19 ديسمبر، 2024 2:19 ص

العراق فوق صفيح ساخن – الجزء الاول

العراق فوق صفيح ساخن – الجزء الاول

بالرغم من الانتصارات الواضحة بفضل التضحيات الجسيمة لقواتنا المسلحة البطلة والحشد الشعبي وقرب حلول الهزيمة لداعش المجرمة ومن يقف خلفها لازال الوضع السياسي ومستقبل العراق بوجه عام يكتنفه الغموض وعدم الوضوح , ومن خلال قراءة الاحداث منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة التي تمت بموجب اتفاقية سايكس- بيكو وما تلاها من معطيات وطنية وأهمها ثورة العشرين والتي ساهمت في تأسيس الملكية في العراق نرى أن الوضع العراقي كما هو حال الدول المهة الاخرى يخضع للارادات الاقليمية والدولية بجانب الارادة الوطنية لكننا وقبل أن نضع في أية دراسة أو تحليل حالة العراق فاننا يجب أن نضع العاملين الدولي والاقليمي المؤثرين أولا قبل الحديث عن ارادة الشعب واختياراته الوطنية بسبب عدم وجود خط وطني موحد فاعل جامع للعراقيين خصوصا بعد التجربة السياسية التي جرت بعد 2003 والتي قامت على اسس طائفية وعرقية وهذا ما سوف نتطرق اليه في الجزء الثاني.

لست ميالا للحديث عن الجوانب الروحية والاهمية التاريخية للعراق وأهله رغم أنها مهمة لكنني سوف أتحدث عن المعطيات المادية وعوامل الجغرافية فالعراق يقع في قلب العالم وفي أرضه الخيرات والمياه والسهول وتحتها أكبر احتياطيات العالم من النفط ويطل موقعه على دول تمتلك المخزونات الاخرى من النفط وفيه شعب يتكاثر بطريقة انفجارية ويفكر أبناءه بعقلية الماضي في الكرم والفروسية والبطولات والثأر والروح القبلية والقومية والتعصب الديني وتكفير الاخر وكل ذلك بسبب الموروث الفكري ومناهج التعليم الرسمي القومي التي وضع اسسها ساطع الحصري ( وهو شخص غير عراقي) أو بسبب المجالس الدينية -والتي تكاد تكون يومية – لدى الشيعة و في خطب الجمعة لدى السنة بينما غابت التربية الوطنية التي تتحدث عن العراق وأرضه وشعبه متعدد الاعراق والاثنيات. ومن الادلة على ذلك وبالرغم من أن عددأ من اليهود العراقيين كان لهم دورا مشهودا في بناء الدولة العراقية الحديثة الا أن ذلك لم يمنع استفحال الكراهية لليهود -خاصة بعد قيام دولة اسرائيل -وتسليبهم وتهجيرهم أو استضعاف المسيحيين والطوائف الاخرى التي تجد نفسها مضطرة لمسايرة المسلمين والخضوع لاراداتهم.

وهنا ولكي نكون منصفين فأن المغفور له جلالة الملك فيصل الاول مؤسس الدولة العراقية الحديثة ورغم أنه كان قومي التوجه وسني المذهب لكنه كان حريصا على العدل في اقامة التوازن المجتمعي في ادارة الدولة وسعى بكل قوة الى اشراك الشيعة في السلطة بعدما قاطعها الشيعة بفعل فتاوى المرجعيات الدينية الشيعية ورغم أنه وجد -وقبل اعتلاءه لعرش العراق – حكومة كان يقودها رجل دين سني متعصب لمذهبه -كأي رجل دين آخر وخاض معه صراعا مريرا قبل أن يتمكن من تنحيته – فقد أثمر هذا الجهد للملك المؤسس في أن يتمكن رجال من الشيعة من الوصول الى كرسي رئاسة الوزراء والبرلمان ولمرات عدة في فترات لاحقة.

بعد تموز 1958 ظهر صراع مناطقي أكثر مما هو طائفي على السلطة لان قطبي الصراع قاسم وعارف كانا من الطائفة السنية الا ان الصراع أصبح ذو بعد طائفي حيث كان قاسم يمثل ارادة أهل الجنوب الفقراء وجلهم من الشيعة بينما اصطفت القوى القومية مع عارف ورغم ذلك تعرض قاسم الى مجافاة مرجعية النجف وعداء االقيادة الكردية فانتجت تلك الظروف اتفاقا بين الكرد وبعض القوى الشيعية ضد قاسم والحكومات اللاحقة بعده يحظى بالدعم الايراني دائما– وهذا ما سوف نرى أثره لاحقا- مما تسبب في ظهور الصراع الطائفي والقومي بشكل علني من جديد بعدما تمكنت الدولة الملكية من القضاء على هذه الصراعات التي عصفت بالمجتمع منذ سقوط الدولة العباسية وحتى سقوط الدولة العثمانية.

