الأحزاب في العراق قبل 2003 كانت محدودة ، ومعروفة من حيث اسمائها وتاريخها وأيديولوجياتها ،ولكن بعد الاحتلال لغاية نهاية (2023) وصلت إلى( 316 ) منها (261 ) مجازة رسميا و(55) قيد التأسيس حسب ما معلن من قبل دائرة الأحزاب في المفوضية العليا للانتخابات، هذه الأحزاب هي عبارة عن دكاكين تجارية هدفها الدخول إلى الانتخابات للحصول على المناصب الحيوية وسرقة المال العام على حساب العراق وأهله ، جميع هذه الأحزاب تفتقد للهيكلة والبرامج ، وتكاثرت مثل الخلايا السرطانية ، لغياب الحوكمة والمسائلة والتقييم والدافع الوطني ، مصادرها المالية غير خاضعة للرقابة رغم وضوح المادة (33) من قانون الأحزاب رقم 36 لسنة (2015)، التي حصرت مصادر تمويل الاحزاب بالاشتراكات الداخلية والتبرعات والاستثمارات الداخلية, وإنها اشترطت الإعلان عن كل موارد الحزب في جريدة الحزب والتصريح بها أمام ديوان الرقابة المالية في تقريرها السنوي الذي يفترض رفعه لمجلسي النواب والوزراء ودائرة الاحزاب. كما أنها منعت من السماح للتمويل الخارجي المادة (37/ثانياً). من جانب آخر منعت الاحزاب من استغلال نفوذها في مؤسسات الدولة وشركاتها المادة (37/أولاً) أو ممارسة أي نشاط سياسي في الدوائر الحكومية والمؤسسات العامة واستغلالها لتحقيق مكاسب حزبية او سياسية المادة (24/خامساً ), كما حظرت من التنظيم والاستقطاب الحزبي في صفوف الجيش والمؤسسات الأمنية الاخرى والقضاء والهيئات المستقلة المادة (25/رابعاً).وجميع هذه الأحزاب تخالف ما ورد في النصوص القانونية أعلاه.
زعماء أحزاب ائتلاف إدارة الدولة هم حيتان الفساد ومعاول تهديم العراق دون استثناء، وأحزابهم الدكاكين موجودة في البرلمان ومجالس المحافظات الفاسدة ، وهي نفسها من تترأس الدولة العميقة صاحبة القرار الأول سياسيا واقتصاديا وأمنيا وعسكريا خاصة الإطارية. ورغم منع قانون الأحزاب من تشكيل أذرع ميليشياوية مرتبطة بالأحزاب ، إلى أن جميعها لها اجنحة مسلحة تمارس العنف ضد المواطن والدولة ، وهي تمثل الأداة التنفيذية للمشروع الإيراني في العراق .
كما أن الأحزاب الرئيسية بمختلف مشاربها ” تلد ” أحزاباً جديدة في كل موسم انتخابي برلماني أو محلي لعدم مغادرة السلطة، واستمرار تدفق المال العام عليها، من خلال المشاريع الوهمية ، والعقود الفاسدة ، إلى أن أوصلت البلد عما هو عليه الآن.
وبين فترة وأخرى تقوم ميليشيات هذه الأحزاب في بغداد وباقي المدن الأخرى باستعراضات عسكرية ، واحيانا التصادم مع القوات النظامية ، التي أصبحت من الظواهر الواضحة لحكومات التبعية ، بسبب الصراع المستمر على النفوذ ، وليس من أجل المصلحة الوطنية ، وجميعها تشترك في “الخيانة ، اللصوصية ، تكريس التخلف ، اضعاف البلد” لخدمة الأجندة الخارجية.
هذه ليست أحزاب بناء ، بل مافيات ، ومقاطعة 80% من الشعب العراقي لانتخابات مجالس المحافظات لعام(2023) دليل على الرفض الجماهيري لها، لأنها السبب الرئيسي في الوضع المأساوي للبلاد جراء النظام السياسي الطائفي التحاصصي الميليشياوي، وكذلك غياب قوة القانون.
مخطئ من يدعي إصلاح الوضع العراقي أو حتى إجراء تغيير بوجود هذا النظام من خلال الانتخابات التي تشرف عليها نفس الأحزاب الفاسدة المتمسكة بالسلطة والتي اعتادت على استغلال الانتخابات لصالحها وتمرير مخططاتها وقتل ابسط احلام المواطن، فهي تتعامل مع الديموقراطية بطريقة انتقائية، تؤمن بالانتخابات ولكنها لا تؤمن بالحقوق والحريات التي تندرج ضمن مبادئ الديموقراطية .
دون إصلاح النظام الحزبي لايمكن إصلاح النظام السياسي، وإنتاج حكومات متجانسة وقوية وفعالة. وأنتأخر إعلان موت هذه الأحزاب الفاسدة ليس بسبب قوتها ، وإنما لعدم توفر البديل لكي يفرض نفسه، ومن هذا المنطلق يجب أن يعي العراقيون خطورة الوضع في وطنهم ويرفضوا التعامل مع السلطة المتحايلة ويحرصوا على التغيير الجذري وتشكيل حكومة وطنية من كفاءات الداخل والخارج ،والبداية من الاعتصام السلمي.