في خطابه الأسبوعي الذي تصادف مع الذكرى الحادية عشر للغزو الأمريكي للعراق في 9-نيسان 2014 وبعد مضي حوالي أربعة اشهر على ازمة الانبار التي توعد المالكي للقضاء على بؤر الإرهاب فيها بأسبوع لكنها تشعبت وطالت بشكل خالف كل توقعاته وتعهداتههو وقادته العسكريون ، بدا رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة مصرا على المضي في الازمة ابعد مما هي عليه الان مضغوطا باقتراب موعد الانتخابات مع وضع عسكري متأرجح بين المسلحين وبين القوات المسلحة في مناطق الشروع متوسعا بشكل كبير الى بؤر متنقلة حول وفي جوار العاصمة واستهداف مطارها الرئيس متوجسا بنفس الوقت من تكرار سيناريوا تجفيف روافد الأنهار بأغلاق السدود او الإغراق بأطلاق فتحها لإظهار عجز الحكومة والتأثير مباشرة في بيئتها الانتخابية التي تهتم لها كثرا الان وهي عاقدة العزم بلا هوادة على اللعب بكل الأوراق من اجل البقاء في كرسي رئاسة الحكومة ولاية ثالثة وباي ثمن .
يقول المالكي (حان الوقت لأن تحسم قضية الفلوجة وتحرر المياه، وليعلم العالم أجمع ومجلس الأمن والأمم المتحدة وكل المعنيين بهذا الموضوع أن القضية أصبحت أخطر من أن نتحملها وسنتحمل المسؤولية برفع الظلم والتجاوز على حياة العراقيين ) وهو هنا يبدو مصرا على اقتحام الفلوجة مهما كانت العواقب واعتقد بالنسبة له انه لم يعد يملك خيارا اخر وهو يرى ان جيشه يدخل في حرب استنزاف لأطول مما خطط لها ،حرب تعدى تأثيرها معنويات القوات المسلحة الى معنويات البيئات الانتخابية له ولقائمته تلك البيئة التي يستثمر فيها خصومه زجه للقوات المسلحة والدولة في مواجهة غير مدروسة من حيث المقدمات والنتائج والفترة الزمنية وارتفاع معدلات الخسائر المادية وحسابات الاكفان المجللة بالأعلام في طريقها الى مدافن النجف ، ويضيف (كنا نريد أن نتحاشى أي عملية إضرار أو هدم للبيوت من المواجهات لأن المواجهات لا ترحم، ولكنهم أخرجوا جميع أبناء الفلوجة إلا القتلة وعوائل القتلة وارتكبوا هذه الحماقة، ونقول بصراحة كفى صبرا على هؤلاء المجرمين ولن نسمح بأن تقطع المياه ) وهنا يبدو واضحا ان رئيس الحكومة يهدد بعمليات ارض محروقة تستخدم فيها اليد لثقيلة للقوات المسلحة دون أي حساب لأن تكون هناك عوائل بريئة لم تكن تملك خيارا اخر غير الاستسلام لقدر البقاء في منازلها ولو تحت سلطان عصابات مسلحة او متطرفة طالما ان ذلك يبقيها تحت سقف بدل التشرد في العراء ، بل وحتى فات كاتب الخطاب وقارئه ان عوائل من يعمم انهم جميعا من المجرمين لابد وان تكون غالبيتها اما أطفالا او نساء او شيوخ لا يملكون أيضا خيارا اخر في رفض خيارات المجرمين في البقاء دروعا بشرية في المدينة وهو الامر الذي لو حدث سيقود بلا ادنى شك الى تمرد سني عام او تعزيز تمرد سني قائم فعلا يفسره اتساع رقعة المعارك بشكل لا يتناسب وحجم وعدد القوة المقدرة لتعداد افراد داعش في العراق ، بالرغم من ان حكومة الانبار المحلية وثلث وجهائها وشيوخها لايزالون يقاتلون الى جانب الحكومة كل على ليلى معينة .
