مضت تلك الأيام عندما تنادى الناخبون العراقيون في عام 2010 بحماسٍ منقطع النظير إلى ضرورة المشاركة بالإنتخابات بإعتبارها واجباً وطنياً مقدساً إلى درجة أن بعضهم قال أنها “واجب شرعي” لسد الطريق على “الفاسدين”. و صدرت البيانات و الفتاوى لِحَضِّ الناس على الإدلاء بأصواتهم لمن يثقون بهم. و رفع الناخبون أصابعَهم (السَّبَّابَة) المصبوغة بالحبر البنفسجي فخراً “بالعملية الإنتخابية الحرة لبناء عراق حرٍ ديمقراطي جديد”، و ٱبتهلوا إلى الباري عزّ و جلّ أن ينصر و يوفّق النوّاب و أعضاء الحكومة. هكذا إنتهى العرس الزائف و ٱنفضَّ الضيوف. و كانت نسبة المشاركة كالعادة متدنية جداً.
فماذا ينوي ذوو الأصابع البنفسجية عمله هذه المرة في 30 نيسان، 2014 إزاء البلاء المستحكم بين ضياع الأمن و القانون و النظام و العدل و المساواة، و بين النهب المنظم لثروات الشعب العراقي المسكين، و بين الإمتيازات الخرافية لأعضاء المجلس النيابي، و بين فساد و فشل الوزراء الكذابين البائسين، و بين تهديد الإنفصاليين بتقسيم العراق؟ هل سيخضعون للإرهاب الفكري ـ الإعلامي و غسل الدماغ المستمر و لتضليل الإعلام الإنتخابي الطائفي بفرعيه السياسي و الديني؟ هل سيقعون مرة أخرى في نفس الفخّ و ينتخبون النواب الفاسدين أو نسخاً جديدة منهم على أساس أن “الشيطان الذي تعرفه خيرٌ من الشيطان الذي لا تعرفه؟”
لا مجال هنا لتوجيه اللّوم و الشماتة و أصابع الإتهام إلى المواطنين العراقيين الذين خُدِعوا بالعملية الإنتخابية و اعتقدوا بصدقٍ أنهم يمارسون فرصتهم الذهبية التاريخية و حريتهم الكاملة بإختيار النواب الذين يمثلونهم أفضل تمثيل للمجلس النيابي و للحكومة و مجالس المحافظات. و نعلم الآن من بعض الإستطلاعات في العراق و من التعليقات التي نقرؤها و نسمعها أن معظم الناس نادمون على إختيارهم و ساخطون على النواب الفاسدين و الحكومة الفاسدة الفاشلة. و أصبحوا ما بين قانطٍ يائسٍ من الحاضر و المستقبل، و بين مدافعٍ مستميتٍ عن نوابه و حزبه الطائفي، و خائفٍ من الأحزاب الطائفية المرعبة على إمتيازاته الوظيفية و العقود المغرية، و بين من يريد التغيير و لكن لا يعرف كيف سيحقق ذلك في ظل إرهاب التنظيمات الطائفية، و إرهاب السلطة الحكومية التي لا تسمح بأي تجمهرٍ أو تظاهرٍ ضدها، و إرهاب القوات الخاصة الأمريكية المرابطة في قواعدها المحصنة في العراق.
فعندما حاولت ثلة من المتظاهرين التجمع في ساحة التحرير أمام نصب الحرية يوم 2 آب، 2013، الماضي وجدوا أمامهم جيشاً كبيراً من القوات المسلحة و الشرطة الخاصة و قوات مكافحة الشغب، و اقتادوا المتظاهرين و اعتقلوهم و أشبعوهم ضرباً و ركلاً و إهانةً و تهديداً ثم أطلقوا سراحهم هكذا بلا تهمة و لا جناية و لا قانون. أما في يوم 31 آب 2013 فقد كان عدد أفراد الجيش و القوات الأمنية و الآليات القمعية الجاهزة أكبر عدداً من المتظاهرين السلميين. و قد قطعت هذه القوات الجسور و الطرق المؤدية إلى المنطقة المعزولة (الخضراء) كي تمنع المتظاهرين من الوصول إليها. لقد أراد المتظاهرون التعبير عن إحتجاجهم ضد أحد مظاهر الظلم و الفساد و هو الرواتب و الإمتيازات التقاعدية الخيالية لأعضاء مجلس النواب العراقي.
هل كانت الدعوة إلى التظاهر يوم 31 آب 2013 في كل أنحاء العراق ضد الإمتيازات المادية الباذخة لنواب المجالس المركزية و الفرعية كافية لإحداث تغييرات طفيفة؟ و لو شارك العراقيون بأعدادٍ غفيرة و بطرقٍ سلمية فهل سيسمعهم المسؤولون في العراق و في واشنطن و لندن؟ و هل كانت هذه المظاهرات النواة الأولى و بداية لثورة شعبية سلمية لتغيير الواقع الفاسد و إنهاء المجازر الدموية و الحكومات الفاسدة؟ يبدو أنها لم تكن كذلك.
و لكن مَنْ يؤمن بأن الحكومة العراقية فاشلة و فاسدة و طائفية، و أن أعضاء مجلس النوّاب فاشلون و فاسدون و طائفيون فهذا هو الوقت المناسب للإطاحة بهم لصالح نوّابٍ أفضل منهم أو على الأقل أهون شرّاً و أقلّ فساداً و تعصباً منهم. لا يوجد هنا قضاء و قدر و لا بلاء مستمر، بل توجد إرادة حرة على التغيير فإما أن نستخدمها أو تفوتَ الفرصة على أنفسنا. و في كِلتا الحالين، سيكون الحبر البنفسجي على السَّبَّابَة شاهداً على التغيير أو الإستكانة.