومزحهم ضراب، طرقها كزابل، لا يوجد فيها ذو كرم ولا نايل” ويقارنها ببغداد فيقول” والله ما انسى بلدتي وتربتي ولا ارضي ببغداد جنة الخلد هي بلدة الأمل والمنى والغاية القصوى، معشوقي السكنى، كوكبها يقظان، حصباؤها جوهر، نسيمها عنبر، ترابها مسك أذفر، يومها غداة وليلها سحر، وطعامها هنيً، وشرابها مريً، وجوها مضيً، كأن محاسن الدنيا مفروشة، وصورة الجنة بها منقوشة. السرجين هو روث الدواب، خبار الارض الرخية.

ومن تأريخ الفرس الدموي” قال ابن العميد وفي الثانية من الهجرة بعث أبرويز عساكره إلى الشام والجزيرة فملكها، وأثخن في بلاد الروم، وهدم كنائس النصارى واحتمل ما فيها من الذهب والفضة والآنية، حتى نقل الرخام الّذي كان بالمباني”. (تأريخ ابن خلدون2/265). وقال التوحيدي” قيل لرجل منهم في يوم شات وهو يمشي في سمل: أما تجد البرد يا أخا العرب؟ فقال: أمشي الخيزلي ويدفئني حسبي. والفارسيّ لا يحسن هذا النّمط، ولا يذوق هذا المعنى ولا يحلم بهذه اللّطيفة، وكذلك الروميّ والهنديّوغيرهما من جميع العجم”. (الإمتاع والمؤانسة1/76). وقال الغرناطي” بعث المنصور سليمان بن راشد، إلى الموصل، وضم إليه ألف فارس من العجم، وقال له: قد ضممت لك ألف شيطان تذل بهم أهل الأرض، فلما أتى الموصل عاشوا في نواحيها، وقطعوا الطريق، وانتهبوا الأموال، وانتهى خبرهم إلى المنصور، فكتب إليه: كفرت النعمة يا سليمان، فكتب إليه في الجواب (وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا) فضحك المنصور، وعرف عذره، وأنذر له بجيش غيرهم”. (حدائق الأزهار/61). قال التوحيدي” كتب العتّابي إلى المأمون: إن للعرب البديهة، وللعجم الرّويّة، فخذ من العرب آدابها ومباني كلامها، وخذ من العجم مكايدها ونتائج فكرها، تجتمع لك فصاحة العرب ورجاحة العجم”. (البصائر والذخائر7/78). وأضاف” سمعت أبا سليمان يقول: كنا نحفظ ونحن صغار: احذروا حقد أهل سجستان، وحسد أهل هراة، وبخل أهل مرو، وشعث أهل نيسابور، ورعونة أهل بلخ، وحماقة أهل بخاري“.(البصائر والذخائر3/71). وأضاف التوحيدي” كتب سعد بن أبي وقّاص إلى رستم صاحب الأعاجم: إسلامكم أحبّ إلينا من غنائمكم، وقتالكم أحبّ إلينا من صلحكم. فبعث إليه رستم: أنتم كالذّباب إذ نظر إلى العسل فقال: من يوصلني إليه بدرهمين، فإذ نشب فيه قال: من يخرجني منه بأربعة، وأنت طامع، والطمع سيرديك. فأجابه سعد: أنتم قوم تحادّون الله وتعاندون أنفسكم، لأنّكم قد علمتم أنّ الله يريد أن يحوّل الملك عنكم إلى غيركم، وقد أخبركم بذلك حكماؤكم وعلماؤكم، وتقرّر ذلك عندكم، وأنتم دائما تدفعون القضاء بنحوركم، وتتلّقون عقابه بصدوركم، هذه جرأة منكم وجهل فيكم، ولو نظرتم لأبصرتم، ولو أبصرتم لسلمتم، فإنّ الله غالب على أمره، ولمّا كان الله معكم كانت علينا ريحكم، والآن لمّا صار الله معنا صارت ريحنا عليكم،فانجوا بأنفسكم، واغتنموا أرواحكم، وإلا فاصبروا لحرّ السلاح وألم الجراح، وخزي الافتضاح، والسلام”.(الإمتاع والمؤانسة3/346).

