الصعيد الدولي
سقوط الفاشية البعثية نيسان 2003 بواسطة الحرب والغزو والاحتلال , لم يوفر الفرصة لبناء الدولة المدنية الديمقراطية , دولة المواطن و لم يوفر للمواطن العراقي حقوقه وحرياته الأساسية , بل العكس تأسس وفق هذا السقوط انهيار مؤسسات الدولة الوطنية , وفوضى سهلت للاحتلال أن يفرض مشروعه وشروطه لتأسيس ( دولة جديدة ) , يحلو للبعض تسميتها ( العراق الجديد )… ؟ .
الاحتلال الأمريكي فاقم من نتائج ومحصلة أخطاء الحقبة الفاشية الكارثية من حروب خارجية وداخلية وانتهاكات مروعة لحقوق الإنسان . الاحتلال أسس لسلطة الطوائف والمذاهب والأعراق وغيب الهوية الوطنية , ليغرق العراق في دوامة العنف والموت المجاني منذ 2003 ولحد الآن .
الولايات المتحدة الأمريكية وبالرغم من سحب قواتها , لم تتحمل التزاماتها تجاه العراق حسب المعاهدات الدولية ( جنيف 1949 ) , ومن أولى تلك الالتزامات العمل على إعادة البنى التحتية للدولة , تعويض المتضررين , ضمان سيادة الدولة العراقية , رفع العقوبات المفروضة على العراق وحماية أمواله ووارداته النفطية وإسقاط الملاحقات بشأنها . لازالت الموارد تخضع للمراقبة والتدقيق ومن غير الممكن التصرف بها دون موافقة الأمم المتحدة وقبلها الولايات المتحدة الأمريكية ( صندوق تنمية العراق ).
الدولة الجديدة لازالت تشكل وحسب توصيف الأمم المتحدة خطرا على الأمن والسلامة الدولية , ولازالت الأمم المتحدة ومن خلال بعثتها في العراق ( يونامي ) تفرض نظام وصاية على الدولة العراقية ,فهي لحد الآن تمارس عمليات المراقبة والتدخل وتشرف وتشارك في رسم سياسة الدولة العراقية والوساطة بين الإطراف السياسية و نزاعات السلطات الحاكمة المختلفة حول المناطق المتنازع عليها وغيرها من أمور ذات شأن داخلي . أذن فسلطات الدولة الجديدة مازالت فاقدة لقرارها الوطني ، وصلاحياتها محددة تخضع لضوابط قرارات الأمم المتحدة وشروط اتفاقية الشراكة طويلة الأمد بين الدولة ( الجديدة ) والولايات المتحدة الأمريكية. وكل تلك الاشتراطات والموانع تأتي بالضد من رغبة المواطن العراقي في الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية .
الدولة العراقية الجديدة, كيان ناشئ ضعيف لم تتضح معالمه , تتجاذبه إطراف داخلية ودولية وأيضا إقليمية، ونتيجة لهذا فهو محكوم بعوامل اللا استقرار نتيجة هذا التجاذب. حتى الدستور( المختلف عليه ) في هذه الدولة الجديدة يوحي ويفصح بشكل جلي عن هذا التنازع والارتباك بين معالم دولة ( ديمقراطية ) ودولة ( دينية ) أو أصلا ( اللادولة ) . وطبقا لتوصيف المفوضية الأوربية فان هشاشة الدولة العراقية تتمظهر في هيكلية الدولة الفاشلة , والمفوضية ذاتها اعتبرت أن عرى ( العقد الاجتماعي ) قد تحطمت في العراق، وظهر كدولة بمؤسسات ليس لها القدرة على توفير الحد الأدنى من الخدمات لشعبها والقدرة على تنفيذ تعهداتها والتزاماتها .
والدول الفاشلة , حسب تعريف الباحث نعوم تشومسكي هي ( الدول غير القادرة أو غير الراغبة في حماية مواطنيها من العنف وربما من الدمار نفسه ) .
