تمر علينا هذه الايام الذكرى السنوية للأمر الكبير الذي اصدره السيد الشهيد محمد صادق الصدر في اقامة صلاة الجمعة في العراق .. .. حيث لم يكن امرا عاديا ان تقام صلاة شيعية في عراق الحديد والنار وبأمر مرجع ديني وفي محافظات العراق ..كان امرا اهتز له العراق كله وتعرضت الجمعة الى تحديين كبيرين ..
التحدي الاول انبثق من النجف من الاختلاف العلمائي بشروط اقامة الجمعة .. وصدمة الوسط الشعبي الشيعي عندما فتح عينية على عبادة اختلف العلماء منذ الغيبة الكبرى على اقامتها .. وتقام الان وفي مسجد الكوفة مركز الدولة العادلة .. فاختلف العلماء والعوام فيها ولكن المولى المقدس قد حولها الى ساحة تحدي كبيرة لكل المفاهيم اتلحوزوية الجامدة الكلاسيكية .. ولا نريد ان نخوض بهذا التحدي الذي قد يسحبنا الى ان نضع ايدينا على احد الاسباب التي استغلها النظام الطاغوتي لكي ينهي هذه الثورة ويغتال صاحبها … ولكننا نخوض بالتحدي الثاني وهو وجود سلطة طاغية ظالمة تحكم العراق بالحديد والنار كممت الافواه حاربت كل الشعائر الدينية وزجت بالآلاف في طوامير لاتدخلها ألشمس ولكنها صدمت بشخصية علمائية فريدة من نوعها صلبة صلابة مبادئ الحسين (ع) وجماهير جائعة كانت خلاصة حربين عبثيتين هوجاء .. وانتفاضة شعبية قمعت بالحديد والنار وامتلأ العراق بالدم .. فكانت عباءة تلك الشيبة البيضاء هي الخيمة التي ضمت هذه الاجيال لتنطلق بها الى رحاب الحرية والتحدي فكانت موجات من البشر بكل طبقاته تلبي النداء للحضور لتأدية تلك العبادة الجهادية ..
وأصبحت صلاة الجمعة سببا في ارجاع الاهتمام بالدين وتعاليمه الى واجهة شؤون المجتمع بعد ان غزا الغرب بأفكاره الهدامة المجتمع العراقي من خلال نظام علماني لايعطي للدين اهمية فأصبحت الظاهرة الدينية هي السمه الغالبة على كل الاحاديث والنقاشات في زوايا المجتمع وانتشرت الكتب الدينية والكاسيتات ودخلت توجيهات السيد الصدر الى البيوت
صلاة الجمعة استطاعت بفترتها القصيرة ان ترمم وتبني البنى الاخلاقية التي هدمها عمل حزبي مقيت طيلة عقدين من الزمن ولو قارنا ما تأثير هذه الصلاة في الواقع الميداني لوجدنا ان جميع الجرائم الاخلاقية قد حسر ت في فترة اقامة هذه الصلاة .. بل وتركت الكثير من الاعمال المشبوهة والتي كانت تمارس لان السيد الصدر قد اوضح حرمتها ..