لقد أدى الصراع القومي الى مواجهات دامية في شمال العراق تم القضاء عليها بفعل اتفاقية آذار 1975 وتسبب الصراع الطائفي في حرب طاحنة بين العراق المدعوم سنيا وايران الثورة الشيعية

الطامحة لابتلاع العراق ودول الخليج تحت يافطة تصدير الثورة وقد أسهمت هذه الحروب في تمزيق النسيج الوطني العراقي الذي لم يكن له حضور رسمي الا في تمثيل خجول وشعارات وأناشيد وطنية ووجدت القيادات الشيعية نفسها في الخندق الايراني ثم التحول ومعها القيادات الكردية الى حليف للامريكان في سعيهم لاسقاط صدام الذي أصبح مصدرتهديد للسلم والامن الدوليين بعد حماقته في غزو الكويت عام 1990 وخروجه منها مذموما مدحورا بعد ستة أشهر وماتبع ذلك من عنف طائفي وقمع للانتفاضة الشعبانية في اذار 1991.

لقد كان للتحالف الشيعي الكردي المدعوم من قبل أمريكا والكويت وايران الدور الاكبر في صياغة النظام السياسي بعد اسقاط صدام عام 2003 وكان مشروع الفدرالية والتقسيم الطائفي الذي تبناه المجلس الاعلى وحلفاؤه من الجانب الشيعي هدفا لهذا التحالف الذي أقصى السنة تماما بفعل قرارات قاسية مثل حل الجيش العراقي واصدار قانون اجتثاث البعث ومطاردة الشخصيات العراقية والعلماء والكفاءات كما جرت محاولات خجولة من دول الاقليم السني للحصول على موطئ قدم لها في هذا النظام وبعد فشلها تحولت هذه الدول الى داعم للقوى المسلحة التي فتكت بأرواح العراقيين بالمفخخات والقتل الممنهج وكل ما تقدم تسبب في حرب طائفية لم تجرؤ النخب العراقية للحديث عنها بوضوح ولولا موقف مرجعية النجف الدينية ممثلة بشخص الامام السيستاني وفتاواه التي كبحت رغبة القتل والاقصاء اضافة لتواجد القوات الامريكية لشهد العراق ما هو أسوأ مما حصل خصوصا بعد تفجير مرقد الامامين العسكريين عليهما السلام في سامراء عام 2006.

في اوائل العام 2007ارسلت امريكا اكثر من 35 الف جندي الى العراق وشرعت بتشكيل الصحوات في المناطق الساخنة و شهدت السنوات اللاحقة هدوءا نسبيا للصراع الطائفي السياسي رغم استمرار الاعمال الاجرامية الانتحارية التي تقوم بها القاعدة والتي كانت تحصد أرواح الابرياء وخصوصا في المناطق الشيعية والتي تساهم بلا شك في زيادة الانقسامات الطائفية في المجتمع.

ان صعود المالكي لولاية ثانية عام 2010 بفعل قرار للمحكمة الاتحادية بعدما فازت القائمة الوطنية المدعومة من قبل دول الاقليم السني بالانتخابات تمثل بداية النهاية الحقيقية لما تبقى من مقومات الوحدة الوطنية وتحول العراق الى ساحة صراع طائفي مكشوف اذ أسهمت سياسة الاقصاء والاستعداء واستغلال الاموال والميزانيات الضخمة لشراء الموالاة في تعميق الصراع وقد عبر السيد المالكي بشكل صريح عن توجه طائفي بوصف نفسه بقائد معسكر الحسين مقابل معسكر يزيد الذي يمثل المخالفين له وهو الذي زج الجيش في حرب الانبار في حماقة يدفع العراق ثمنها الى الان وتسبب في هزيمته في الموصل وتكريت وحدوث جريمة سبايكر ببعدها الطائفي المقيت اضافة الى فشله الذريع في ادارة الدولة وثرواتها كما ساهمت سياساته المتناقضة مع القيادات الكردية الى احداث شرخ كبير استفاد منه الكرد لتعزيز مواقعهم على الارض والاستيلاء على النفط في كركوك بشكل كامل ولولا ارادة المرجعية الدينية الرشيدة في منع الولاية الثالثة لضاع العراق فعلا في خضم هذه الاحداث بعدما استطاعت قوى الكفر والضلالة الدواعش من محاصرة بغداد من اطرافها اثر انهيار الجيش والقوات النظامية بسبب الفساد الذي نما وتكاثر في ظل الولايتين وهذا ما تحدث عنه بوضوح رئيس الوزراء الحالي والدكتور الشهرستاني نائب رئيس الوزراء والوزير محمد علاوي في لقاءات مسجلة.

في الجزء الثاني سوف نتحدث ووفق هذه المعطيات عن رؤيتنا للحاضر والمستقبل في ظل الارادات الاقليمية والدولية.

أحدث المقالات

أحدث المقالات