مرة أخرى اريد ان ذكر هنا ان الاعتصامات السنية وما رافقها من صعود شعارات وشيوخ تطرف كانت أكبر أخطاء السنة على الاطلاق لأنها زادت في الانقسام السني اكثر مما كان عليه اضعافا مضاعفة ، وساهمت أيضا في زيادة الأسباب التي خرج الحرك لأجل التنديد بها او الخلاص منها اذا ازدادت الاعتقالات والاغتيالات في البيئة للسنية التي خسرت رموزا مهمة من خيار قادة المجتمع فيها بأضعاف مضاعفة أيضا ، ولعل من اكبر الاثار السيئة التي ترتبت على الحراك والاعتصامات انها عززت الشرخ الطائفي في العراق بشكل لافت بنفس الوقت الذي غل يد معارضة نوعية حقيقية كانت ستضغط على المالكي وتبدد أحلامه في الولاية لثالثة اكثر بكثير مما كان سيفعل ذلك الحراك السني واعني بذلك معارضة القوى السياسية والمرجعية الشيعية للسيد المالكي وخاصة التيار الصدري والمجلس الأعلى والجلبي بدل ان يستثمر المالكي شعارات الحراك المتطرفة لتحييد هذه لمعارضة في شارعها الشيعي والانفراد اكثر واكثر في قرارات الحكومة والتحالف الوطني الوجه السياسي للطائفة الذي اعطى المالكي كرسي رئاسة الحكومة ، لكن بالرغم من كل ذلك يبقى قرار الحكومة برفع خيم الاعتصامات بالقوة العسكرية هو اكبر أخطاء حكومة السيد المالكي بلا منازع واكبر مقدمات صناعة الازمة من حيث انها حولت الجزء الأكبر من شباب وقادة لحراك الذي التزموا بمسارات ديمقراطية مدنية سلمية الى مشاريع مسلحين او متطرفين ان لم يكن بقصد الدفاع عن القضية فبقصد الدفاع عن النفس من مصير مشابه لمصير نائب محصن مثل الدكتور احمد العلواني .
وعلى حد قراءتي ومراقبتي للأحداث على الأرض لا يبدو ان المسلحين او بعضهم قلقون من اقتحام الجيش لمدينة الفلوجة او افراطه في استخدام القوة بقدر ما يبدو انهم هم من يصنع الأسباب والمبررات لدفع القطعات والقيادة العامة لارتكاب هذه الخطوة لما تعطيه لهم من زخم عملياتي أوسع لصالح عملياتهم واظهار الحكومة بمظهر غير المكترثبأمن وسلامة المدنيين(السنة) داخل وخارج الانبار والفلوجة وبالتالي زيادة نسبة الملتحقين منهم بهذا التمرد كأخر طوق نجاة لمتمردين او مسلحين يعرفون انهم لم تعد لهم اية فرصة للنجاة من المالكي وانصاره المحليين بغير الاستمرار في القتال وتوسيع دائرته في كل الاتجاهات مالم تبادر اطراف لها وزنها الحقيقي في الوصول الى تسوية مضمونة .
امام كارثة وطنية قادمة لامحالة ببقاء الصراع في هذه الدائرة لم يعد من المجدي التذكير ان الجيش العراقي لن ينتصر في حرب مدن ابدا خاصة في ارث تراكمي معنوي مثل الفلوجة وبقية المناطق الساخنة بعد احد عشر عاما من تجربة الحلول العسكرية حتى لو اقتحم الجيش المدينة وحولها كلها الى ركام ولو كان مقدرا للجيش لعراقي النجاح لنجح الجيش الأمريكي الأكبر في العالم والمسنود بائتلاف دولي من الأكبر في التأريخ او لنجح الجيش السوري الذي هو بموازين القوى ولحسابات العسكرية اقوى من الجيش العراقي الحالي بنسبة لا تقارن على مستوى التدريب والتجهيز والقيادة .
اكثر الأمور مأساوية في هذه الازمة ان اغلب الأطراف العراقية القائدة للعملية السياسية تقف على نفس خط العداء الذي تقف عليه القاعدة وداعش والمسلحين لرئيس حكومة العراق نوري المالكي وان اغلب هذه القوى تتمنى ان الا يربح المالكي حربه هذه لئلا يتكرس زعيما للأغلبية الطائفية في العراق لتعيد فرضه رئيسا للحكومة رغم كل ما اكتنف ولايته الثانية من فشل او افشال ، لكن هذه القيادات للأسف لا تستطيع ان تستعين بالدرس السوري لتعرف ان هذا الصراع يتطلب عقودا لكي يُحسم ، وأن حسم فانه سوف يحسم بلا منتصر وانها لن تكون بمنأى عن تداعيات هذا الصراع لو توسعت حلقاته اكثر بقليل مما هي عليه الان ، لذلك فان الجلوس في مقاعد المشجعين او المتفرجين او حتى لقيام بمبادرات فردية من باب اسقاط الفرض واخلاء ساحة المسؤولية او حسن النوايا ليست كافية ابدا لإنقاذ العراق وأبناء قواته المسلحة وأبناء شعبه من كارثة بدت حلقاتها تستحكم بشكل يراه حتى العميان .
