تعرضت هيئة الحج والعمرة مؤخرا الى اجحاف غير عادل وهي في قمة عطائها وتألقها ، تزامنا مع اختيارها كأفضل بعثة حج عربية في خدمة الحجاج ورابع أفضل بعثة حج اسلامية على المستوى الدولي وبالأخص في قضية شراء طائرات نقل الحجاج ، التي لم تكلف ميزانية الدولة العراقية دينارا واحدا وفي أحرج ظرف كان يمر به العراق من الناحيتين الأمنية وحضر الطيران الجوي العراقي ! مما الحق اجحافا ليس بحق رئيسها فحسب ، وانما بحق مسؤولي الهيئة ومنتسبيها المتفانين نظرا لمصادرة مجهوداتهم الكبيرة التي بذلت لبناء صرح خدمي عراقي ناجح وبفترة قياسية في زمن تراجعت فيه الكثير من الوزارات والمؤسسات عن اداء دورها في البناء والارتقاء بالعمل والخدمات .
فمنذ تأسيسها عام 2006 تحملت هيئة الحج جملة من التحديات الداخلية والخارجية الكبيرة التي تتعدى حدود صلاحياتها كونها مؤسسة حديثة الولادة ، محدودة المناورة ، محكومة الارادة في الروتين الاداري الممل ولا يملك كادرها غير الاحترافي بسبب انقطاع التواصل مع التجربة العملية لأكثر من عقد من الزمان ، نتيجة الراهن المعقد الذي كان سائدا آنذاك ولم تكن الخبرات بمستوى التحديات سواء كان في جانب السكن او الاطعام او النقل بشقيها البري والجوي وبالأخص صعوبات النقل الجوي للحجاج العراقيين الى الديار المقدسة التي دفعت هيئة الحج للتعاقد مع عدد من شركات الطيران التي تقدمت للعمل لتأجير طائرات لنقل الحجاج ،أمام تزايد الأعمال الارهابية الشرسة ضد المدنيين العراقيين واشتداد أعمال العنف التي كانت تواكبها موجة من الحملات الاعلامية المضللة من قبل الجهات المعادية والمشبوهة ، قامت بعض الشركات بالنكول بالتزاماتها وانسحبت الشركات الاخرى ،دون الإيفاء بعقودها بشكل منتظم بحجة وجود ظروف قاهرة ، الأمر الذي أدى إلى تأخر نقل الحجاج وتحملهم المزيد من المعاناة والانتظار الطويل في المطارات السعودية قد تطول لأيام عديدة (ومعظمهم من النساء والمسنين ).
وقد شكلت التكاليف العالية لنقل الحجاج عبئا ماليا كبيرا على الحاج و الهيئة معا وبالتالي انعكست سلبيا على ميزانية حكومتنا الفتية ليبلغ اجمالي مستحقات الشركات حوالي (15) مليون دولار سنويا من العملة الصعبة عن تأجير الطائرات ، والتي تعتبر عالية جدا.
ولمواجهة هذه التحديات اضطرت الهيئة الى مراجعة حساباتها من الناحية العملية والاقتصادية ، واعادة النظر بمسألة تـأجير الطائرات ، بحثا عن الحلول والبدائل الممكنة ، للتخلص من نكول الشركات وتصرفاتها التي باتت تشكل المزيد من الارهاق والمعاناة لحجاجنا الاعزاء ، وبدت تداعياتها تنعكس سلبيا على الشارع العراقي وعلى الدولة والحكومة في ظرف أمني وسياسي معقد ! بل اصبحت تسبب ارباكا لمسؤولي الهيئة في امكانية توفير فرصة لائقة لأداء فريضة الحج للإنسان العراقي الخارج من أتون الاستبداد و الظلم والظلام بعزة وكرامة وأمان . فتم شراء خمسة طائرات لمعالجة معضلة كبيرة كادت تعصف بأركان الحكومة آنذاك مثلما كانت تشكل مشكلة عويصة للهيئة ولا مناص أمامها الا في اتخاذ قرار استراتيجي جريء لمعالجة الأمر فكان القرار عبر مجلس الادارة للهيئة ، وبعلم وموافقة مجلس الوزراء ومباركتهم لمشروع الشراء استنادا الى العديد من الاسباب الموجبة منها :
1- عدم امتلاك الجهة القطاعية “شركة الخطوط الجوية العراقية ” لأية طائرة لنقل المسافرين أو الحجاج آنذاك .
2- امتناع شركات الطيران الأجنبية الرصينة وتعذر التعاقد معها للعمل في العراق نتيجة أعمال العنف التي كانت تضرب البلاد والظروف السيئة السائدة آنذاك .
3- الانقطاع عن مسار وتطور قطاع النقل الجوي الدولي لأكثر من 14 عاما بسبب الحصار والحضر الجوي المفروض نتيجة حماقات النظام السابق .