بل كان العرب يأنفون من تزويج بناتهم للفرس، مهما علت منزلتهم، وهاك هذا المثل الصارخ: جاء سلمان الفارسي يخطب امرأة من قريش ومعه أبو الدرداء، فذكر سلمان وسابقته في الإسلام وفضله، فقالوا: أما سلمان فما نزوجه ولكن إن أردت أنت زوجناك،فتزوجها أبو الدرداء، فلما خرج قال: يا أخي قد صنعت شيئاً، وأنا أستحي منك، وأخبره، فقال له سلمان: أنا أحق أن أستحي منك، أخطب امرأة كتبها الله لك”.(البصائر والذخائر3/145). مع ان سلمان من كبار الصحابة، واعتبره النبي (ص) من آل بيته كما ورد في الحديث رغم ضعفه، لكنهم رفضوا تزويجه من بناتهم لأنهفارسي الأصل!

قال ابن المزرع العبدي” أن امرأة من العرب كانت أمها فارسية، وكان بنو عمها كثيراً ما يعيبونها بأمِّها، فلمَّا كثُر ذلك عليها، أنشأت تقول ” من البسيط

من آل فارسَ أخوالي أساورةٌ    هم الملوكُ وقومي سادةُ العربِ
وجدَّتي تلبسُ الدِّيباجَ مِلحفــةً     من الفِرنِد ولم تقعد على قَتَبِ
ولم تكبَّ على الأبرادِ تنسجها   معاذَ ربي ولم تشرب من العُلَبِ

فقيل لها: أوجعك قومك! فقالت: هم والله اشدُّ إيجاعاً، وما قصدتُ إلاَّ دفع شرِّهم”. (أمالي ابن المزرع/10). كما ذكر القزويني” كان كسرى مشغوفاً بالنساء، أي امرأة حسناء ذكرت عنده يرسل إلى تحصيلها، فكان يجري في مجلسه ذكر النساء. قال زيد بن عدي: ان لعبدك النعمان بنات في غاية الحسن والجمال، إن اقتضى رأي الملك يبعثني إليه أخطب بناته للملك! فبعثه كسرى مع بعض خواصه من العجم، فقال النعمان: إن للملك في مها العجم لمندوحة عن سودان العرب! فقال زيد للعجمي: احفظ ما يقوله حتى تقول لكسرى! فلما عاد إلى كسرى قال: ما معنى هذا الكلام؟ قال زيد: يقول الملك له بقر العجم، ما له والكحلاوات العرب؟ فتأذى كسرى من هذا وبعث إليه يطلبه، فهرب النعمان في البرية”.(آثار البلاد وأخبار العباد1/470).

وقال الثعالبي” تعرض الى معن بن زائدة رجل فقال: احملني أيها الأمير فقال: أعطوه جملاً وفرساً وبغلاً وحماراً وجارية وقال: لو علمت أن الله تعالى خلق مركوباً سوى ما ذكرناه لأمرنا لك به. فحكي هذا الحديث للمعلى بن أيوب فقال: رحم الله معناً، لو كان يعلم أن الغلام يركب لأمر له به، ولكنه كان عربياً محضاً لم يتدنس بقاذورات العجم“. (اللطف واللطائف/3).

من المعروف ان الفرس يعيبون العرب وينسون أنفسهم! لكن أقرأ هذا الخبر لتعرف سر حقدهم وكراهيتهم للعرب.

قال الهيثم بن عدي، عن رجاله، بينا حذيفة بن اليمان وسلمان الفارسي يتذاكران أعاجيب الزمان، وتغير الأيام، وهما في عرصة أيوان كسرى، وكان أعرابي من غامد يرعى شويهات له نهارا، فإذا كان الليل صيرهن إلى داخل العرصة، وفي العرصة سرير رخام كان كسرى ربما جلس عليه، فصعدت غنيمات الغامدي على سرير كسرى، فقال سلمان: ومن أعجب ما تذاكرنا صعود غنيماتالغامدي على سرير كسرى(البيان والتبيين3/192).

