بسند معتبرٍ آخر، عن شيخي حسن عن شيخه المنتفخ الحلّي، صاحب الرايات الزرقاء، التي كان يكتبها للعباد، ويعلن فيها براءته من حكم أبي أسراء، عن شيخه أبلّحد شناوة، الذي كان يبيع الخمرة ويحتسيها في أزقّة القيروان. وقيل أنه أسلم في آخر أيامه وأصابته رعشةٌ في أطرافه السفلى، كانت تظهر عليه بالأغلب عند الوقوف لقنوت صلاة العيد المارثونية ، بعدما تاب وأودع السجن بتهمة بيع الخمرة المغشوشة .. قال ..
لما انصرف قادة الجند وولاة الأمصار، وأيقن الخليفة أنه قد أمن الأهوال والأخطار، بقى شيخ التمسلت وحاشية أبي إسراء، في حضرته يبغون أمراً بالخفاء. تثائب الخليفة ومطّ جسمه المبارك ليفهم الجمع بأنّه مغادر، فعقّب عليه الشيخ بأنّةٍ طويلة، أتبعها بنظرة لئيمة، وقال له وللحضور ..
: بارك الله بك يا خليفة. الآن حان وقت الوجبة الخفيفة. فلن تكون وحدك في العلياء، ونحن ننتظر رحمة السماء. نحن الأقربون الذين أوصى بنا رب البرية، فهات ماعندك من عطايا سخيّة
أدرك الخليفة أن لا قدرة عندة لمحاججة شيخ التمسلت، ولو تركته في السرد مستمراً، لجرّده من كل شيء، فمدّ يده الى خلف كرسيّه وأخرج له كلاواً أخضراً مطرزاً بالسيفون والفيروز، ودعا الشيخ ليلبسه وببركته يفوز
لكنما الشيخ رفض، ومن مكانه انتفض، وأنَّ أنّةً أخرى، سمعها كل من في حضرة الخليفة، لكنما الخليفة، أفكاره مخيفة، فأقنع الشيخ برتبة نظيفة، وليرأس التحالف ويصبح الخليفة ذراعه المفوض. فانتعش الشيخ وهدر، وبرأسه الكلاو استقر ، ولعمري كان الحضور يحسدوه على كمية السيفون التي في حاشيته إذ صار وجهه كما القمر
يقول أبلّحد فسّخ الله ثراه، ببركة ذلك الكلاو، أدمن شيخ التمسلت تجميع قطع السيفون بعدها. وكان يجلس ساعات من النهار أمام المقاهي متنكراً بزي إعرابي أو بائع فرّارات. ويجول ساعات أخرى في النهار بين أزقة بغداد يلتقط قطع السيفون. وكانت عيناه روحي فداه تدمع حين يرى قطعتين مرّة واحدة. فيتناولها ويكاد يقبـّلها، ويرفع رأسه الى السماء، ويدعو للخليفة أبي إسراء
استقر الخليفة في قصره بالمنطقة الخضراء ببغداد، المشيدة من زمن الإفرنجة الذين غزو أرض السواد، وأحاطها بسور منيع يصدّ أيّ هجوم للأعداء والحسّاد
كانت الأموال تُجبى من سائر الأمصار والولايات لبيت المال، فقد تضاعف ثمن الزيت المستخرج من باطن الأرض، وزاد الطلب عليه من سائر البلدان، من الإفرنجة والمغول والتتار، وممالك الصين وبلاد العم سام، فامتلأت الخزائن وبيوت المال، وانتعش الخليفة لهذا الحال
لكنما بغداد وسائر ولايات العراق، كانت تعاني العتمة وقلّة الزيت الموزع للناس، فبيوت المساكين بقيت مظلمة، والأزقة والسكك موحشة، والحال بقت كما هي الحال، من زمن ذلك المقبور الى زمن الخليفة البليد المغرور
ثم أتت الرايات السود من خراسان، تلك التي ذُكرت في كتب الملاحم وسير الأزمان. دخلت الرايات ودخلت معها عيون الشيطان. وتسللت الى مراكز الحكم وكل مجلس وديوان. والخليفة أبو إسراء يستشيرهم بكل أمر وكل بيان
