قرّرت الحكومة العراقية في جلستها المنعقدة في يوم الثلاثاء الموافق ٢/١/٢٠٢٤ إغلاق مخيمات النازحين الموجودة في إقليم كوردستان البالغةعددها حوالي خمسة وعشرين مخيماً وحددت ٣٠ حزيران ٢٠٢٤ آخرموعداً لذلك، حيث تسكنها مئات الالاف من النازحين الذين فروا منمناطقهم منذ اكثر من تسعة سنوات نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية واختاروا العيش في أسوء الظروف من البقاء تحت رحمة الخوف من المصير المجهول الذي كان ينتظرهم لأسباب طائفية ومذهبية.
فتحت حكومة إقليم كوردستان الأبواب على مصراعيها لهؤلاء النازحين واحتضنتهم بكل رفق واحترام وقدمت لهم كل الدعم والمساعدة اللازمة والممكنة وأسكنهم في البداية في المدارس والمساجد وقدم الشعب الكوردستاني أروع الأمثلة في الأخوة والتعاون وفتحوا أبواب بيوتهم لهم دون تمييز وبعدها هيأت الحكومة لهم الأرضية الملائمة بفتح المخيمات لتحقيق ادنى مقومات الحياة ودعت المنظمات الدولية الانسانية الى تقديم المساعدات الضرورية لهم وتوفير الحماية لهم وباتوا جزءاً من المجتمع الكوردستاني ويوماً بعد يوم يتوطد العلاقات بينهم.
حاولت جميع الحكومات العراقية السابقة اعادة النازحين الى منازلهم طواعية ولكن دون جدوى الا القليل منهم وتعلن حكومة الاقليم مراراً وتكراراً ان إجبار النازحين على العودة مخالف للقوانين الدولية وانها لا تمانع العودة الطواعية دون إكراه.
من مجريات الأحداث نستنتج بأنه هناك توجهاً عاماً بالتقليل من شأن الإقليم وتقييد صلاحياته وتجميد عمل مؤسساته سواء من خلال قرارات المحكمة الاتحادية أو قرارات الحكومة بقطع الموازنة العامة ورواتب الموظفين.
غلق مخيمات النازحين في الإقليم اكراهاً مخالف للقوانين والأعراف الدولية وبعيد عن كل القيم الإنسانية، فلا يجوّز إجبار الإنسان على العيش في مكان لا يرغب فيه خاصةً لأسباب أمنية
وجود المخيمات في الإقليم لها أبعاد مختلفة ونشير الى عدد منها:
– البعد الإنساني، إيواء النازحين الذين تركوا منازلهم قضية إنسانية بكل ما لها من معنى، لأنهم بحاجة ماسة الى رعاية صحية وإنسانية كبيرة و وجودها في الاقليم مؤشر قوي على ما يملكه الشعب الكوردستاني من قيم إنسانية نبيلة، خاصةً أنهم تعاملوا معهم كأصحاب الارض والوطن وفتحوا قلوبهم قبل بيوتهم لهم.
– البعد السياسي، كان ولا يزال إقليم كوردستان ملاذاً آمناً للجميع ممن كانوا يعارضون النظام السابق أو يتعرضون إلى التهديد والمضايقات أو يحملون أفكارا مختلفة، فوجود المخيمات ذات بعد سياسي بامتياز لان من يعيشون فيها أصحاب افكار وينتمون الى تيارات سياسية ودينية مختلفة او أنّ نزوحهم كأنت لأسباب طائفية ومذهبية.
– البعد الامني: مما لاشك فيه أن وجود المخيمات في اية منطقة دليل على أمنها واستقرارها، إقليم كوردستان يعد منطقة امنة حيث ينعم من يعيش فيه من المواطنين والمقيمين والنازحين بسلام وأمان وهذا يمثل نقطة مهمة وتحول في منطقة تشهد توترات وصراعات متنوعة ومتعددة ويعد أمن الأقليم اساساً رصيناً للبناء السليم، ودافعا مهماً للنازحين بالبقاء فيها.
– البعد الاجتماعي، ألشعب الكوردستاني اجتماعي بطبعه ويملك من العلاقات الاجتماعية الكثيرة و وجود المخيمات كانت فرصة جيدة لبناء العلاقات الاجتماعية مع هؤلاء النازحين أو تجديد العلاقات السابقة التي ستبقى إلى الأبد رصينة وغير قابلة للاهتزاز أو الاندثار ونشأت علاقات مصاهرة بينهم ساعدت على تقوية الروابط والبنية الاساسية للمجتمع.
– البعد الاقتصادي: وجود المخيمات في الإقليم لها أهمية اقتصادية كبيرة حيث يقوم النازحون بعمليات بيع وشراء البضائع والمنتجات اللازمة لهم مما يؤثّر ايجاباً على السوق المحلي والدخل الوطني بالإضافة الى تبادل العملات والخدمات والخبرات ومهارات الأيدي العاملة والاستفادة منها في استثمار الفرص المتاحة للازدهار الاقتصادي.
أكيد هناك أبعاد أخرى ولكننا نكتفي بهذا القدر.
نطالب حكومة الإقليم باتخاذ خطوات جادة لمنع اجبار النازحين بالقوة على ترك مخيماتهم لأنها ستكون ذات نتائج سلبية كبيرة على هيبة الإقليم وسمعته.
هذا القرار يحمل بين طياته العديد من التحديات والعقبات ونرى صعوبة في التطبيق هذا إذا لم نشهد أحداثاً أخرى في العراق ونشهد نزوحاً جماعياً أخرى نحتاج الى المزيد من المخيمات لإيواء النازحين الذين يفرون من منازلهم خوفاً نحو المصير المجهول .
مع تمنياتنا للجميع بالعودة الى بيوتهم آمنين رغبة منهم دون اجبار أو اكراه.