الدولة العراقية وحسب اغلب المؤشرات الدولية لمراكز الدراسات والبحوث مثل ( صندوق دعم السلام , فورين بوليسي الأمريكية , البنك الدولي , الإدارة البريطانية للتنمية الدولية … وغيرها ) تحتل المراكز المتقدمة ضمن الدول الفاشلة .
الدولة العراقية وبهكذا مأزق وظروف واشكاليات متعددة ومريرة , ستكون اضعف من ان تضمن حقوق وحريات مواطنيها , واضعف من ان تستطيع معالجة واصلاح مواقع الخلل بسبب أن اغلب المشاكل هي بواقع كارثي وبالاخص ان السلطة والاحزاب السياسية تحاول التمويه وتعويم التجربة السياسية كحل اخير وكأنها الديمقراطية بعينها , وبنفس الوقت تتغاضى عن مقومات الدولة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لانها عاجزة وغير مؤهلة لصياغة مشروع الدولة المدنية , فحقوق الإنسان وحرياته لا تنمو ولا تتطور إلا في بيئة سليمة ومؤسسات تشريعية وتنفيذية مسؤولة .
الصعيد الداخلي
تفتقد سلطة الدولة العراقية ( الجديدة ) وحكومتها المركزية , السيطرة الفعلية على مناطق شاسعة من العراق ( الانبار , ديالى , صلاح الدين , نينوى ) , وعجزها السيطرة على حركة المجاميع الارهابية من والى الاراضي العراقية , مما شكل و يشكل الخطر على حياة وامن المواطنين العراقيين وممتلكاتهم واستقرارهم , اضافة لما يعانيه المواطنين العراقيين في هذه المناطق من نتائج العمليات العسكرية والمجابهة اليومية , فقدان السيطرة على هذه المناطق وفر الحواضن والملاذات الآمنة للمجاميع الارهابية والقوى المناهضة للتغيير مما بات يهدد باقي المناطق العراقية وبالاخص العاصمة العراقية بغداد , من تعاظم فقدان الامن والاستقرار ويضاعف من عدد الضحايا وبالتالي من مخاطر تجدد الاحتراب الاهلي , التفجيرات بالسيارات المفخخة وعمليات الاغتيال ظاهرة يومية اودت بحياة الاف من المواطنين العراقيين في العاصمة بغداد ومحافظات الوسط والجنوب العراقي وهي من دلالات فشل الدولة وحكومتها المركزية , رغم ضخامة عديد قوات الجبش والامن والشرطة , ففقدان السيطرة على البقعة الجغرافية وغياب الاستقرار وانعدام الامن احد مؤشرات ومقاييس الفشل , اضافة لذلك فاغلب المدن عبارة عن ثكنات عسكرية والمدينة الواحدة تخضع لتقسيمات امنية وحواجز تفتيش وتدقيق , و سريان حظر التجوال من الساعة الثانية عشر ليلا ولغاية الخامسة صباحا , معمولا به منذ سقوط نظام (صدام ) عام 2003 .
حكومات الدول الديمقراطية المتحضرة ومؤسساتها تراعي شؤون مواطنيها وتوفر الخدمات الضرورية وسبل الحياة الطبيعية في كل المجالات الاقتصادية والصناعية والصحية والتربية والتعليم والاجتماعية والثقافية , وتلجأ الدولة الى بذل اقصى الجهود والامكانيات لتنمية الموارد المالية واستثمارها وبناء دولة العدالة وتكافوأ الفرص امام الجميع , لكن الدولة العراقية ( الجديدة ) ومنذ سقوط النظام الفاشي في عام 2003 استأثرت باهتمام مراكز البحث الاقتصادي والاستقصاء الدولية المختلفة , ليكون العراق في مصاف الدول المتخلفة والاسوأ في تقديم الخدمات والاكثر فساداً ماليا واداريا واكثر الدول التي ينعدم فيها الامن وتنتهك وفيها حقوق الإنسان , حسب المنظمات الدولية المعنية بالرصد والتدقيق فالعراق من الدول التي ينتهك فيها حق الحياة والتي تتحمل مسؤوليتها الحكومة العراقية الحالية والحكومات التي التي سبقتها ,التطورات في العراق مبعث قلق لتواصل نهج التصفيات الجسدية وعمليات قتل خارج القانون تقوم بها الزمر الارهابية وميلشيات مدعومة من السلطة او احزابها , كما تتعرض المكونات العراقية لحملات تهجير قسرية او الاجبار على الهجرة بالتهديد والتخويف , وهذا مؤشر خطير لهشاشة الدولة وضعف السلطة ( الشرعية ) , العراق يحتل التسلسل المتقدم ( 3 ) في قائمة الدول الفاشلة بسبب الهشاشة الامنية وسوء الادارة والفساد والعجز عن تقديم الخدمات ( الاساسية ) حسب تقرير وكالة التعاون والتطوير التقني , مؤسسة انتاريز الهولندية .
صندوق النقد الدولي (IMF ) اورد في تقريره السنوي عن العراق لعام 2013 , ان العراق يواجه تحديات سياسية مالية كبيرة بعد 30 سنة على العقوبات والحروب التي تسببت بوجود احتياجات كبيرة جدا للبلد على الصعيد الاجتماعي وتطوير البنى التحتية ورأى ان العراق يحتاج الى تحويل ثروته النفطية الى اصول تستند عليها اعادة الاعمار والتنمية بشكل متواصل , الذي جرى في الدولة العراقية ( الجديدة ) العكس من خلال استنفاذ الموارد النفطية الهائلة ( 751 ) مليار دولار من عام 2003 ولنهاية عام 2013 بعمليات فساد مالي منظم شاركت بها ورعتها السلطات العراقية , فالميزانيات المالية الضخمة لمعظم الوزارات العراقية لم تصرف اموالها و فيما تستمر مؤسسة الشفافية الدولية على تأكيد ان العراق مازال الاكثر فسادا بين دول العالم , ومن الطريف ان تتبجح الحكومة العراقية بالتهديد بمنافسة السعودية بنفطها وواقع الحال انها سلطة ( الدولة الجديدة ) عاجزة عن توفير ( طاسة ماء ) صافي , توفير السكن اللائق للمواطنين العراقيين , الرعاية الصحية والاجتماعية , توفير العمل كحق كفله الدستور العراقي و توفير الكهرباء والارتقاء بالمستوى المعاشي للمواطنين العراقيين الاكثر فقرا , مكافحة البطالة , اضافة الى الاحتياجات الحياتية الضرورية وكلها عوامل تتناقض وتتنافى و ( الديمقراطية ) التي تتبجح بها حكومة الدولة العراقية , العراق دولة فاشلة بامتياز نتيجة خطط العقلية المتخلفة اداريا واقتصاديا وتربويا واجتماعيا وتركيزها اي السلطة والقوى المتنفذة , على سرقة الدولة ومواردها النفطية وجعله مشلولا كئيبا وفاسدا .
يقول الدكتور صالح ياسر حسن , الاستاذ والباحث الاقتصادي , ان ( المجتمع الديمقراطي في البلدان المتقدمة ياتي مكملا وامتدادا للدولة التي كانت في اصل نشوئه . بالعكس من ذلك ياتي الحديث المتزايد عن المجتمع المدني في البلاد النامية ومنها العراق كتعويض عن غياب المجتمع تماما وكرد على الفراغ الذي احدثه في الفضاء العمومي تفسخ الدولة وتحلل السلطة العمومية الى سلطة أصحاب مصالح خاصة , وانهيار اي قاعدة قانونية ومؤسسية ثابتة وراسخة للدولة والمجتمع معاً ) .
