19 نوفمبر، 2024 1:38 م
Search
Close this search box.

عملية نقد الحكومات والشخصيات بين الحرية الصحفية والمسؤولية الوطنية

عملية نقد الحكومات والشخصيات بين الحرية الصحفية والمسؤولية الوطنية

ان انتقاد الساسة والشخصيات , والطعن بالمسؤولين والحكومات , ومعارضة الانظمة والسياسيات ؛ أمرٌ واقعٌ لا محالة بين الناس فضلا عن العراقيين المولعين بالخلاف والنقد والمعارضة والتحدي ؛ فهم احيانا يعترضون لأجل الاعتراض لا لشيء اخر …!! .

وانا هنا لست بصدد بيان انواع الخصومات والمعارضات او تقييم كافة التصرفات والسلوكيات , انما بصدد تشخيص ظاهرة النقد الهدام  وتداعياتها ومخرجاتها … ؛  فمن قال : ان معارضة الحكومات بالحق والباطل صحيحة ؟

ومن قال : ان وظيفة المثقف الوطني التركيز على المثالب والسلبيات واهمال الانجازات والايجابيات وغض الطرف عنها وعدم تسليط الاضواء عليها وتشجيع القائمين عليها ودفعهم للمزيد من النجاحات والمشاريع والانجازات ؟

فقد يكون الكاتب المستقل والاعلامي الوطني مطية للأعداء من حيث لا يشعر , اذ ان المفروض بالوطني الواعي ان يراعي الظروف الخارجية والتحديات الداخلية التي تمر بها بلاده ؛ فأن كانت تصريحاته ونتاجاته وكتاباته واعماله  تصب في خدمة الوطن والمواطن ؛ فبها ونعمت , واما اذا كانت نتائجها تؤول لصالح تنفيذ مخططات الاعداء واجندات الاجانب والغرباء المشبوهة , والتي قد تلحق افدح الاضرار بالأغلبية والامة العراقية ؛ فلا ( حبا ولا كرامة ) , فالأمور تأخذ ب عواقبها , ومن لا يحسب عواقب الامور ولا يعرف مداخلها ومخارجها ؛ فهو اما احمق , او قليل الخبرة والمعرفة , او عديم الوعي والبصيرة ,  او امعة , او اناني انتهازي , او من صنف الهمج الرعاع الذين ينعقون مع كل ناعق , او عميل مرتزق او خائن ذليل … ؛ فقد يضطر المرء الحكيم  الى القبول بالسيء مخافة الاسوء , وقد يقبل المواطن الواعي بالواقع الاقل شرا وضررا لمعرفته بالبديل الاخطر … الخ … ؛ وهذا لا يعني عدم السعي للوصول الى الحالة الصحية والحكومة المثالية الا ان التغييرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الكبرى قد تحتاج الى عقود من الزمن- (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)) – ؛ وعليه قد تكون الحكومة الاقل فسادا والاكثر انجازا مقارنة بما قبلها ؛ هي الخطوة الاولى والمتعثرة  لبداية مشوار الالف ميل فيما بعد . 

فمن اولى اوليات المسؤول والسياسي الوطني والمواطن الواعي والغيور ؛ الحفاظ على الامن العام والسلم الاهلي والاستقرار وحماية المجتمع من الفتن والقلاقل والمؤامرات الخارجية والداخلية …  ؛ ومن الواضح ان الاعلام يمثل السلطة الرابعة ؛ والذي قد  يلعب دورا خطيرا في تأجيج الخلافات والخصومات والاضطرابات او صناعة النزاعات والمسرحيات والازمات او تغييب الحقائق وقلب الوقائع رأسا على عقب , وتزوير الاحداث والتلاعب بالمعلومات , والضحك على عقول المشاهدين والمستمعين ومحاولات التغرير بهم وخداعهم بشتى الطرق والسيناريوهات ؛ وصولا للأهداف المنكوسة والمشبوهة وتحقيقا للاجندات الخارجية التي قد تحرق الاخضر واليابس و تدع الديار بلاقع … ؛  وعليه لو خير السياسي الوطني والمواطن الواعي بين رفع شعار حرية الرأي والتعبير ؛ الذي قد يمرر من خلاله دعوات وافكار و اراء و اطروحات  تستهدف امن وسلامة المواطن و سيادة و وحدة وكرامة وعزة الوطن ؛ وبين مراقبة الاقلام المأجورة ورصد تحركات الفضائيات ومراكز الثقافة والاعلام والصحافة المشبوهة والمرتبطة بالدوائر المعادية والمخابرات الخارجية ؛ والمحافظة على الوطن والمواطن , فمما لاشك فيه انه سوف يختار الخيار الثاني , الى حين استتباب الامن والاستقرار وخلو الساحة من العملاء والمرتزقة والمخربين والمرتبطين بالدوائر الاجنبية المعادية .