4- ارتفاع تكاليف السفر بشكل جنوني للأسباب الأمنية الى أكثر من ألف دولار للتذكرة الواحدة بسبب ارتفاع التأمين على الطائرات في الاجواء العراقية .
فلم يكن أمام الهيئة غير طريقان ، فأما الاستسلام للواقع المؤلم والاستغراق في مستنقع الروتين الاداري الذي ينخر بالإدارة وتحمل نتائجها وتداعيتها أو القيام باتخاذ خطوات جريئة وشجاعة لتحقيق الخدمة الممكنة للحجاج العراقيين بغية التخفيف من معاناتهم .
تم اتخاذ القرار الثاني والمضي قدما لوضع دراسة جدوى عن مشروع خدمي وتنموي عراقي يحمل في طياته حلولا آنية للتحديات القائمة وباعتماد رؤية استثمارية مستقبلية لتوفير كل مستلزمات النجاح للمشروع وتحقيق الغايات والأهداف المرجوة للحجاج والهيئة والميزانية العامة للدولة العراقية الى جانب اهداف خدمية اخرى مثل دعم واسناد جهود وزارة النقل والخطوط الجوية العراقية بتجاوز القيود الدولية المفروضة على النقل الجوي في العراق والمشاركة في تحمل جزء من شرف مسؤولية خدمة العراقيين في ظرف حساس ودقيق ، كجهد مضاف الى جهود الحكومة الخدمية والتنموية ، بالإضافة الى واجباتها الاساسية في خدمة الحجاج وتنمية مواردها المالية في سياق ممارسة حقها القانوني والاخلاقي والشرعي.
فتم شراء خمس طائرات وفق السياقات الادارية وبمباركة رئاسة الوزراء وبعضوية مستشارها القانوني السيد عباس الساعدي للجنة الشراء مقرونا بموافقات رئاسة الوزراء على مشروع الشراء دون أن تكلف الدولة دينارا واحدا من خلال استخدام الهيئة لصلاحياتها في تشغيل مبالغ الحجاج المودعة لديها بعقلية اقتصادية منفتحة لتحقيق جملة من الأرقام والمكاسب لصالح المصلحة العامة في مؤشر واضح على صحة الجدوى الاقتصادية نحاول التذكير بها بلغة الأرقام وبكل شفافية :
1- نقل حوالي ربع مليون حاج عراقي من قبل الهيئة خلال السنوات الماضية من خلال طائرات الهيئة والطائرات المستأجرة .
2- نقل حوالي نصف مليون معتمر عراقي من قبل الهيئة خلال السنوات الماضية من خلال طائرات الهيئة والطائرات المستأجرة .
2- تشغيل كادر شركة الخطوط الجوية العراقية (المشمولة بالتمويل الذاتي ) التي كانت مصابة بالشلل والجمود عام 2008 لعدم امتلاكها اية طائرة في ظل الحضر الكويتي المفروض .
3- تخصيص 50% من ارباح الطائرات الى شركة الخطوط الجوية العراقية .
4- تحقيق تخفيض بنسبة 40% من اسعار التذاكر كمكسب للحجاج العراقيين على ضوء عائدات الطائرات ليصبح سعر التذكرة من1000دولار الى 600 دولار ذهابا وايابا ) .
5- بلغت ارباح الطائرات للطرفين (هيئة الحج والخطوط الجوية العراقية) حوالي 160مليون دولار خلال أربع سنوات .
6- تأمين النقل الجوي للحجاج العراقيين في أحرج ظرف كان يمر به العراق وكانت تمتنع فيه شركات الخطوط الرصينة من العمل في الاجواء العراقية نتيجة الراهن الأمني آنذاك.
7- عدا تحقيق جملة من الفوائد والايجابيات مثل تحقيق العامل النفسي للحاج العراقي واغناء خبرات الكوادر العراقية بعد طول انقطاع .
8- قامت طائرات الهيئة بجهد استثنائي في نقل الوفود الحكومية والنيابية والتجارية من والى العراق .
9- قامت الهيئة بنقل الجاليات العراقية المحاصرة في ليبيا واليمن وتونس ومصر وغيرها ، خلال حوادث العنف التي اجتاحتها اثناء اندلاع اعمال عنف الربيع العربي .
10- قامت طائرات الهيئة بنقل المواطنين العراقيين على الخطوط العربية والدولية وفق الخط التجاري لشركة الخطوط الجوية العراقية.
نضع هذه الحقائق امام هيئتا النزاهة والرقابة المالية الموقرتان وامام الاقتصاديين والمراقبين والاعلاميين وكل انسان منصف للاطلاع والوقوف على واقع الأمر لمشروع قدم الكثير من الخدمات للمواطنين وللحجاج وللدولة وللرعايا العراقيين ولغيرهم دون أن تسجل هناك اي حالة مريبة او اي خرق قانوني يمس المال العام أو سوء الادارة على الرغم من سوء الظروف الأمنية التي كانت سائدة آنذاك .. ولم يكلف الدولة دينارا واحدا