عادت من جديد المواجهات غير معلومة النهايات والمآلاتبين قوّات التحالف الدولي بزعامة واشنطن وفصائل الحشد الشعبي التابعة رسميّا لرئيس حكومة بغداد محمد شياع السوداني!
وكان الأسبوع الماضي حاميا وساخنا في العراق، وكان الردّ الأمريكي هذه المرّة دقيقا، وعميقا، والتطوّر الجديد أن الضربة الأمريكية الأبرز، منذ العام 2020، وقعت وسط العاصمة بغداد.
وقد قتلت طائرة مسيّرة أمريكية، الخميس 4 كانون الثاني/ يناير 2023 قائدين اثنين من حركة النجباء المدرجة على قوائم الإرهاب الأمريكية، بينهما (أبو تقوى السعيدي) آمر اللواء 12 للحشد الشعبي.
وقال الرئيس الأميركي جو بايدن في رسالة للكونغرس، في اليوم التالي للهجوم إنّ: “الولايات المتّحدة مستعدّة لاتّخاذ مزيد من الإجراءات في العراق حسب الضرورة والمناسبة للتصدّي لمزيد من التهديدات والهجمات“!
وهكذا يبدو أنّنا أمام مرحلة بداية لحرب الطائرات المسيّرة الأمريكية في العراق، والتي تؤكّد:
وكالعادة كانت تصريحات حكومة السوداني غامضة، وأكّدت بأنه ” ليس من حقّ أيّ جهة التجاوز على سيادة العراق“، ولا نعلم مَن المقصود بكلامها، قبل أن تُغيّر خطابها لاحقا، بعد ضغوطات خفيّة، لتطالب بخروج القوّات الأمريكية!
وأظنّ، إن بقيت هجمات تلك الجماعات على القواعدالأمريكية وسفارتها، وبالذات بعد الهجمات على الحوثيين فجر اليوم الجمعة، فسنكون أمام نهاية حكومة السوداني وليس التحالف الدولي، وبالذات بعد أن أشار المتحدّث باسم وزارة الدفاع الأميركية إلى التعاون مع الجانب العراقي في معرض حديثه عن الهجوم الذي قُتِل فيه (السعيدي)!
وهذه النقطة، ربّما، لن تمرّ دون تداعيات كبيرة، ومنها سحب الثقة من السوداني وحكومته، ولهذا سارع رئيسخلية الإعلام الأمني، تحسين الخفاجي للقول بأنّ“الهجوم نُفّذ بشكل مباشر من دون علم أيّ جهة عسكرية وأمنية عراقية“!
وتوالت بعد الهجوم التصريحات والبيانات، النارية والمتشنّجة والحماسية، من زعماء الحشد الشعبي، والكثير من السياسيين والبرلمانيين، وجميعها طالبت بإنهاء التواجد الأمريكي!
والمنطق الدبلوماسي يقول إنّ مَن يُريد أن ينهي التواجد الأمريكي في العراق عليه إنهاء اتّفاقيّة الإطار الاستراتيجي لسنة 2008، والتي صَوّت عليها برلمان العراق عام 2009، والتي تنصّ على آليّة إلغاءها، حيث ذكرت المادّة 30:” ينتهي العمل بهذا الاتّفاق بعد مرور سنة واحدة من استلام أحدّ الطرفين من الطرف الآخر إخطاراً خطّياً بذلك“!
فهل أرسلت حكومة بغداد إخطارا خطّيا رسميّا إلى واشنطن لإنهاء العمل بالاتّفاقيّة؟
وأكبر تفاعل أعلنه السوداني، الجمعة الماضية، تمثّل بتشكل “لجنة ثنائية مع واشنطن مهمتها تحديد ترتيبات إنهاء مهمة التحالف الدولي“!
ومع ذلك لا يوجد حتّى الساعة أيّ إخطار رسميّ خطّي يتعلّق بإلغاء الاتّفاقيّة من الجانب العراقي!
أما المحاولات الحكومية لإجراء استفتاء شعبي، بعيدا عن البرلمان، فهذا هروب من المواجهة الخطيرة والمفصلية!
ولاحقا جاء الردّ الأمريكي عبر البنتاغون الذي أكّدالاثنين الماضي: “لا نُخطّط حاليّا لسحب قوّاتنا منالعراق، ولسنا على علم بإخطار من بغداد بقرار لسحب القوّات الأميركية من العراق“!
والمفاجئة المذهلة تمثّلت بما نقلته صحيفة “بولوتيكو“الأمريكية، الثلاثاء الماضي، أنّ السوداني “طالب (سراً) من مسؤولين أمريكيين بقاء القوّات الأمريكية في العراق“!
وتستمر الفصائل المسلّحة، حتى اللحظة، بتحديها الواضح لحكومة بغداد عبر هجماتها بالطائرات المسيّرةوالصواريخ، داخل العراق وخارجه، عبر قدرات عسكرية ضخمة!
وهذه الهجمات المستمرّة ستحرج حكومة بغداد أكثر وأكثر، وترفع من احتماليّة توجيه ضربات أمريكية جديدة ضدّ تلك الفصائل، وبالذات مع محاولات حكومة السوداني النأيّ بنفسها عن أيّ مواجهة مع واشنطن!
والملاحظ ميدانيا أنّ هجمات الفصائل لم تؤثّر على التواجد الأجنبي، وكأنّها ضربات استعراضيّة، لإثبات وجودها، والضغط النفسي والسياسي على حكومتي بغداد وواشنطن، وبدليل أنّها لم تُسفر عن مقتل أيّمسلّح أجنبي في العراق!
والسؤال الميداني: لماذا لم نسمع بأيّ مقاومة أرضية عراقية للطائرات المسيّرة المهاجمة؟
وقد يكون الجواب بتصريح الرئيس السابق لأركان الجيش عثمان الغانمي لقناة الشرقية العراقية يوم 6 كانون الثاني/ يناير 2024، بأنّ “الأمريكيين لم يسمحوا للعراق بامتلاك منظومة دفاع جوّيّ ورادارات”!
ولا ندري كيف يمكن لدولة تمتلك أدنى سيادة أن تقبل بمثل هذه التدخّلات الأجنبية في الشؤون الأمنية والسيادية؟
وبالمجمل قد تكون ضربات الطائرات المسيّرة بداية النهاية لتغول الفصائل المسلّحة على المشهدين السياسي والأمني، أو بداية لمرحلة عراقية جديدة وغامضة!
العراق بلد غنيّ برجاله وثرواته وتاريخه، فلا تُضيّعوهبسياسات سقيمة خالية من البرامج الواضحة، وبالنتيجة تُضيّعون الوطن والناس!
dr_jasemj67@