9. شهادات فارسية بحق العرب

سنبدأ بأول اعتراف بحضارة العرب من كبار قومهم أي الفرس.

دخل الحارث بن كلدة على كسرى أنوشروان، وهو طبيب العرب، فقال له كسرى: ما أصل الطب؟ قال: ضبط الشفتين والرفق باليدين، قال: أصبت، فما الداء الدوي؟ قال: إدخال الطعام على الطعام هو الذي أفنى البرية، وقتل السباع في البرية، قال: أصبت، فما الجمرة التي تلتهب منها الأدواء؟ قال: التخمة التي إن بقيت في الجوف قتلت، وإن تحللت أسقمت، قال: فما تقول في الحجامة؟ قال: في نقصان الهلال في يوم صحو لا غيم فيه والنفس طيبة والسرور حاضر، قال: فما تقول في الحمام؟ قال: لا تدخل الحمام وأنت شبعان، ولا تغش أهلك وأنت سكران، ولا تقم بالليل وأنت عريان، وارتفق بيمينك يكن أرخى لمقيلك؛ قال: فما تقول في شرب الدواء؟ قال: اجتنب الدواء ما لزمتك الصحة، فإذا أحسست من الداء بحركة فاحسمه بما يردعه قبل استحكامه، فإنالبدن بمنزلة الأرض إن أصلحتها عمرت، وإن أفسدتها خربت، قال: فما تقول في الشراب؟ قال: أطيبه أهنوه، وأرقه أمرؤه، وأعذبه أشهاه، ولا تشربه صرفاً فيورثك صداعاً. ويثير عليك من الأدواء أنواعاً، قال: فأي اللحمان أحمد؟ قال: الضأن الفتي، واجتنبت أكل القديد والمالح والجزور والبقر، قال: فما تقول في الفاكهة؟قال: كلها في إقبال دولتها، وخير أوانها، واتركها إذا أدبرت وانقضى زمانها، وأفضل الفاكهة الرمان والأترج، وأفضل البقول الهندبا والخس، قال: فما تقول في شرب الماء؟ قال: هو حياة البدن وبه قوامه، وشربه بعد النوم ضرر، وأقوى المياه مياه الأنهار، وأبرده أصفاه، قال: فما طعمه؟ قال: شيء لا يوصف، مشتق من الحياة، قال: فما لونه؟ قال: اشتبه على الأبصار لونه، لأنه على لون كل شيء، قال: فأخبرني عن اصل الإنسان، قال: أصله من حيث يشرب الماء، يعني رأسه، قال: فما هذا النور الذي تبصر به الأشياء؟ قال: العيون مركبة، فالبياض شحمه، والسواد ماؤه، والناظر ريح، قال: فعلى كم طبائع هذا البدن؟ قال: على أربع: على المرة السوداء وهي باردة شديدة يابسة، والمرة الصفراء وهي حارة يابسة، والدم وهو حار رطب، والبلغم وهو بارد رطب، قال: فلم لم يكن من طبيعة واحدة؟ قال: لو كان من طبيعة واحدة لم يأكل ولم يشرب ولم يمرض ولم يمت، قال: فمن طبيعتين؟ قال: كانتا تقتتلان، وكذلك لو كان من ثلاث، قال: فاذكر لي أفعال الطبائع في كلمة جامعة، قال: كل حلو حار، وكل حامض بارد، وكل حريف حار، وكل مر معتدل، وفي المر حار وبارد، قال: فما أفضل ما عولجت به المرة الصفراء؟ قال: البارد اللين، قال:فالسوداء؟ قال: الحار اللين، قال: فالرياح؟ قال: الحقن اللينة والأدهان الحارة، قال: أتأمر بالحقنة؟ قال: نعم، قرأت في بعض كتب الحكماء أن الحقنة تنقي الجوف وتكسح الأدواء، وعجبت لمن احتقن كيف يهرم أو يعدم الولد، والجهل كل الجهل أكل ما عرفت مضرته، قال: فما الحمية؟ قال: الاقتصاد في كل شيء، فإن تجاوز المقدار يضيق على الروح ساحتها، قال: فما تقول في إتيان النساء؟ قال: الإكثار مضر، وإياك والمولية منهن فإنها كالشن البالي، تسقم بدنك وتجدب قواك، ريقها سم قاتل، ونفسها موت عاجل، تأخذ منك ولا تعطيك، عليك بالشابة، ريقها عذب زلال، وعناقها غنج ودلال، تزيدك قوة ونشاطاً، قال: فأي النساء القلب إليها أنشط، والنفس بمباشرتها أغبط؟ قال: إذا أصبتها فلتكنمديدة القامة، عظيمة الهامة، واسعة الجبين، قنواء العرنين، كحلاء برجاء، صافية الخدين، عريضة الصدر، مليحة النحر، ناهدة الثديين، لطيفة الخصر والقدمين، بيضاء فرعاء، جعدة غضة بضة، تخالها في الظلماء بدراً، قد جمعت لك طيباً وعطراً، تبسم عن أقحوان زاهر، وإن تكشف عنها تكشف عن بيضة مكنونة، وإن تعانق تعانق ألين من الزبد، وأحلى من الشهد، وأبرد من الفردوسوالخلد، وأذكى من الياسمين والورد، قال: فأي الأوقات الجماع أفضل؟ قال: عند إدبار الليل وقد غور، وعند إقبال الصبح وقد نور، فالبطن أخلى، والمتن أقوى، والنفس أشهى، والرحم أحلى، قال كسرى: لله درك من أعرابي أعطيت علماً”. (البصائر والذخائر5/49ـ 51). كما قال التوحيدي” أقبل علينا ابن المقفّع، فقال: أيّ الأمم أعقل؟ فظننا أنه يريد الفرس، فقلنا: فارس أعقل الأمم، نقصد مقاربته، ونتوخّى مصانعته. فقال: كلّا، ليس ذلك لها ولا فيها، هم قوم علّموا فتعلّموا، ومثّل لهم فامتثلوا واقتدوا وبدئوا بأمر فصاروا إلى اتّباعه، ليس لهم استنباط ولا استخراج. فقلنا له: الرّوم. فقال: ليس ذلك عندها، بل لهم أبدان وثيقة وهم أصحاب بناء وهندسة، لا يعرفون سواهما، ولا يحسنون غيرهما. قلنا: فالصّين. قال: أصحاب أثاث وصنعة، لا فكر لها ولا رويّة. قلنا: فالتّرك. قال: سباع للهراش. قلنا: فالهند. قال: أصحاب وهم ومخرقة وشعبذة وحيلة. قلنا: فالزّنج. قال: بهائم هاملة. فرددنا الأمر إليه. قال: العرب. فتلاحظنا وهمس بعضنا إلى بعض، فغاظه ذلك منّا، وامتقع لونه، ثم قال: كأنّكم تظنّون فيّ مقاربتكم، فو الله لوددت أنّ الأمر ليس لكم ولا فيكم ولكن كرهت إن فاتني الأمر أن يفوتني الصواب، ولكن لا أدعكم حتى أبيّن لكم لم قلت ذلك، لأخرج من ظنّة المداراة، وتوهّم المصانعة، إن العرب ليس لها أول توءمه ولا كتاب يدلّها، أهل بلد قفر، ووحشة من الإنس، احتاج كلّ واحد منهم في وحدته إلى فكره ونظره وعقله، وعلموا أنّ معاشهم من نبات الأرض فوسموا كلّ شيء بسمته، ونسبوه إلى جنسه وعرفوا مصلحة ذلك في رطبه ويابسه، وأوقاته وأزمنته، وما يصلح منه في الشاة والبعير، ثم نظروا إلى الزمان واختلافه فجعلوه ربيعيا وصيفيا، وقيظاي وشتويا، ثم علموا أنّ شربهم من السماء، فوضعوا لذلك الأنواء، وعرفوا تغيّر الزمان فجعلوا له منازله من السنة، واحتاجوا إلى الانتشار في الأرض، فجعلوا نجوم السماء أدلّة على أطراف الأرض وأقطارها، فسلكوا بها البلاد، وجعلوا بينهم شيئا ينتهون به عن المنكر، ويرغّبهم في الجميل، ويتجنّبون به الدناءة ويحضّهم على المكارم، حتى إنّ الرجل منهم وهو في فجّ من الأرض يصف المكارم فما يبقي من نعتها شيئا، ويسرف في ذمّ المساوئ فلا يقصّر، ليس لهم كلام إلّا وهم يتحاضّون به على اصطناع المعروف ثم حفظ الجار وبذل المال وابتناء المحامد، كلّ واحد منهم يصيب ذلك بعقله، ويستخرجه بفطنته وفكرته فلا يتعلّمون ولا يتأدّبون، بل نحائز مؤدّبة، وعقول عارفة، فلذلك قلت لكم: إنهم أعقل الأمم، لصحّة الفطرة واعتدال البنية وصواب الفكر وذكاء الفهم”. (الإمتاع والمؤانسة1/71).

