21 سبتمبر، 2024 5:18 م
Search
Close this search box.

الرواية والمعاناة (21).. الروائي الحقيقي هو الذي يطلق العنان للشخصيات لتمارس لعبتها

الرواية والمعاناة (21).. الروائي الحقيقي هو الذي يطلق العنان للشخصيات لتمارس لعبتها

خاص: إعداد- سماح عادل

الشخصيات في الرواية العربية محكومة بالمعاناة، تعيش أزمات المجتمعات القاسية، والرهان علي روائي يستطيع رسم الشخصيات بعمق وباحترافية.

هذا الملف تجيب عنه مجموعة من الكاتبات والكتاب من مختلف البلدان العربية، وقد طرحنا عليهم الأسئلة التالية:

. 1 هل الرواية العربية في الوقت الحالي تصدر من المعاناة، سواء من الحروب والصراعات، أو من ظروف المجتمعات التي أصبحت مأزومة، أو من معاناة الكاتب التي يصورها علي الورق كمعاناة فردية؟

. 2 هل الشخصيات والأبطال في الروايات العربية أبطال اشكاليون يعانون من الاغتراب عن المجتمع، او الاستلاب، أو من عدم التحقق وغيرها من مشكلات تجعلهم يعانون؟

. 3 كيف يتم تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، وهل هناك بعض المبالغة في تصوير تلك المعاناة؟

4 . هل تكتفي بعض الروايات برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج؟

إطلاق العنان للشخصيات..

يقول الكانب الكردي السوري “ابراهيم اليوسف”: “لا يمكن لنا حصر الرواية ضمن أي إطار محدد، من خلال مضمونها، إذ إن عوالم الروايات متعددة، مختلفة، فمنها تلك التي تتناول القضايا الكبرى وهناك في المقابل تلك الروايات التي ترصد معاناة محددة، لفرد أو مجتمع، كما إننا نجد الرواية التي تهيمن عليها التفاصيل اليومية للروائي، سواء أكان ذلك بشكل صريح أو مباشر أو على نحو موارب وغير مباشر.

ومن الطبيعي أنه بعد الثورات التي سميت ب الربيع العربي أو الثورات الشعبية في المنطقة فإن هناك من رصدوا وقائع هذه الثورات من داخل مهادها أو من خارجها، ويتم الحديث عن حوالي ألفي رواية سورية بحسب الروائي نبيل سليمان صدرت لكتاب سوريين، خلال عقد ونيف من الثورة والحرب في سوريا.

وطبيعي أن روايات قليلة منها حظيت بالاهتمام لأكثر من سبب، ولعل روايات جديرة تم إهمالها وأن هناك روايات لا ترتقي إلى تلك السوية لم تتم قراءتها، بالشكل المطلوب.

ثمة أمر واحد يمكن الاتفاق عليه وهو أننا نمر في أزمة شديدة، نتيجة السياسات التي تحكمت بمصائر أبناء المنطقة منذ بضعة عقود، إذ إن الدكتاتورية والعقل الاستبدادي وإلغاء الآخر، وعدم معالجة القضايا الكبرى العالقة نتيجة الخرائط المستحدثة في المنطقة قد أدت إلى حالة احتقان في المنطقة، كانت لها نتائج واضحة من التفكك والضياع، بما في ذلك غربة الفرد واغترابه وهو في مهاده، ناهيك عن الهجرة بأشكالها، وهي جميعها انعكست في أعمال روائية تقل أو تكثر، نتيجة دوافع وظروف محددة”.

وعن هل الشخصيات والأبطال في الروايات العربية أبطال اشكاليون يعانون من الاغتراب عن المجتمع، او الاستلاب، أو من عدم التحقق وغيرها من مشكلات تجعلهم يعانون: “نحن هنا أمام سؤال شائك، إذ لا يمكن إطلاق حكم توصيفي لشخصيات الرواية، ومن ثم تعميمها. أجل هناك شخصيات إشكالية عانت من ظروف عديدة، بسبب سلطة الأسرة أو المجتمع أو النظام، وثمة تفصيلات للعلاقة بين هذه السلطات، بتدرجاتها، وتداخلاتها، وتبادل التأثير فيما بينها، ومدى فعالية دور سلطة النظام أياً كان.