وبعد السنوات العجاف المريرة , والعقود الثمانية السوداء الطويلة , وايام الجمر والنار المأساوية , وسياسات تكميم الافواه و وأد الحريات العامة والشخصية والمضايقات التي عاشها العراقيون في ظل الحكومات الهجينة والطائفية المتعاقبة – 1920 / 2003 – ؛ انعم الله على العراقيين بالتجربة الديمقراطية والعملية السياسية الجديدة والتي شابها الكثير من السلبيات والتحديات الداخلية والخارجية , وهي كأية مرحلة انتقالية في العالم , لابد من تعرضها للكثير من الصعاب والمطبات والاشكاليات والتحديات والمؤامرات , وفيها مارس العراقيون حقهم في التعبير عن آرائهم وعقائدهم وافكارهم , وفعلوا ما يحلوا لهم وما هم مقتنعين به , وأنشؤوا مئات الصحف والمجلات والمحطات الاذاعية والفضائيات ؛ فضلا عن الاف المواقع الالكترونية الاعلامية والثقافية ؛ وشكلوا مئات الاحزاب والتجمعات السياسية …  ؛ الا ان البعض تمادى في انتهاك الخصوصيات والتشهير بالحكومات والمسؤولين والشخصيات بحجة حرية الرأي والصحافة والاعلام , بينما ارتمى البعض الاخر في احضان اجهزة المخابرات الدولية والدوائر المشبوهة والجهات المعادية وراح ينفذ مخططات الاعداء ويعرقل مسيرة التجربة الديمقراطية ويمارس شتى الادوار السلبية للإخلال بالأمن والسلم الاهلي , والبعض الثالث امتهن الكذب والدجل والتدليس بصورة مبتذلة وحقيرة ؛ بذريعة نقل الاحداث او التحليل السياسي او العمل الاعلامي , اذ وصل الدجل الى درجة لا تقبل ولا تطاق , وبدأ المواطنون يشكون من تهويل الاعلاميين وكذب الصحفيين وسلبية وسوداوية المحللين وافتعال الفضائيات والمواقع الالكترونية في وسائل التواصل الاجتماعي للأكاذيب والمسرحيات واختلاق التهم والادعاءات ونشر الدعايات والاشاعات … الخ .

 نعم انتقد واعترض وعارض لكن من دون طائفية او عنصرية او تناحر او تنافر او عمالة او خيانة ؛ وبصدق وشرف وحيادية وموضوعية ؛ وليكن مبدأنا الاساسي في عراقنا الجديد  : خاصم واعترض وانتقد بشرف و صدق و وطنية وانسانية … ؛  فللعداوة والخصومة شرفا كما ان للصداقة والاخوة شرفا . 

و للبعض الحق في انتقاد الشخصيات والانظمة والحكومات والجماعات ؛ بشرط اتصاف النقد بالموضوعية والصدق والحيادية , وان يمتلك الناقد الادلة والمستندات والوثائق والمعلومات الحقيقية التي تؤيد دعواه , وان يندرج النقد  ضمن خانة الاصلاح  والمهنية والوطنية , وان يخرج من عباءة الدوائر الطائفية والعنصرية والارهابية والعميلة والفاسدة والمشبوهة … ؛ فالأحرار والاصلاء   يطمحون  في العراق الجديد الى الالتزام بمبدأ شرف الخصومة وصدق الكلمة , فللخصومة مواثيق شرف لا يعرفها إلا الفرسان وأصحاب القيم والأخلاق والوطنية والانسانية كما قيل , فإذا خاصمت فخاصم بشرف , اذ من العار ان تتدعي ان الشخص الذي قتل لأسباب جنائية , مات شهيدا في سبيل الاصلاح ومقارعة الفاسدين , او عندما يتعرض الشخص الفلاني لحادث سير عرضي , فتقوم ابواق الجهات المشبوهة بتهويل الحدث على انه حادثة اغتيال دبرت بليل , بل وصلت المهزلة الى ان من تشتكي عليه زوجته وتطالبه بالنفقة ويسجن بسبب الدعوى ؛  يستنجد بمنظمات حقوق الانسان والمجتمع المدني , مدعيا تعرضه للسجن بسبب حرية التعبير ونقد السلطات والشخصيات , او عندما يصدر القضاء العراقي حكما بحق هذا او ذاك ؛ تقوم الدنيا ولا تقعد , وتبدأ حملات التشكيك بدوافع القرار القضائي وبحجة الطائفية او الحرية او غيرهما ,  يعمل هؤلاء  المشبوهون والمنكوسون على تخليص المتهمين  والفاسدين والارهابيين والعملاء والمرتزقة من القصاص العادل …!! .

 فالبعض لا يميز بين الحرية المسؤولة  وحق التعبير وبين الاستهتار والانحطاط الاخلاقي ومخالفة القوانين والاعراف العامة … , اذ لا يكتفي بالإفك والافتراء  والدجل ؛ حتى يصل الى مرحلة شاذة تدفعه للاعتداء على رجال الامن والمسؤولين والممتلكات العامة , واغلبنا رأى بأم العين مشاهد الاعتداء على الشرطة ورمي القنابل الحارقة عليهم بحجة التظاهرات , او التجاوز على رجال الامن والقانون والمرور من قبل بعض الاعلاميات و الفاشينيستات ومشاهير مواقع التواصل الاجتماعي  … الخ   .