قدم المرزوقي الاصفهاني العرب على غيرهم بقوله” اعلم أنّ رؤساء الأمم أربعة بالاتفاق: العرب، وفارس، والهند، والروم وهم على طبقاتهم في الذكاء والكيس، والدّهاء، والكيد، والجمال، والعناد وتملك الممالك والبلاد، والسّياسة والإيالة، واستنباط العلوم وإثارة الحكم في جوامع الأمور”. (الأزمنة والأمكنة/11). ذكر ابن شداد” كان ملك الروم برومية الكبرى – وهي دار ملكه – وكان بينه وبين سابوربن أردشير، العاشر من ملوك الفرس عداوة عظيمة. فكانت الفرس تشن الغارات من أرزن على هذه الديار إلى آمد. وما وراءها، وتسبي أهلها وتقتل الرهبان فاتفق أنه كانت لملك الفرس ابنة فائقة الجمال، وكانت عنده بمنزلة عظيمة، فعرض لها مرض من الجنون، فجمع الأطباء والكهنة فعالجوها فلم تبرأ من ذلكالمرض، فضاق صدره لذلك، فاستشار أهل مملكته ووزراءه في أمرها فأشاروا عليه بالإنفاذ إلى قسطنطين – ملك الروم – بأن يتقدم إلى مروثا بالحضور إليك ومعالجتها. فنفذ إلى ملك الروم رسولا، ومعه هدايا وتحف عظيمة، فنفذ الملك إلى مروثا، وأمره بالمسير إليه. فسار مع الرسول إلى أن وصل إلى الملك سابور، ودخل على ابنته وعالجها أياما فبرئت مما كانت فيه. ففرح الملك فرحا عظيما، وقال لمروثا: تمن علي! فقال: أريد الصلح والهدنة بينك وبين الملك قسطنطين، وتكون المودة بينكما دائمة، فأجابه إلى ذلك، وكتب بينهما عهدا لا ينقض مدة حياتهما. فلما عزم على المسير، سأله الملك: هل لك حاجة؟ فقال: مالي حاجة. ولكني أسألك جمع عظام الرهبان والشهداء الذين قتلوهم أصحابك فيبلادنا، وحملها معي إلى موضعي. فأمر له بذلك. وطيف بتلك الديار وجمع ما بها من عظام من قتله الفرس، وحملها معه إلى مقرة، ودفنها في موضعه”. (الأعلاق الخطيرة/155).