صلاة الجمعة اصبحت انتماءا دينيا بعيدا عن الانتماء السياسي للأحزاب والأجندات الخارجية التي تتمتع بها الاحزاب السرية في ذلك الوقت .. وأصبح متنفسا للتعبير عن الانتماء دون خوف او وجل.. وقد تحولت الجمعة الى ساحة تحدي كبيرة من خلال الاساليب التي انتهجها السيد الصدر في عملية سحب الجماهير الى الحوزة والمذهب .. فكانت الهتافات والمطالب الشعبية هي ذلك الصوت الذي كان جديدا في تحدي النظام وأركانه فكانت الجمعة اول فرصة فتحت للشعب العراقي ا لكي يصرخ ويعبر عن نفسه .. قبل ان تدخل علينا الوسائل الديمقراطية الغربية .. وقد اوصل صوته من خلال هذه العبادة الى السلطة دون الحاجة الى استخدام العنف او التملق
زادت من التلاحم الوطني والديني بين المذاهب الاسلامية في العراق .. بحيث ان صلاة الجمعة اعطت الطمأنينة للمذاهب الاخرى ..وأوضحت الخطوط العامة للمذهب الشيعي بأخلاقه وتوجهاته وروعته . وبهذا اسقطت ثقافة التحريض على هذا المذهب الجليل من قبل السلطة الغاشمة.. وقد اقيمت بعض الجمع في بعض المحافظات مشتركة بين ابناء الدين الواحد .. وهذا الذي ارعب النظام واسقط حجيته بزرع الفتنة بين ابناء الشعب العراقي
قامت صلاة الجمعة بتكوين قاعدة جديدة من الشباب المتحمس للدين .. وبذلك وفر مدد الاستمرار بالكفاح الديني بعد ان كاد ينضب هذا الكفاح من خلال تعب الجيل الديني القديم.. وزرع روح التضحية والفداء من اجل المبادىء والقيم .. وانتجت جيلا ثوريا عملاقا رفض الاحتلال والباطل وقدم الارواح من اجلها
من ابرز علامات صلاة الجمعة انها اعادت قيمة المرجعية الدينية بعد عقود من انعزالها واعتكافها وعدم تصديها لقيادة المجتمع ولشؤونه الفكرية والروحية والاجتماعية….
ساهمت في اعلاء وتبيان حقائق الشيعة قي ظل اعلام طائفي حاول ان يزيل الوجود الشيعي والثقافة الشيعية من الوجود.. واعطت الصورة الحقة لهذا المذهب الجليل الذي يفتح ذراعية لكل الاخوة في الدين الواحد والاديان الاخرى .. ولا يؤمن بعملية التهميش والاقصاء والتكفير والإرهاب
عرفت المجتمع العراقي بحقائق الولاية لأهل البيت بعد ان كان المجتمع الشيعي لايفهمها ولا يتعامل معها كتكليف الهي دقيق يدخل في مشاعرنا وبتحديد صفة مرجعيتنا.. وزاد الاندفاع للإطلاع على تاريخ المعصومين وإحياء مناسباتهم .. ونجعلهم منهلا للعطاء اخلاقا وابداعا وعلما ..
ان صلاة الجمعة التي اقيمت في العراق كان واحدة من ابرز حالات التحدي الجماهيري الكبير بوجه الطاغية وكانت اسفينا كبيرا عزل الجماهير الشعبية بكل طبقاتها عن النظام بكل ادواته .. وهكذا كانت القشة التي كسرت ظهر الطاغوت وأسقطته ..
ان صلاة الجمعة التي ادارها وتصدى لها المولى محمد الصدر تحتاج الى الفقه الشيعي وهي تأكيد على انها صلاة امة وإمام …. فيما تفتقد كل الصلوات في الوقت الحاضر لهذا الوصف فهي صلاة امة لانها تقبل تقارب المسافات فلا تقبل بتمزيق الجماعة المؤمنه الى جماعات بل كانت وحدة موحدة …. وحدها صلاة محمد الصدر وفق المذهب الشيعي تستطيع ان تظهر امة في صلاة
وهي تحتاج الى امام فلايمكن لها ان تقوم بأهواء ائمة متفرقون تحركهم حكومات و تعليمات .. لابد من امام عادل ليس شرطا ان يكون هذا الامام حاكما المهم ان يكون ممسكا بدينه وممسكا بالصلاة
لهذا السبب وحده نجحت صلاة الجمعة تحت ظل محمد الصدر فيما لم تنجح في اي مكان اخر
ويبقى ان اقول ان صلاة الجمعة التي اقامها محمد الصدر كانت تحمل روح كربلاء ودماء الحسين وهي وحدها القادرة على ان تتحدى جماهيرها كل جيوش العالم بدون سلاح وكل طغيان وغرور وعنجهية وتكبر تصاب به اي دولة او قوة لامتلاكها الوسائل المادية والأسلحة والأموال
ولهذا اوصانا ولينا المقدس ان لانترك صلاة الجمعة لانها الوسيلة الاطهر والأكمل والأفضل والأقوى ولها بركات الهية انعم الله عزل وجل على من يقيمها ويحضرها .