أعلنت منظمة العفو الدولية في تقريرها الصادر بتاريخ 1 شباط/فبراير 2022، أن دولة إسرائيل تمارس نظام الفصل العنصري ضد السكان الأصليين الفلسطينيين .
ويعتبر الفصل العنصري انتهاكاً للقانون الدولي العام، وانتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان التي تحظى بالحماية الدولية، وجريمةً ضد الإنسانية بموجب القانون الجنائي الدولي.
جدار الفصل العنصري
في عام 2002، شرعت حكومة أرئيل شارون في بناء جدار عازل في الضفة الغربية قرب الخط الأخضر لمنع دخول الفلسطينيي إلى إسرائيل .
يبلغ طول الجدار العنصري حوالي 770 كم، وقد تم بناء ما يقارب 406 كم منه، وجاري العمل على استكماله . وتستولي السلطات الإسرائيلية من خلال الجدار الشرقي على منطقة الأغوار والتي تعتبر سلة فلسطين الغذائية والمصدر الرئيسي للغذاء للشعب الفلسطيني .
وفي 9 يوليو/تموز 2004، أفتت محكمة العدل الدولية في لاهاي بعدم قانونية جدار العزل هذا، وطالبت إسرائيل بوقف البناء فيه.
التفرقة العنصرية
يقول البروفيسور جون دوجارد “وهو خبير قانوني جنوب إفريقي والمقرر الخاص السابق لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة”
عندما زرت إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة لأول مرة، صعقت لما رأيته من تشابه بين نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وممارسات وسياسات إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة .
وكذلك عمليات هدم المنازل التي ذكرتني بهدم المنازل في مناطق السكان الأفارقة السود الواقعة بالقرب من المناطق التي يقطنها البيض .
بربارا هوجن السجينة السابقة ووزيرة الصحة في حكومة جنوب أفريقيا ، أصيبت بالذهول عندما رأت في الضفة الغربية وجود طرق منفصلة للمستوطنين والفلسطينيين، فضلا عن حاجة الأخيرين للحصول على تصاريح . وهو ما ذكّرها بنظام المرور الخاص بالسود في حكومة البيض في جنوب افريقيا .
وهكذا يتضح أن الاجراءات إلاسرائيلية تشبه إلى حد كبير نظام الفصل العنصري “الأبارتايد” في جنوب إفريقيا .
في عام 2017 صدر تقرير من (الإسكوا) اللجنة الاجتماعية والاقتصادية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة ، يؤكد فيه على وفق تحقيق علمي وأدلة غير مشكوك فيها أن دولة الاحتلال الإسرائيلي “مذنبة بجريمة الأبارتايد” كالتي كانت في جنوب أفريقيا .
وقال تامير باردو، رئيس وكالة المخابرات الإسرائيلية “الموساد”،
في عهد نتنياهو للفترة من 2011 إلى 2016، إن إسرائيل تفرض الفصل العنصري على الفلسطينيين في الضفة الغربية .
في نظام حكم البيض في جنوب افريقيا ، وحتى العام 1986، كان على السود التنقل حاملين «تصريحاً»، أي وثيقة هوية تحدد المكان الذي يسمح لهم بالذهاب إليه تحت طائلة خطر السجن أو دفع غرامة.
وهذا ما يحصل في فلسطين حيث
تمنح إسرائيل للعمال الفلسطينيين تصاريح العمل مقرونة بالشروط والتقييدات مثل الفئة العمرية، الزواج، الموانع الأمنية، وغيرها من الشروط .
وهناك تحقيق جديد لمنظمة العفو الدولية أن إسرائيل تفرض نظاماً من القمع والهيمنة ضد الفلسطينيين في جميع المناطق الخاضعة لسيطرتها ، في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك ضد اللاجئين الفلسطينيين، من أجل مصلحة اليهود الإسرائيليين. ويرقى هذا النظام إلى مستوى الفصل العنصري، الذي يحظره القانون الدولي .
معارضة التمييز
كلتا الدولتين اسرائيل وحكومة البيض في جنوب افريقيا واجهتا معارضة داخلية سواء سلمية اومسلحة من الذين طالبوا بإنهاء التمييز العنصري .
واعمال المقاومة الفلسطينية للاحتلال الاسرائيلي تشبه احتجاجات المواطنين السود في حكومة الفصل العنصري ورفض استخدام المرافق المنفصلة، وتحدي حظر التجول . كلها كانت أعمال تحدي ترمز إلى المعارضة المتزايدة للفصل العنصري وألهمت الآخرين لتحدي النظام .
الهجرة الداخلية
أدت الطبيعة القمعية للفصل العنصري في اسرائيل إلى هجرة جماعية للفلسطينيين من الضفة الغربية ومن قطاع غزة. وهي تشبه الى حد كبير تهجير السود من مناطقهم ، وانشاء المناطق الحضرية للبيض في جنوب إفريقيا .
كما ان اعداد الاسرى الفلسطينيين اخذا” بالازدياد يوما بعد يوم. وهذا يذكرنا بسجون نظام حكم بريتوريا .
استمرت المدة الزمنية لسياسة التمييز العنصري في اسرائيل وطرد الفلسطينيين من ديارهم مدة 76 عاما ، بينما استمرت في جنوب أفريقيا لمدة 46 عاما .
بانهيار حكومة البيض في جنوب افريقيا، اصبحت اسرائيل آخر نظام فصل عنصري في العالم اليوم .
تقول البروفيسورة انييس كالامار
الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية
“لا يجوز بعد الآن أن يقتصر الردّ الدولي على الفصل العنصري على الإدانات العقيمة والمراوغة؛ فإذا لم نعالج الأسباب الجذرية، سيظل الفلسطينيون والإسرائيليون أسرى دوامة العنف التي دمرت حياة عدد كبير جداً من الناس” .
بعد 7 اكتوبر والحرب الاسرائيلية على غزة والتي ذهب ضحيتها اكثر من 25 الف فلسطيني ، تبلور رأي عام عالمي بضرورة انهاء النزاعات المستمرة نتيجة سياسة الفصل العنصري لاسرائيل عن طريق حل الدولتين ، اي إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل . وذلك على وفق قرار مجلس الامن الدولي المرقم 242 الصادر بعد حرب 1967 .
وبهذا الصدد صرح وزير الخارجية الامريكي بلينكن أمام “جاي ستريت” (J Street) وهي مجموعة ضغط أمريكية تقدمية مساندة لإسرائيل: “سنواصل أيضا معارضة لا لبس فيها لأي أعمال تقوض آفاق حل الدولتين بما يشمل مثلا توسيع المستوطنات أو خطوات في اتجاه ضم الضفة الغربية أو تغيير في الوضع التاريخي القائم للمواقع المقدسة وعمليات الهدم والإخلاء والتحريض على العنف”.
الاجندة العنصرية للحكومة اليمينية في إسرائيل ترفض حل الدولتين ، فاذا استمرت في ممارساتها العنصرية تجاه الفلسطينيين ، فانها ستواجه نزاعات مستمرة ، وسيكون مصيرها شبيه بمصير حكومة البيض في جنوب افريقيا .
ان المذابح الاخيرة في غزة تشبه
مذبحة شاربفيل عام 1960 التي غيرت الاوضاع في جنوب افريقيا . واليوم بعد مذابح غزة ، كما يشير الأكاديمي الجنوب إفريقي ستيفن فريدمان، فإن اللامبالاة العالمية تجاه فلسطين تتضاءل أيضاً، بينما يقصف الجيش الإسرائيلي قطاع غزة بعنف .