في توطئة كتاب “اعتقال العقل المسلم” يتساءل مؤلفه الاستاذ نبيل هلال: (إن الراصد لواقع أمة المسلمين اليوم لا يعرف على وجه اليقين ما إذا كانت هذه الأمة جادة في البحث لها عن دور فاعل يخرج بها من صفوف دول العالم الثالث المتخلف المفعول به دائماً، أم أنها اكتفت بهذا الانكماش والانبطاح طوال هذه القرون. فليس يعد حكيماً من لم يكن لنفسه خصيماً وحسيباً، لذا آن أوان النظر في أحوالنا كي نعرف أين نحن من السبيل إلى استرداد الاعتبار بعد أن صرنا إلى ما نكره. ترى هل لم يبق لنا من أمل إلا في زمن آخر وعلى يد جيل آخر؟( منذ تشرذم الامة العربية والاسلامية وتفتيتها على يد الاعداء تارة، وعلى يد ابناءها تارة اخرى، لم تستطع امتنا مواكبة العصر ودول العالم الآخر والنهوض بمستوى واقعها الدولي والمحلّي سواء بمستوى التطور التكنولوجي او الاجتماعي او الثقافي او السياسي …الخ، نظرا للضغوط وحالة الاستبداد والتجبّر والتسلّط السياسي والثقافي والفكري التي مورست على الشعوب العربية والاسلامية من قبل رموزها وحكّامها، حتى صنّفت عالميا وسُمّيت بدول العالم الثالث، الى ان آل حالها وعُرِفت مع مرور الزمن بالخنوع والانبطاح. فلم يعد لها دور في العالم ولا اهميّة تُحسب بين الشعوب والامم المتقدمة. ويعزّي المؤلف اسباب هذا التأخّر وهوان ومذلّة امّة المسلمين، وعدم الاندهاش: الى ان اعداء الأمة عملوا واجتهدوا، بينما نحن تكاسلنا وتقاعسنا عن اداء دورنا المفترض بنا أدائه تجاه امتنا وانفسنا: (ولا يحق لنا أن نندهش ونتساءل عن سبب هوان المسلمين ومذلتهم، فذلك أمر حتمي يتيسر فهمه في ضوء السنن والنواميس. فأعداؤنا عملوا واجتهدوا ونحن تكاسلنا وتقاعسنا. هم صنعوا أسلحتهم التي يقهروننا بها، ولم نقو على صنع شئ – أي شئ – لا الطائرة أو السيارة أو المدفع. هم يحسنون استثمار أموالهم، ونحن نودع أموالنا في بنوكهم، فيستثمرونها في تنمية اقتصادىم وتعظيم قوتهم، ويصادرونها إن عصينا أوامرهم. حكمهم ديموقراطي ولا يقوى حاكمهم على نهب أموال العباد ولا يعلو على القانون، وملوك المسلمين ينهبون أموال بيت المال لأنهم السلاطين والمماليك، ويودعونها في بنوك سويسرا وأمريكا.(لابد لهذه الامة ان بقي في وعيها وضميرها بصيص من امل الحرية والتغيير ان تتمرّد على هذا الواقع المتأزّم على رؤساءها وملوكها ومستبدّيها بثورة سلميّة حرّة وان تُعيد حساباتها وتُحاسب نفسها اذا كانت تسعى فعلا للرفعة التي تُنشدها بدءاً من تطبيق مفاهيم الرقي الانساني، وانتهاءاً بأستعادة مبادءها وقيمها الاجتماعية بين الشعوب. الى ان تأخذ دورها الحضاري بين الامم والحضارات. فمامِن استبداد واستعباد اكثر وقعا على الامم والشعوب من استبداد وتفرّد الرؤساء والملوك بمقدّرات البلاد واموالها وتقييد حريّة شعوبها. وعلى الامة ان تسعى دائما الى النهوض من هذا الواقع وتتقدّم نحو البناء الحضاري.
فأمتنا لازالت تعيش في كثير من قيمها الاجتماعية والثقافية على كلاسيكيا التأريخ ، وكأن هذه الكلاسيكية هي زادنا الدائم الوحيد في نظرتنا الى التقدم والبناء، فالجميع يعلم ان من البديهيات التي لا تسوغ المماراة فيها أن النظرة إلى الحاضر لاتستقيم إلا باستقامة النظرة إلى الماضي، ووضع كل شيء منه في محلّه ونصابه السليم وإعطائه حكمه اللازم، ولكن لايعني هذا ان نبقى متمسكين بالماضي لمجرّد انه من موروثاتنا، فأمتنا لازلت بعيدة بأشواط كثيرة عن اللحاق بأقل الدول تطورا وتقدّما فضلا عن الدول الاولى المتقدمة والمتطورة فعليا. فملوك ورؤساء الامة يكنزون الاموال ويحاربون العلم والبحث والتطوّر وكأن مردوده ظررا على البلاد والعباد، بينما الدول المتقدمة ترصد الاموال الطائلة لتدعم العلم والعلماء والاختراع والابتكار بكل اشكاله وكيفما يكون فهو اساس تقدمها وتطورها ورقيّها الحصاري. فصعدوا الى الفضاء وصنعوا الصواريخ والطائرات …الخ. بينما نحن ملوكنا يكنزون الاموال في بنوك الخارج ولايهتمّون للعلم ولا للعلماء. (وصنعوا الصواريخ والأسلحة الفتاكة والأقمار الاصطناعية، ونحن بأموالنا الطائلة لا نمارس أي أنشطة بحثية جادة. وكأن البحث العلمي عبث والعلم نفسه ترف، فمازلنا نبحث في السماء عن هلال شهر رمضان بالأعين المجردة مثلما كان يفعل البدوي في البادية منذ 1400 سنة، ولا نثق في الحساب والعلم لتحديد أوائل الشهور القمرية، في حين أنهم صعدوا إلى القمر، وحددوا لسفينة الفضاء موضع هبوطها بدقة، فهبطت به ولم تتجاوزه. ومن بين علمائنا ووعاظنا المعاصرين من يتعجب مِمّن يقول بكروية الأرض، وينفى ذلك، بل يتندر عليه(.