ويقول محللون إن الفوضى السياسية والتجاذب الطائفي في العراق دمر أية فرصة لبناء دولة مستدامة على المدى القريب والبعيد.
وتبدو الحكومة بميزانيتها الباذخة والمقترحة لعام 2014 ( 150 ) مليار دولار عاجزة عن تحريك الاقتصاد الراكد، معتمدة على حلول ترقيعية، تزيد تعميق الحفرة التي سقط فيها الاقتصاد العراقي، بتشغيل المزيد من العراقيين في وظائف وهمية لكسب المزيد من الصامتين عن فشلها.
ومن المتوقع أن يؤدي أي انخفاض كبير في أسعار النفط الى عجز الحكومة عن توفير التزامات الميزانية التشغيلية، ناهيك عن إلغاء مخصصات الموازنة الاستثمارية في بلد يعاني من انهيار واسع في البنية التحتية.
ويرى محللون أن العراق تحول الى دولة ريعية تحيا بشكل تام على موارد النفط في ظل تعطل جميع الأنشطة الاقتصادية.
وتتهرب الحكومة العراقية من مشاكلها السياسية يوميا بتعيين مزيد من العاطلين في وظائف لا وجود لها، لتتسع الميزانية التشغيلية وتكبر الحفرة التي وقع فيها الاقتصاد العراقي.
من مؤشرات الدولة الفاشلة , العجز بحل اشكالية المناطق المتنازع عليها في كركوك وديالى والموصل وحسب المادة 140 من الدستور مما يعيق استقرار المواطنين العراقيين وممارسة حياتهم الطبيعية دون خوف من تهجير و ترحيل قسري .
الدولة العراقية ( الجديدة ) , تتجاذبها الكتل والكيانات السياسية وصراع بائس على السلطة والثروة والاستخفاف بكل القيم الإنسانية وتهميشهم للارادة العامة وخرقهم الفاضح للدستور والارتهان والاستقواء بالعامل الخارجي وبالاخص الايراني – السعودي -التركي – الامريكي والعملية الديمقراطية السياسية عند اغلبهم وسيلة وليس غاية واغلب الاحزاب المشاركة بالعملية السياسية والتي تتمسك بالسلطة احزاب دينية بهويات طائفية ومذهبية واحزاب وكتل عرقية غير ديمقراطية ببنيتها الداخلية وغير وطنية بتوجهاتها وهو ما يستدعي اعادة كتابة الدستور المختلف عليه اصلا او على الاقل التغيير في المواقع والمواد التي تثير النعرات الطائفية والعرقية والمادة 142 تشير الى اهمية التعديلات الضرورية على الدستور الحالي ولكن ومع الاسف انتهت الدورة السابقة للبرلمان وستنتهي الدورة الحالية ولم ينجز امر التعديلات .
بعد 11 عاما من التغيير , لازالت الديمقراطية بمفاهيمها ومؤسستها والمقومات السياسية والاقتصادية والاجتماعية غائبة او بالاحرى مغيبة والانتخابات التي جرت سابقا والتي ستجري في 30-04-2014 ليست بالضرورة تعبير او مؤشر عن الديمقراطية .
السائد ومنذ التغيير , لم يتم التفريق بين المتغير ( السلطة ) والثابت ( الدولة ) وتمت عمليات تهميش واستلاب لدور السلطات التشريعية والقضائية لحساب السلطة , وقد عملت الحكومة العراقية على تضعيف دور الدولة ومؤسساتها على حساب تقوية السلطة واجهزتها الامنية والمخابراتية والعسكرية وبالتالي التحول الى نظام ديكتاتوري ينسف ويهدم الباقي من الدولة العراقية ( الجديدة ) الفاشلة بامتياز وربما وهو جائز ايضا , انهيار الباقي من العراق كواقع نتيجة الازمات المستعصية .
ما اشبه اليوم بالبارحة فحروب دولة البعث الفاشية لازالت مستمرة ولكن بشكل اخرمن طراز جديد ! ؟