18 ديسمبر، 2024 8:08 م
الرواية هي جنس سردي أدبي حديث، وهي اكبر الأجناس القصصية من حيث الحجم وتعدد الشخصيات وتنوع الأحداث، وقد ظهرت في أوروبا خلال القرن الثامن عشر، وهي حكاية تعتمد السرد بما فيه من وصف وحوار وصراع بين الشخصيات التي تضمها.
وارتبط ظهورها وازدهارها بشكل رئيسي بالطبقة البرجوازية التي كانت تسكن الحواضر و تعبر عن معاناة الناس في المجتمع الصناعي الجديد لا سيما طبقتي العمال والفلاحين في ظل الاستغلال الذي كان الكثير منهم يتعرضون له والحياة الجديدة التي عاشوها.
وقد برزت اسماء لامعة في هذا المجال كالروسي فيودور دوستويفسكي والفرنسي فيكتور هيجو والانجليزي وليام شكسبير وغيرهم، وعبرت أعمالهم عن واقع الناس بمختلف شرائحهم من مشاكل الطبقات الارستقراطية إلى هموم ومعاناة المهمشين في تلك المجتمعات، وفي تلك المرحلة كانت المجتمعات قد تحررت لتوها من اغلال الكنيسة وتصاعد وعي الناس في بالديمقراطية والعلمانية.
ولم يختلف الحال كثيرا لدى العرب الذين نضجت لديهم الرواية لاحقاً وظهر عندهم الكثير من الكتاب المهمين خلال القرن العشرين وكان من ابرزهم طه حسين والطيب صالح وتوفيق الحكيم والطاهر وطار وحنا مينا وغيرهم الكثير ممن لا يتسع المجال لذكرهم هنا، وعبرت رواياتهم عن واقع الإنساني العربي الجديد الراغب بالتحرر من الاستعمار ومن الانظمة الاستبدادية، ولم تظهر لدى أحدهم نزعة لكتابة عمل روائي ديني لانهم ببساطة ليسوا رجال دين، بل فنانون وادباء ومهمة الأديب والفنان تختلف بطبيعة الحال عن مهمة رجل الدين.
وهناك أنواع مختلفة للروايات مثل القوطية، و التاريخية، و الاجتماعية، والبوليسية والاخلاقية ، ولعل هناك التباسا وقع فيه الكثيرين ممن حاولوا كتابة روايات أخلاقية لكنها في الحقيقة مؤطرة بأطر طائفية وعقائدية معينة.
ان الروايات الدينية كما هو معلوم هي روايات ذات طابع ديني أو هي تلك التي تتحدّث عن الأديان والعقائد والإيمان، ولكن من نتحدث عنها هنا في هذا المقال هي ذلك النوع الجديد الذي يحاول ان يروج للافكار الدينية الخاصة بطوائف واديان معينة، او يحاول جر الرواية إلى دائرة الوعظ الديني والارشاد التربوي لذا نفضل ان نطلق عليها اسم (الروايات الوعظية) !.
ان من يقومون بهذه الأعمال يشوهون من حيث يعلمون او لا يعلمون هذا الجنس الادبي المهم، ذلك انهم لا يدركون الاختلاف الشاسع بين المجالين وإلى اي منزلق ينحدرون، فالوعظ هو من اختصاص رجال الدين والتربويين، وقد اثبت علماء النفس والاجتماع انه اسلوب فاشل لا يجدي نفعا مع الناس الذين ينظرون لسلوك الآخرين أكثر مما ينظرون إلى مواعظهم !.
ان الرواية هي عمل فني، ينطلق فيها الكاتب بما يشبه الرحلة المجهولة، فهو أقرب ما يكون الى البحار الذي يمضي لهدف ما لكن لا يعلم أن ستأخذه الأمواج العاتية والتيارات الجارفة وعلى أي جزر وشواطئ سترسي سفينته، وفي أي ميناء ستنتهي حكايته، وهذا الاضطراب والقلق يخالف تماما عقلية رجل الدين الهادئ المطمئن الواثق من افكاره ومعتقداته، وما اعظم الفرق بين الطرفين.
ان محاولة رجل دين او انسان متدين بشكل تقليدي كتابة رواية ادبية هو محاولة مكتوب عليها الفاشل المحتم، حيث سيسقط في فخ الوعظ وسيكون هذا العمل اشبه بحكاية بدائية يضع الروائي نهايتها المحتومة أمامه مقدماً ولا يترك لشخوصها فرصة اكتشاف ذواتهم ولا تحديد مصائرهم، كأنه في ذلك كالحاكم المستبد الذي يريد أن يسير كل حركات واعمال شعبه وفق اهوائه ومزاجه وهيهات ان يتم له ذلك.