هناك من يتسائل فيقول ما لنا نحن وما القراءة والثقافة التي لا تسمن ولا تغني من جوع , فالشغل الشاغل للفرد هو كيف يحصل على المال ليسد به رمقه وما يلهث وراءه هو كسب قوته أولا ثم ان فاض لديه قد يفكر بشراء كتاب او مجلة ليطلع على ما فيها من مواضيع قد تجذبه بعض منها او قد يكون يتبع خبر ما يفيده في عمله فيدفعه لشراء تلك الجريدة او غيرها من عنونات الثقافة المعروفة . وقد يذهب الى ابعد من ذلك فينفر من الثقافة الورقية ليبدها بما في يديه من تطور تكنلوجي في متابعة الاخبار والثقافة بمجرد ضربة زر على احدى برامج المحمول او الحاسبة فيحصل على ما يريد في (رمشة عين ) كما يقولون .. لكن الشيء الذي يخفى على مثل هؤلاء ان القراءة واقصد بها الورقية أي قراء ة الكتب وغيرها هي التي تجعل قارئها في حالة من الرضا النفسي والمادي الذي لن يجده في أي وسيلة قرائية أخرى , فهو ان بحث عن الشعور النفسي المتوازن والمريح يجده في متعة مسك كتاب يتصفح أوراقه الناعمة التي تبعث فيه روح الحياة الإنسانية بحواسها الخمسة ، وأيضا قد يجد في مطالعة بعض الكتب المتخصصة في الاقتصاد والعلوم ما يكسبه خبرة ودراية في إدارة الاعمال ،فهناك كنوز في تراثنا التاريخي لو بحثنا فيها نجد من الموارد الطبيعية والمادية ما يغني صاحبها فعلا وقد يكسب تروة في ما يجده من معلومات ثمينة في تلك الكتب . قد يجدني الاخرين ابالغ في هذا الطرح الجدلي في التوجه الى قراءة الكتب او الثقافة الورقية لكن التاريخ يحدثنا عن قصص ودلائل لهذ الكلام المعروض هنا .. والبحث عنها هو ما يوصل الى نتائج غير متوقعة من الفائدة النفسية والمعنوية والمادية . وقراءة الكتب هي منهج حياة جديد فحين يقع بين أيدينا كتاب ما ، ما ان نبدأ في اول صفحة في قرائته نعيش حياة جديدة يدخلنا معه عالم ذلك المؤلف ونشارك كاتبه في كل شيء حتى ننهي قرائته واذا بنا خرجنا بحياة وأفكار وخبرة غير التي كنا عليها من قبل فتتغير القناعت ويتغير الإحساس تجاه الأشياء وتغير العالم من حولنا فنخرج بعالم غير عالم ما قبل القراءة الذي كنا عليه فقد يطور قدراتا الاحتمالية في تحمل شغف العيش او القدرة على حل المشكلات والصعوبات التي كانت تشكل عقبة في طريق نجاحنا في الحياة وتسبب لنا الكآبة والانزواء وراء الخمول والفشل الحياتي . فهذا كله يصبح في سلة النسيان ليحل محله وعي وقدرة فائقة الخيال في قوتها واستكمل مشروع بناء الانسان في اكتما نظرته لمفاهيم الحياة ومواجهة العقبات ,فهنا يكتمل هذا المشروع بالمعرفة فهي وحدها تمنح القوة المطلوبة في التحدث والعمل وخوض غمار الحياة بصخبها وعقباتها وفو ضويتها ،لتمهد لحياة أفضل كلها باكتساب المعرفة الثقافة بمختلف الوانها ,فهنا صناعة الانسان في مختبر العلم والثقافة , لابد من الإشارة هنا ،انه اذا كان من الأولويات للدولة ان تهتم بالمن الغذائي للمجتمع فلابد لها ان تولي الاهتمام بالآمن القرائي والثقافي للشعب وللأجيال المتوارثة لبناء الدولة واستباب امنه المجتمع الثقافي والمعرفي ، فهذان الآمنان من ضروريات بناء الدولة القوية وبناء جيل واع وقارئ مثقف قادر على تحمل مسؤولياته العملية والوطنية وتخطي صعوبات الحياة وبناء مجتمع سليم فكريا ونفسيا واقتصاديا . لكن السؤال الذي يطرح مرة أخرى.. وهو كيف نعيد القارئ العراقي الى القراءة الورقية مرة أخرى ؟ وكيف يتم إقناعه فأهميتها في حياته والتي تخلق في نفسيته راح البال والجمال الذهني والمعرفي الذي يحتاج اليه في هذا الوقت او الزمن الذي يحيط بنا كل ما يبعث على القلق والتوتر والحزن.. هنا لابد ان نضع القارئ أمام خطوات مهمة يجب ان يخطوها ويسير عليها في اول سلم القراء والتعود على الاطلاع المعرفي. وقد يكون هنا من تحيط به الكتب ولا يجد ما يجذبه اليها او قد ينفر منها مع الأسف.فإذن كيف نجل أنفسنا تحب الكتاب والقراءة. فنبدأ فمثلا فكتب تأخذ القارئ معها الى عالمها الساحر الأسطوري فأكن الفرد حين يبدأ بالقراءة ينعزل تماما عن عالمه الحي الواقعي ليسبح في فضاء المتعة القرائية لتلك السطور الساحرة تمثل ذلك ، بعض المؤلفات والقصص والروايات التي تسحر المتلقي بمواضيعها وسردها الدرامي والخيالي المبدع لكاتبها مما يجعل المتلقي لا ينفك منها الا بمتابعة احداثها ومسيرة شخوصها في حياتهم الروائية التي قد يكن الكاتب اخذ فكرته من واقعة حقيقية فاصبغ عليها ادواته الكتابة الفنية لينقلعا الى واقع الحياة القصصية الدرامية فيعيشها المتلقي كما أرادها في حياته الواقعية . من هنا تنطلق الشرارة الأولى في حماسة القراءة والثقافة وشغف قراءة الكتابات والمسرودات الفنية . فاذا كانت القراءة كما قالها القدماء هي ( إذا النفوس وطب العقول ) فالقراءة اذن غذاء جسماني وعلاج روحي في آن معا . فلابد من العودة الى ثقافة القراءة والكتابة ،والتي طغت عليه ثقافة الأذن والمشافهة الثقافية التي لن يصل قارئها من الطمأنينة النفسية والتفقه الذهني التي توصلنا اليهاا القراءة السمعية والمرئية . اذن كيف نحقق أكبر متعة حين نمسك كتاب لنقرأه ؟ فالقراءة لا تكن لغرض الاستفادة الثقافية فقط بل انها متعة القراءة تلهمنا من المباهج ولو القليلة من هذه الحياة فيأخذنا الكاتب مثلا كتاب الرحلات والمغامرات الرحلية الى أماكن وفضاءات عدة لا نبلغها الا بشق الانفس من التكلفة المادية والمعنوية ,, وقد لا نصلها الا مع كاتبها في كتابه وما نقله في رحلته ودونه في مؤلفه . فالمدون او الكتاب يقحم نفسه في دماغ قارئه ويسبر اغوار نفسيته ليستقر في وعيه وتفكيره لاسيما الكتب التي لها تأثير منقطع النظير في متلقيها . وكأن القارئ مشارك في تلك الاحداث او مشاركة ابطالها في مشاكلهم ما يتوصلون لها من حلول لتلك العقبات . وقد يتفاعل ويتأثر القارئ مع ديوان شعر يقرأه فالشعر له سحر فعال في النفس البشرية وهو مذكور في القرآن ، فالنفس البشرية تتأثر بسحر البيان والكلام الموزون . وهذا كله يصب في مصلحة الفرد النفسية واستقراره الروحي والانفعالي ليثمر او يؤدي الى نتائج مبهرة في قدرة الفرد الابداعية ونتاجاته العملية . فالقراءة من أفضل الهوايات التي على الانسان ان لا يتغيب عن عالمها وينقطع عن ممارستها . فقوة الشعوب ونضوج وعيها لا يتم الا بثقافة الاطلاع وتشجيع أبنائها منذ الطفولة الى متعة القراءة الورقية والكتابية .