10. الحالة المعكوسة

اتسم الإسلام بنظرة موضوعية الى جميع القوميات، فلم يفاضل بين الجنس واللون والعصبية والنسب والقرابة من النبي (ص)، لا فرق بين عربي وأعجمي إلا من حيث درجة أو مرتبة الإيمان والتقوى، فالأعجمي المسلم الشديد التقوى أفضل عند الله تعالى من العربي المسلم الأقل تقوى، وهناك الكثير من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي يمكن الاستشهاد بها، وكان من كبار الصحابة صهيب الرومي وبلال الحبشي وسلمان الفارسي، والأزرق بن عقبة وغيرهم. الأصل في هذه النظرة الموضوعية السليمة هي أن البشر جميعهم من أصل واحد، فهم من نسل آدم، وآدم من تراب. عن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِهَارًا غَيْرَ سِرٍّ يَقُولُ : ( أَلَا إِنَّ آلَ أَبِي يَعْنِي فُلَانًا لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ”. (صحيح البخاري/5990). وعَنْ أَبِي نَضْرَةَ قال ” حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى ، أَبَلَّغْتُ) قَالُوا : بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”. (مسند أحمد/22978).

مع أن العرب هم الذين رفعوا راية الإسلام ونشروه تعاليمه السمحاء بين الأمم، لكنهم لم يتفاخروا بهذه المكرمة التي اسبغها الله تعالى عليهم حصرا. ولو تفاخروا على سبيل الفرض، فأن الحق في جانبهم، لأنهم هم الذين تحملوا العبْ الأكبر من الجهاد في سبيل الله، وقدموا التضحيات البشرية والمادية لنشر الإسلام. جميع الشعوب غير العربية هي مدينة للعرب في هذا الجانب سواء اعترفوا أو أنكروا إحسان العرب اليهم. أما أن يتفاخر شعب أعجمي كان غارقا في الوثنية والضلال على العرب المسلمين الذين أنقذوه من حبائل الشيطان وقادوه الى مرفأ الإيمان، فهذا بربٌي أمر مشين لا يقبله لبيب. عندما يقدم لك إنسان ما خدمة ما، فإنك مدين له عما قدمه لك وشاكرا لفضله، أما إذا تنكرت له وخدمته فهذا خزي وعار. فكيف والأمر يتعدى الخدمة الشخصية، بل ويتعدى حياة الدنيا بأكملها؟ قال ابو هلال العسكري” ذكر فيمفاخرات العرب والعجم عربيا وفارسيا تفاخرا، فغلب العربيالفارسي في كل خصلة ذكراها، حتى ذكر القرى والضيافة فقال الفارسي: لنا في ذلك ما ليس للعرب، نحن نسمى الضيف مهماكان عظيمنا أو كبيرنا، فنجعل أنفسنا مضافة إليه، وانتم تسمونه الضيف، فتجعلونه مضافا اليكم، فغلب الفارسي العربي في هذه الخصلة“. (الأوائل /417).