من هنا فإن تأثيرات هذه الدوائر المتداخلة وغيرها تنعكس على الفرد الذي قد يكون ضحية أحدها، على نحو أشد، بما لا ينفصل عن التأثيرات الأخرى، إذ نحتاج إلى مسرد دقيق لروايات مرحلة زمنية محددة، واستقراء واقع شخصياتها وتقويمها، ولربما إن الوقت مبكر، أو إن غياب النقد الحقيقي في الوقت الذي نحتاج فيه إلى ورشات عمل نقدية منتظمة لكل حقل إبداعي على حدة وراء عدم قدرتنا على القيام بأي فرز دقيق في هذا المجال”.

وعن كيف يتم تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، وهل هناك بعض المبالغة في تصوير تلك المعاناة يقول: “تتعلق عملية تصوير ورصد المعاناة بعوامل عدة، ذاتية و موضوعية، إذ إن لإمكانات الروائي في مجال سبر شخصياته دوراً مهماً، بالإضافة إلى مدى خبرته وتجربته، من دون أن ننسى أننا قد نجد ضمن عمل روائي ما نجاح الروائي في رصد معاناة شخصية ما، وعدم ارتقاء رسم ورصد معاناة شخصية أخرى، خلال مجمل تجربته الكتابية أو ضمن العمل الروائي الواحد، أما فيما يتعلق بالمبالغة فإن الحديث في هذا الجانب يحيلنا إلى: المعيار المعتمد عليه، إذ لا ينظر إلى المبالغة إلا ضمن الإطار الفني الجمالي، وليس من خلال المنظار الواقعي، كما أرى”.

وعن هل تكتفي بعض الروايات برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج يقول: “تتباين الآراء هنا على أي حال، ولعلنا الآن أمام إشكالية تتعلق برؤية الروائي في صياغة الحلول، وهل هذا ناجم عن حالة صحية أم هو نتاج تسلط على النص الروائي، لاسيما إذا أدركنا أن المختبر الروائي الحقيقي هو الذي يطلق العنان للشخصيات تمارس لعبتها، من دون تسلط ورسم خارجيين، تبعاً لرؤى مسبقة، هي رؤى الروائي”.

شخصيات يابسة بلا روح..

ويقول الكاتب العراقي “علي عبد النبي الزيدي”: “الروائي العربي ابن واقع مأزوم على طول خط سيره، أو هو شاهد عيان على ما يحدث.. خاصة في مناطق الصراع الدموية التي ما زال جحيمها مستعراً في بعض البلدان العربية الى الآن، لذلك هو يحاول قراءة هذه الصراعات روائياً، ويسجل مواقفه بوصفه الشاهد الذي رأى وعاش كل شيء، وربما هو هنا ينطلق من معاناة شخصية في بعض الأعمال الروائية، ولكنها بتقديري خارجة من عباءة الواقع السياسي والاقتصادي بطريقة وأخرى.

فنحن عربياً تتحكم بحياتنا السياسة بشكل عنيف، وتصنع الخط البياني لسير أعمارنا وطريقة عيشنا، لذلك الأعمال الروائية لا تخرج عن كونها وثائق ابداعية تدوِّن ما حدث ولكن بوجهات نظر تختلف الى حد ما عن اليومي بشكله المعروف أو الفوتوغرافي.

وبالضرورة أجد عربياً هناك أسواقاً من الأحداث الكبيرة التي أثرت ببنية الرواية في مصر منذ عقود طويلة من الزمن مثلاً، وفي العراق، خاصة واقع ما بعد 2003 الذي صار مصدر إلهام للروائيين العراقيين الذين سجلوا من خلال أعمالهم الروائية الجحيم اليومي، خاصة مواضيع الإرهاب والمشهد السياسي الجديد الذي راح هو الاخر يخرج أنيابه الحادة ليكون امتداداً للدكتاتوريات التي سبقته”.

