دون سابق إنذار قررت واشنطن فرض حصارها “الدولاري” على العراق لتجفيف البئر الذي كانت تغرف منه طهران لمساندة حلفائها في المنطقة.
أمريكا قامت بتقليص حجم الكمية من الدولار إلى (٧٥%) ذلك النقد الذي كان يرسل عبر طائرات شحن عملاقة إلى العراق لتمويل رواتب الموظفين والقوات المسلحة ومصاريف الدولة الأخرى.
فاجئ القرار الحكومة العراقية في هذا التوقيت في حين كانت واشنطن تسمع وتشاهد شاحنات الدولار تنتقل إلى الجارة إيران طوال السنوات السابقة عبر مزاد بيع العملة تشترك معها دول ومليشيات مسلحة تمتلك مصارف وبنوك للهيمنة على الدولار من السوق العراقي لتمويل أنشطتها وإقتصادياتها المنهارة.
الغضب الأمريكي جاء نتيجة الدعم الإيراني لروسيا بمُسيّرات في حربها ضد أوكرانيا والذي أدى إلى خفض كمية الدولار الأمريكي الذي تبيعه الحكومة العراقية في ذلك المزاد للحصول على الدينار العراقي وتأمين الرواتب من ما يقارب مائتي مليون دولار إلى ربع هذا المبلغ يومياً، مما أدى إلى خفض قيمة النقد العراقي مقارنة بالأعوام السابقة وإرتفاع في أسعار السلع والمواد الغذائية.
كان التبرير بأن الجزء الأكبر من النقد الأمريكي الذي يرسل إلى العراق يستقر في إيران وسوريا ولبنان وكذلك اليمن، ودليلهم أن عملات تلك الدول قد أصابها إنهياراً موازياً لقيمة الدينار العراقي عند فرض الحصار مما عزز النظرية الأمريكية أن دولارها خارج نطاق الإستعمال المحلي للحكومة العراقية.
في ربيع عام ٢٠١٢ نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالاً مطولاً كشفت فيه عن تلقي النظام السوري الدولار الأمريكي على شكل نقد من مصدر غير متوقع وهو العراق برغم ذلك العداء المعلن الذي كانت تتسم به العلاقة بين النظام السوري ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في تلك الفترة حين كان يتهم دمشق بالضلوع في تفجيرات أيام الأسبوع الدامي التي طالت فيه العراقيين وأحدثت خسائر بالأرواح والممتلكات في آب/أغسطس ٢٠٠٩ حين تم إستهداف وزارة المالية العراقية، حينها قررت حكومة المالكي تدويل قضية الإرهاب وتقديم شكوى ضد النظام السوري لدى الأمم المتحدة لولا الضغط الإيراني الذي أوقف تلك الإجراءات.
تحت السمع والبصر الأمريكي كان الدولار يُهرّب شرقاً وغرباً وكما يقولون “رُبَ ضارة نافعة”.
الحرب الأوكرانية كشفت الإستنزاف الإيراني للإقتصاد العراقي لتمويل مشاريعها في المنطقة أو حتى في مناطق أبعد من الحدود العراقية.
في الموازنة للسنوات الثلاثة القادمة وضعت حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني سعراً لصرف الدولار مقابل الدينار ما يعادل (١٣٢٠) دينار للدولار الواحد، لكن التهريب ظل مستمراً ولم تستطع الحكومة ضبط إيقاع تهريبه ليصبح له سعراً موازياً في السوق المحلي يتخطّى السعر الرسمي بخسائر يتكبدها العراق تذهب أرباحاً في أرصدة مصارف تمتلكها دول وميليشيات وشخصيات ترتبط بمصالح ونفوذ خارج الحدود العراقية.
“العراق يخسر سنوياً أكثر من (٢١) مليار دولار جراء فرق العملة وهذه أكبر سرقة في تاريخ البلاد، في وقت تعجز الحكومة والبنك المركزي العراقي عن السيطرة على السوق الموازي أو لا ترغب بذلك” كان ذلك إشارة من رئيسة كتلة الحراك الجديد في البرلمان العراقي سروة عبد الواحد.
مليارات منهوبة بأسلوب مُشرعّن تذهب إلى أحزاب وشركات ومصارف تابعة لشخصيات متنفذة تكفي لبناء مئات المستشفيات والمدارس والمصانع.
الصحوة المفاجئة لصانع القرار الأمريكي بضرورة إلزام النظام المصرفي العراقي إلى لائحة القوانين المصرفية للبنك الفيدرالي الأمريكي لمنع تهريب العملة الذي كان يجري لسنوات سابقة طوال تحت أنظار الفاعل الأمريكي دون ردع أو عقوبة، كانت خطوة لإثارة إستهزاء أو إستياء العراقيين الذين أيقنوا أنها خطوات لمعاقبتهم لذنب لم يقترفوه في التهريب الذي أشعل لهيباً في الأسعار دون إكتراث من البعض الذي تحيط به منافع وملذات السلطة، في حين تعاني الأغلبية الصامتة من تاثيرات إرتفاع سعر الدولار على أسعار المواد الغذائية في الأسواق المحلية.
يخبرنا الواقع أن أمريكا لاتكترث بمن وكيف ومتى يُسرق العراق لكن المهم والأهم أن لايساهم دولارها في قتل حلفائها وجنودها وليذهب هذا البلد بما فيه إلى الجحيم.