لقد وصلت سلوكات و تصرفات المجتمع الغربي الى درجة الخروج على المألوف المنطقي في حياة البشر التي خُلقوا من اجلها و حطمت كل ما هو أمام العاطفة المفرطة و يميل إلى الجانب الروحي و عملت على تدنيس الثوابت الدينية لكل الديانات و الشرائع و جعل السامية شبح مقدس فوق كل إعتبار .
فما هو ظاهر للعيان و ما نشاهده و نلاحظه من خلال التزايد في محاربة المسار الكوني و تقنين البشرية و تصنيفها و توجيهها على نمط التفتح المفرط و الحرية بدون حدود و تسخير المادة على أساس السيطرة و التدمير أكثر مما يفيد الإنسانية، يوحي أن العد التنازلي لهذه الحضارة قد وشك على نهايته. و من هذا المنطلق أظهر تصادم بين الشبعان و الجوعان ما أدى إلى تشتت المجتمع و حتى الأفراد و تفكيكه في قِيٌمِه و عاداتِه و صعود نمط عاطفي بامتياز و الحرص على متابعة هذه الطريقة و فرضها و تعميمها على المجتمعات و حتى الدول بالقوانين، مثل السماح (زواج المثنيينذكورا و إناثا و عدم إحترام مسار الحياة المألوفة للبشر و التعدي على حرمة المقدسات، إضافة إلى أن البرنامج المدبر و المنفذ على مستوى المغفلين و المتتبعين و الخائفين على مصالحهم الضيٌقة التي تحصلووا عليها على ظهر شعوبهم و كرامتهم، غلب كل التطورات المتخذة سابقا و خلقت ظاهرة من تشنج في المعاملات الناقصة انصافا و عدلا بين الفئة المتحضرة في نظرها و باقي المعمورة.
فأما العوامل الجديدة التي أقحمت شارع المدن الغربية بنوعمن الإصطدام مع حكامهم، هي النزعة الإنسانية التي هزت الضمائر نتيجة التصرفات اللاإنسانية للحصول على المبتغى المادي دون مراعاة الغير و لو على حساب الروح البشرية البريئة التي تريد أن تعيش في سلام. و التلاعب بالتصرفات التي كانت خفية و مقننة و مكيفة في مدة من الزمن بحجة نشر الديمقراطية والعدل و المساواة و الاستقرار في المعمورة و ظهرت بشكل مفاجئ عبر الوسائل الإعلامية عكس ما كان يريد حكام الغرب و تدفقت حتى أصبحت حقيقتها مرئية و مشهودة و مسموعة على المباشر. فهذا ما أثر على كل قرار متخذ و مسعى من جهة و أيضا من إستجابة الحليف التقليدي المعول عليه للمساهمة و المساعدة بكل طاعة من جهة أخرى. فهذا الأخير لن يكون بقدرته النجاة من العامل الجديد على بيئته و درجة مساندته أو عبوديتة بين قوسين و أصبح يخاف على مكانته و وضعيته في الحكم أو العرش.
و أما الصيغة المطروحة والمروج لها في الآونة الاخيرة هي الإطاحة بالقطب الأحادي و تفكيكه. هل هذا المخطط يغير في المعاملة و العقلية بين المجتمعات و يلبي الطموحات على مستوى الفرد و الأمم و الدول لِما تريد أن تصل إليه من عدل و مساواة و إستقرار؟تبقي هذه الأطروحة أو الفرضية المحتومة مرهونة بفعاليتها في الميدان و تكون ربما من بين العوامل المسببة لتحويل الحضارة من صورة إلى أخرى و من مكان إلى أخر بقدر الإمكان من الحكمة و من مخرجات التنازل للمهزوم بصيغة المنتصر. غير أن ما ينبغي العمل به اكثر هو إحترام الطبيعة بالدرجة الأولى التي جاء الإنسان ليعيش فيها و هي مكيفة من أجله، و من هذه الزاوية يستلزم أخذ الرؤية كأولوية إن أراد إستمرار الخطة و تحقيق محل التخاصم في الكونبالتي هي احسن.
و من الحالة التي يعيشها إنسان هذا الكون و يلمسها و يشاهدها و رجوعه إلى أحداث التاريخ المتسلسلة سواء وقعت أو ذكرت في الديانات، أن تصرف فئة قليلة في المعمورة وصلت الى السيطرةعلى نمط سير ميزان القوة العالمي بطريقتها و أقنعت ما حولها أنها هي الأفضل و الأصلح و المؤهلة على الإطلاق لكل شيئ في العالم. و في حقيقة الأمر هي منبع كل بلاء و فتنة و مكيدة التي وضعت على وجه الأرض الى يوم الدين.