كيف تعامل العرب المسلمون مع الفرس؟

كان الفرس قبل الفتح الإسلامي المبارك يعيشون في ظل المجوسية والزرادشتية، وهي فترة مظلمة كما يفترض في تأريخهم لما احتوته من مظالم ومفاسد وحروب ونهب وسلب وجهل، فإن ضمروا للعرب المسلمين الفاتحين الشر والازدراء،  ونظروا لهم نظرة دونية، وحملوهم تدمير حضارتهم كما يزعمون، فهذا له معنى واحد، وهو الحنين الى المجوسية والضلال ونكاح المحارم، بمعنى الارتداد عن الإسلام. اقرأ وصية عمر في كيفية التعامل مع الفرس وستفهم حقيقتهم: لما بعث سعد بن أبى وقاص لحرب الفرس قال له: أوصيك بعشر خصال: لا تقتل امرأة ولا وليدا ولا فانيا، ولا تقطع شجرة بثمرة. ولا تعقر شاة ولا بقرة ولا بعيرا إلا ما أكلتهم؛ لا تحرق نخلا ولا كرما، ولا تخرب عامرا، ولا تتهور ولا تجبن. وإذا دخلت أرض العدو فإنك ستجد قوما حبسوا أنفسهم لله، فدعهم وما حبسوا أنفسهم له، وستجد قوما فحصوا عن أوساط رءوسهم، فاضرب ما فحصوا بالسيف، وإياك ومعاصي الله في الجيش، فإنها مفسدة للحرب ومبغضة للرب”. (المقتطف من أزاهر الطرف/76). ولما أتي بالهرمزان أسيرا إلى عمر بن الخطاب قيل له: يا أمير المؤمنين، هذا زعيم العجم وصاحب رستم فقال له عمر: أعرض عليك الإسلام نصحا لك في عاجلك وآجلك. قال: يا أمير المؤمنين، إنما أعتقد ما أنا عليه ولا أرغب في الإسلام. فدعا له عمر بالسيف. فلما همّ بقتله قال: يا أمير المؤمنين، شربة من ماء أفضل من قتلي على ظمأ. فأمر له بشربة من ماء. فلما أخذها قال: أنا آمن حتى أشربها؟ قال: نعم. فرمى بها وقال: الوفاء يا أمير المؤمنين نور أبلج. قال: صدقت، لك التوقف عنك والنظر في أمرك؛ ارفعا عنه السيف. فلما رفع عنه. قال: الآن يا أمير المؤمنين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وما جاء به حق من عنده. قال عمر: أسلمت خير إسلام، فما أخّرك؟ قال كرهت أن تظن أني أسلمت جزعا من السيف وإيثارا لدينه بالرهبة. فقال عمر: إن لأهل فارس عقولا بها استحقوا ما كانوا فيه من الملك. ثم أمر به أن يبرّ ويكرم، فكان عمر يشاوره في توجيه العساكر والجيوش لأهل فارس”. (العقد الفريد1/113).

الخلاصة

الحقيقة ان التصريحات التي تصدر من الزعمات الدينية والسياسية تصب جميعها في هذا الاتجاه. كثير ما نسمع منهم الإشادة بالعصور الساسانية وتمجيدها دون أي تمجيد للعصر الإسلامي، الأنكي منه انه حتى كبار العلماء المسلمين الفرس لا ذكر لهم في تصريحاتهم، خذ مثلا البخاري والترمذي والغزالي والمئات غيرهم. من سمع من الفرس الإشادة والتفاخر بهؤلاء العلماء الأفذاذ؟ الجواب: لا أحد.

لاحظ الإصدارات الفارسية والكتب التي تباع في معارض الكتب العربية، هناك عشرات الطبعات من الشاهنامة ورباعيات الخيام والكتب التأريخية المعنية بالعصور الساسانية المزوقة بشكل مدهش وبطبعات ورسوم رائعة، لكن هل لاحظت كتب إسلامية لكتاب مسلمين فرس من غير الشعوبيين كالبخاري وأبو حنيفة والبيهقي والجرجاني وابن سينا وغيرهم؟ الجواب: كلا!

من المؤسف ان القراء العرب يتسابقون للحصول على النسخ المزوقة من الشاهنامة (قرآن الفرس) مثلا، مع أن الكتاب فيه احتقار شديد للعرب، انها حقا حالة غريبة!

ولا نفهم كيف تسمح وزارات الثقافة والإعلام في الدول العربية لمثل هذه الكتب الشعوبية ان تباع في معارض الكتب الإيرانية على أرضها!

أنه لأمر محير فعلا! لو فرضنا جدلا أن وجود كتاب عربي يتحدث عن مثالب الفرس، او ينتقد الخميني او الخامنئي! هل كان النظام الإيراني يسمح ببيعه في معارض الكتب العربية التي تقام على أرضه؟ نترك الجواب للقارئ اللبيب.

ملاحظة

المراجع والمصادر للمبحث موجودة على موقع فيصل نور، مع المبحث كاملا غير مجزأ.

أحدث المقالات

أحدث المقالات