لم تكتفِ أرض السواد بذلك البلاء، فقد غزتها جموع الخوارج والناطقين الجدد باسم إله السماء، الذين عاثوا في الأرض الفساد، وقتلوا وهدّموا كل بيت جميل في أرض السواد
وأتت سنون القتل الجماعي من جديد، إذ اخترع الخوارج طرقاً للموت من بعيد، كانوا يفجّرون الناس بنارٍ تأكل الحديد، حتى أدرك الناس أن هؤلاء جند الشيطان، وما يفعلوه لم يفعله قبلهم إنسٌ ولا جان
يقول شيخي حسن في قصاصة من جلد حيوان .. إعلم رحمك الله يامن تقرأ هذه السطور، أنها كُتبت على جلد حمار فُخخ في ذلك الزمن الأغبر، قد كنت حاضراً وثاني أثنين حين انفجر ذلك الحمار في سوقٍ للمساكين، ولكي تعلم رحمك الله كيف كانوا يفخخون البشر والحمير، فاسمع مني هذا القول المثير
ابتدع الخوارج ومن سوّل لهم وأوصلهم الى هذا التدبير، طريقة لا تخطر ببال أو تفكير. كانوا يُطعمون المنذور للتفجير، أ كان حماراً أم بشراً بلا تفكير. كانوا يملأون بطنه بالأكل حتى التخمة، ثم يطعمونه كمية مهولة من الثوم المعتق والفجل الذابل العتيق مع قليل من التبن. ويتركونه ساعة من نهار، ويعرضون عليه شراب الصودا المركّز. فيشرب منه حتى يرتوي، ومنه يكتفي. بعدها يقومون وعلى بركة الله بختم أسته بشيء من صمغ الأمير أو ما متوفر من سيكوتين. فيتحول إلى كيس من الهواء المضغوط، الذي ينفجر لو صاح به أي زعطوط
هذا ماكان للبشر، أما للحمار المفخخ أكرمكم الله، فكانت الأمور أهون من البشر، إذ يكتفون بختمه بجزرة أو ما توفر من أحجار
وقبل إرسال المفخخ الى موقع التفجير، يملأون حلقه بكمية من الملح المطحون مع التراب حتى يسحب سوائل فمه والحلقوم، فيصعب عليه التجشئ وإفراغ مابه من غازات. وآخر فعل يقومون به في مصنع التفخيخ، هو تمريره قريباً من بيوت الراحة ليراها ويتحسّر وتهيج أحاسيسه في طلب التفريغ والاسترخاء
وفي لحظة التفجير، كان هناك من يفجّر من بعيد، إذ يغني للحمار البشري المفَخًّخ مقاطع من اوركسترا ( فوت بيها وعالزلم دهديها .. هذا أبو الغازات گايم بيها ) فينفجر مردداً ( گبُر لفني )
أما الحمار المفخَّخ، فكانوا يربطونه بإحكام على قارعة الطريق وسط العامة، ثم يجلبون حمارة أنيقة، جمـّلوا خدودها بالپوتكس، وحواجبها بالتاتو، وحمّروا شفتيها حتى كأنها شيفين من الرگّي، وعطّروها بروث الأباعر النادر. عندها تهيج عواطف الحمار المفخخ المربوط، ويحاول النهيق ولا يخرج منه أي صوت أو طوط. ويصبح حاله مريع، فالثوم والفجل يتفاعلان مع هرمون التوستيرون. وأنفه السفلي يكاد أن يمسّ الأرض كأحد الآثار التحتية للتفاعل. وفي لحظة الذروة، تغمز الحمارة له بطرفها الخجول، مع حركة رقيقة من رأسها وهزة من ذيلها لتفضح المستور، ولسان حالها يقول : يلّـه .. اشمنتظر ؟ .. ثم يُسمع دويٌ في تلك النواحي ويحصل الانفجار .. ولا يبقى أثرٌ للحمار
يتبع ..
[email protected]
خاص بـ كتابات