وعن هل الشخصيات والأبطال في الروايات العربية أبطال اشكاليون يعانون من الاغتراب عن المجتمع، أو الاستلاب، أو من عدم التحقق وغيرها من مشكلات تجعلهم يعانون يقول: “بالضرورة الشخصية العربية روائياً مستلبة ومقموعة نتيجة لسقوطها في فرن السياسة المهيمن، لذلك هي شخصية مختلفة عن واقعها وتشعر بعزلة كبيرة في حياة اجتماعية تغيرت كثيراً، وصارت يابسة بلا روح، خاصة الشخصيات التي عاشت في ماضٍ أكثر حميمية وجمالاً واخلاقاً من واقعهم اليوم. وقد تأثرت الشخصية الروائية كثيراً في الأحداث الكبرى، ففي مصر تصدَّرت عشرات الأعمال الروائية تغيير النظام السياسي في ثورة الشباب التي انطلق من ساحة الميدان بما يسمى الربيع العربي، والمفارقة برزت تسمية رواية ما بعد الثورة، مثلما برزت التسمية في العراق بالرواية ما بعد 2003، أي ما بعد الاحتلال الامريكي، وبعدها الرواية ما بعد ثورة تشرين 2020.

وهكذا نجد الشخصية تنتقل من حدث مؤثر في حياتها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً الى حدث آخر مختلفاً، تعيش معه فعل التغيير باتجاه حياة أفضل، ولكنها تعيش الصدمة عندما تجد أن هذه الثورة قادها الشباب وسرق بهجتها النائم إلى الظهر وقد أحرقت أقدامه شمس الخمول والجبن، وهو حدث قار حدث في العراق أيضاً، خاصة في ثورة تشرين، ومن هنا يكمن فعل معاناة شخصية البطل في الرواية الذي يجد نفسه بين مد السياسة وجزر الخذلان”.

وعن كيف يتم تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، وهل هناك بعض المبالغة في تصوير تلك المعاناة يقول: “أولاً لابد من اختيار شخصية درامية مختلفة عن الشخصيات العادية في المجتمع من ناحية الوعي والتفكير والثقافة والقدرة على فحص الأحداث، وقد وقعت في صلب أزمةٍ ما خلقتها الرواية، وأزعم.

تبدأ المعاناة من لحظة اشعال فتيل حدث هامٍ يؤثر في بنية الشخصية التي تجد نفسها تعيش الحيرة والارتباك والقلق في مجتمعها، فالعائد من الهجرة القسرية إلى بلده بعد سنوات طويلة في الغربة كنموذج للأمثلة، نجده قد عاد وفي رأسه قاموس من المفردات القديمة التي كانت سائدة اجتماعياً وأخلاقياً، ولكن يجد أن هذا القاموس لم يعد له أيّ وجودٍ يذكر، مع حياة اختلفت تماماً، وتهدَّمت فيها القيم والمثل والنبل الانساني وسواها.

حتى الأمكن تهدَّمت هي الأخرى والتي كانت له ذكريات جميلة فيها، لذلك هو عائد من غربة طويلة في منفاه، إلى منفى وطنه، وغربة جديدة هي أقسى بكثير من غربته في وطن بعيد عاشه فيه بشكل قسري، تلك الصدمة الجديدة هي اللحظة الدرامية المهمة التي تشكّل لنا متناً روائياً بفضل وجود شخصية إشكالية عادت من الغربة إلى غربة أخرى، ومن هنا. حتى المبالغة في معاناة الشخصية يفترض أن تكون متوازنة مع الحدث، أي لا تخرج عن سياقه لتكون مقنعة، ولكن لها وجهات نظر مختلفة، وتجرَّنا من أزمة إلى أزمة أخرى”.

وعن هل تكتفي بعض الروايات برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج يقول: “معاناة الجماعة هي بالأصل معاناة أفراد كانوا يعيشون تحت خط من المعاناة والألم والذكريات الموجعة، ولكلِّ فردٍ منهم قصته التي يتفرَّد بها، ولا أجد أن مهمة الرواية، أو أي جنس أدبي آخر إيجاد حلول ما، أو فتح الآفاق لحدثٍ سعيدٍ قادم، ويصنع لنا قارئاً مخدراً لا يفكر أبداً، فأعظم الأعمال الروائية عربياً وعالمياً. هي تلك التي تترك لنا الأبواب مشرعة من الأفكار والنهايات التي يشارك في صنعها القارئ، الذي يخلق لنفسه نهاية وفق تفكيره ووعيه ومزاجه، أي تتاح له التشاركية في الحدث، خاصة تلك التي تتناول واحدة من القضايا الساخنة التي تعيش الشعوب معاناتها”.

 

 

 

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة