المستقبل ليس من ضرب الغيب , وإنما حالة قائمة ومتحققة بسلوك متراكم متواصل عبر الأجيال , وهو من صنع أدوات أبعاد الزمن كافة , بما تختزنه من الطاقات والقدرات والإرادات التي مصدرها الوطن والإنسان.
المستقبل ما نقدمه كل يوم , فإن كان سيئا فأنه سيصنع مستقبلا أسوأ , والعكس صحيح.
وعناصر المستقبل الأساسية تكمن في الطفولة , فإذا توفر فيها الإعداد المعرفي والعلمي والإنساني الصائب , فأنها ستكون واعدة بالمستجدات الإيجابية ومتدفقة بإرادة البناء والتقدم والنماء , وإذا فقدت الطفولة مقومات رعايتها فأن المستقبل سيكون مجهولا ومضطربا.
ولهذا فأن المجتمعات القوية تهتم أيما إهتمام بالطفولة ورعايتها , وفقا لمعطيات الحاضر ومتطلبات المستقبل , فتهتم بتنشئة أبنائها منذ الولادة , بتوفير الأسباب اللازمة لتربية صالحة نافعة , تؤهلهم للنجاح في المستقبل وقيادة المجتمع بمهارة وإقتدار.
ومن أهم مرتكزات التربية المدرسة المعاصرة , لأنها لبنة المستقبل الأساسية , وبدونها لا يمكن للمستقبل أن يعيش منيرا.
ولهذا لا تجد في المجتمعات القوية مدرسة متخلفة بمعمرانها أو بموادها الدراسية , وإنما تستوفي المدارس أرقى شروط العمارة المتجددة وتتوفر فيها وسائل الوثوب نحو آفاق المستقبل الأفضل.
ويمكن معرفة قوة المجتمعات من مقارنة إهتمامها العمراني والتعليمي بمدارسها , فإذا كانت خرائب وصرائف فاقرأ الفاتحة على مستقبل تلك المجتمعات , وإن وجدتها زاهية العمران وغنية بقدرات التعليم المعاصرة , فأنك تستبشر خيرا وقوة بمستقبلها.
وما يتحقق في بعض المجتمعات تدمير للمستقبل وإلغائه , ومحاولة دحر الأجيال في أنفاق ماضوية مظلمة , وتنشئة الأطفال في مدارس قاسية في بنائها وأساليب ووسائل تعليمها , مما يتسبب بصناعة كراهية للوطن والعلم والمعرفة والحياة.
وفي هذا إرتكاب جريمة حضارية وإنسانية بحق الأجيال الصاعدة , التي تريد فرصتها للتعبير عن طاقاتها الإبداعية والفكرية والعلمية والثقافية.
وبهذا فأن هذه المجتمعات تقتل مستقبلها , وتمنع أجيالها هواء الحياة الحرة الكريمة.