فمن غير المقبول ان يقوم البعض بالتدخل في الشؤون الخاصة او ان يتجسس على الناس او يقوم بتشويه سمعة الشخصيات , او ان ينعت الجماعات والاشخاص بأبشع الالفاظ والصفات وتلفيق الاتهامات الكيدية ضد هذا وذاك ؛ لأجل الابتزاز والمساومة او لتشويه سمعة العراق والاغلبية والامة العراقية … الخ ؛ بذريعة السلطة الرابعة وحرية التعبير والاعلام ؛ اذ يستخدم البعض الادوات الخبيثة والاساليب الهابطة للنيل من العراقيين الاصلاء ؛ والتي تتسبب بالإيذاء النفسي والضغط الاجتماعي , اذ يعمد بعض المحسوبين على السلطة الرابعة الى  بث الإشاعات وتشويه السمعة ، والحط من الكرامة وتوزيع الاتهامات جزافاً والترويج لها وغيرها من الاساليب الشوارعية المنحطة والتي تأنف منها النفوس الكريمة والضمائر الحية …؛ – والشيء بالشيء يذكر :  توفى الشاعر الشعبي علي الفريدواي متأثرا بالكلام الجارح الذي صدر بحقه من قبل المدعو احمد بشير في برنامجه ( البشير شو ) بحسب ما شهد به اهله والمقربون منه … والامثلة على ضحايا هذه الظاهرة الخطيرة ؛ كثيرة  –  ؛ بحيث اصبحت هذه الفضائيات والمواقع والبرامج  والصفحات ظاهرة مدمرة تهدد المجتمع العراقي والجماعات والشخصيات وتجر عليها الويلات … ؛  و إذا نظرنا الى واقعنا العراقي الحالي ؛ نلاحظ تزاحم  العداوات والخصومات فيه ، و نادراً ما نرى من يخاصم بشرف ونُبل ومروءة، فما إن  تبدأ الخصومة والمعارضة ؛ وتأخذ جذوة الخلاف في الاشتعال، حتى يكون الفُجر في الخصومة، والتجاوز على  الأعراض، واستباحة الكذب والبهتان، لإظهار قبح الآخرين… ؛  اذ ان عديمي الشرف والوطنية والانسانية غالبا ما يكونوا ألد الخصام في الخصومة , بحيث  يلفقون التهم الجزاف ويروجون الأكاذيب ولا يلتزمون بخلق ولا يفون بعهد ولا يؤمنون بمبدأ … ؛ فالفجور في الخصومة والتجرد من قيم نزاهة الاختلاف والمعارضة والتضليل والتدليس ؛ آفة بشرية تعتري كل إنسان يتخلى عن إنسانيته ويستسلم للغرائز الحيوانية والبدائية  في التشفي والانتقام والتسقيط … ؛  وهي آفة نفسية تعتري المصابين بنزعات السادية والتلذذ بإيذاء الآخرين … ؛ وجناية أخلاقية ودينية وإنسانية يرفضها الدين والقانون والأخلاق الإنسانية، وتمجها الأعراف الاجتماعية النبيلة.

فأن تم اهمال ملف تلك المنظمات والصفحات والفضائيات والشخصيات الاعلامية ومرتزقة المخابرات والسفارات  , وترك لهم الحبل على الغارب ؛ فأنهم سوف يقودون المجتمع والناس بل والحكومات احيانا نحو الهاوية … ؛ وأغلب الذين ينخرطون في الخصومات والمعارضات السياسية والاعلامية لا يدركون أنهم يدمرون ثقافتهم، ومجتمعاتهم، و يهددون النظام الديمقراطي الجديد ويمهدون الطريق لعودة الحكومات الطائفية والعنصرية والدموية والدكتاتورية ورجوع التنظيمات الحزبية الفاشية والغاشمة والمنكوسة … ؛ فهم ضحايا تأثير تلك الدوائر الاعلامية المشبوهة .   

لقد تجاوزات هذه البرامج والصفحات والفضائيات والشخصيات  وتلك السلوكيات الهابطة والتصرفات المنحطة كل الضوابط الاعلامية والقوانين الوضعية والقيم الاخلاقية والحدود المعقولة ؛ وبدأت تأخذ أشكالاً هستيرية متعددة , فالنقد الهدام والحملات المسعورة الصفراء طالت الشهداء وذوي الضحايا والرموز الدينية والوطنية والمقدسات , ولم يسلم احد من القذف والافتراء والشتم والاستهزاء والسخرية  والاتهام من دون دليل , والاستعانة بالأساليب الشيطانية واللاأخلاقية والتي يندى لها جبين الامة العراقية والانسانية … ؛ واصبح وجود هؤلاء المرضى في المجتمع يشكل خطرا كبيرا وشرا مستطيرا يهدد الامن والسلم بل والسيادة الوطنية احيانا .  

أحدث المقالات