من تجربتي الشخصية مع السيد المالكي وقبيل أيام من اقتحام ساحة اعتصام الحويجة من قبل الجيش العراقي وقوات سوات التي تصادف الذكرى السنوية لأولى لها هذه الايام اذكر اني عرضت على دولته في حينها ان يتخلى عن كل الازمة ويحيلها الى القيادات الشريكة في العملية السياسية من الخصوم والأصدقاء واسميتها له بالاسم فجاءت موافقته سريعة وبلا تردد ( اعمل على ذلك وسوف ادعمك ) الامر الذي خولني فورا الاتصال بنواب كركوك جميعا الذين كانوا في ساحة الاعتصام بحثا عن مخرج من ازمة اقتحام عسكري وشيكة وبقائد عمليات دجلة الفريق عبد الأمير الزيدي لإيقاف الاقتحام الذين كان مقررا قبل وقوع كارثة لاقتحام بحوالي أربعة او خمسة أيام وحين عطلت الاقتحام لحين ان يصل امر القائد العام ، اتصلت بقائد القوات البرية الفريق علي غيدان وطلبت منه بأمر القائد العام للقوات المسلحة ان يظهر على قناة الشرقية التي كانت تبث عواجل اقتراب ساعة الاقتحام ليعلن رفض القائد العام لقرار الاقتحام وايعازه بمشاركة القوات المسلحة للمعتصمين بأرزاقها واغطيتها بعد ان نسقت له هذا الظهور بالاتفاق مع الأستاذ سعد البزاز ، لكن إصرار الوزير سعدون الدليمي على الاقتحام حفاظا على هيبة القوات المسلحة !! وتلقين المحتجين درسا سوف تتلقفه كل الساحات وتتبخر ودخول صالح المطلك ومحمد تميم على خط الازمة وتحفيزهم لقرار ضرب الساحة تفاديا لأية محاولة استثمار انتخابي لصالح متحدون التي كان لها القدح المعلى في قيادة الساحات على مشارف انتخابات مجالس المحافظات !!! ساهم في ان ينفذ قرار ضرب الساحة بحضور شرفي للوزير محمد تميم لها فجر 32/4 من العام لماضي كما أتذكر.
هنا اسأل بأمانة من الذي يمنع السادة فخامة الرئيس مسعود بارزاني الذي تستضيف عاصمة اقليمه كل القيادات المؤثرة في الحراك (المسلح) غير تلك لتي ترتبط بتنظيم القاعدة مباشرة وسماحة السيد عمار الحكيم وسماحة السيد مقتدى الصدر ودولة الرئيسين اياد علاوي واسامة النجيفي من اعلان مبادرة أخيرة لحل ازمة الانبار تستجلي مواقف واراء طرفيها بشكل وضح وجلي وتعلن هدنة عسكرية ولو من طرف الجيش فقط لفترة محدودة فان رفضها المالكي فيعلن كل أطراف هذه المبادرة انه قد نقلب على الدستور والعملية لسياسية ومضى لإعلان الحرب ( داخليا ) خلافا لما ينص عليه الدستور ، اما اذا رفضها من يسمون انفسهم بالمجلس العسكري او الثوار غير المرتبطين بالقاعدة وداعش او لم يستطيعوا ان يعزلوا انفسهم بشكل واضح وجلي عن داعش وعملياتها فتعلن هذه القيادات مجتمعة او بالأغلبية انها تدعم عمليات عسكرية واسعة لتحرير الفلوجة الانبار والسدود والمدن الأخرى من سيطرة المجاميع الإرهابية وتوعز لنوابها بإعلان الحرب وفقا الدستور لكي يعرف الشعب العراقي ان يقف من هذه الكارثة قبل ان تغرق البلاد كلها في حرب اهلية لا تبقي ولا تذر .