21 سبتمبر، 2024 5:00 م
Search
Close this search box.

“حفلة في عيد رأس السنة”.. قصة قصيرة

“حفلة في عيد رأس السنة”.. قصة قصيرة

بقلم: أمين الساطي 

 انهيار الليرة اللبنانية دفع الواحد منا إلى الاستغناء عن كثيرٍ من الكماليات التي كنا بالماضي نتصورها من الضروريات. لذلك قررت مع جاري أن نقيم حفلة عيد رأس السنة في بيته، واشترطت عليه أن أحضر معي قنينة العرق وبعض المازة اللبنانية المتوافرة في بيتنا، وذلك لنتقاسم تكاليف هذه السهرة.

وصلت إلى بيته مع زوجتي هيفاء، كانت الساعة بحدود العاشرة، أن تمزمز العرق مع الماء والمقبلات متعة لا يعرفها سوى اللبنانيين، نخلطه مع الماء ونشربه بتمهّل، فما زال هناك أكثر من ساعتين على قدوم السنة الجديدة.

 الساعة الآن تجاوزت الحادية عشرة، وبدأ العد العكسي لنهاية عام ألفين وثلاثة وعشرين. خيّم نوعٌ من الهدوء على جلستنا، بسبب الجوّ البارد والشعور بالكآبة من الأحوال التي وصلنا إليها في هذه السنة، أو لعله بتأثير مفعول الكحول.  قاطعت زوجة جاري السكوت المهيمن علينا قائلة: ما رأيكم باستحضار روحٍ عزيزةٍ على أيّ واحد منكم؟ لتخبرنا عن الأوضاع التي تنتظرنا في عام ألفين وأربعة وعشرين. في بادئ الأمر، بدت لي هذه الفكرة جنونية، لكن زوجتي تحمّست لها، فوجدت نفسي مضطراً إلى مسايرتها. تابعت زوجة جاري حديثها، بأنها وسيطة روحية متميزة، لها خبرة في التحدث مع الأرواح، ولقد قامت عدة مرات بإدارة جلسات لتحضير الأرواح.

 التفتت جارتنا إلى زوجتي: ما رأيك بأن تقترحي علينا اسم الشخص الذي تودين استحضار روحه؟ ولما كانت زوجتي متعلقة بوالدها الذي توفي منذ سنتين بمرض السرطان، فلم تتردّد ولو للحظة واحدة، لكي تطلب منها أن تحضر روح أبيها.

 جلسنا حول الطاولة الموجودة في منتصف الغرفة، وضعت الوسيطة عدة أرغفة من الخبز على الطاولة لجذب الروح، كما أشعلت أربع شمعات لتمثلنا نحن الأربعة، ثم أطفأت جميع الأنوار في البيت، فأصبح الضوء خافتاً بالغرفة. باشرنا الطقوس بأن أمسكنا بأيدي بعضنا بعضاً، بدأت الوسيطة بمناداة روح والد زوجتي؛ عزيزنا أبو هيفاء، ابنتك الجميلة جالسة معنا، جئنا إليك بالهدايا من الحياة إلى الموت، تواصل معنا من أجل ابنتك المشتاقة إلى سماع أخبارك، لم تكد تنتهي جملتها، حتى بدت عليها علامات الذعر، وتوسعت حدقة عينيها، وأخذت بالتعرّق والارتعاش، فجأة انتابتها حركات عشوائية، وكأنها تقاوم جسماً غريباً يحاول أن يتلبسها.

حاولنا نحن الثلاثة أن نحافظ على هدوئنا، ونتحكم في أعصابنا، ثم جاء دور زوجتي فسألت أباها: ماذا تتوقع أن ينتظرنا في العام القادم؟ بغتةً تغيّر وجه الوسيطة، فأخذت تختلج، وخرج الزبد من فمها، وتغيّر صوتها، فأصبح أكثر خشونة فأجابت: إنه عام سيّئ للغاية. فالرقم ألفين هو رقم ملعون يشير إلى وجود الله خالق هذا الكون مع الشيطان الذي يحاول أن يفسد ما خلقه الله، أما الرقم صفر فهو يعني التلاشي ونهاية كل شيء، وتكرار الرقم اثنين يؤكد قطعياً شؤمَ هذه السنة، أما الرقم أربعة فهو رقم روحي يدعو الإنسان إلى ضرورة العودة إلى أعماق ذاته، ليتمكن من الصبر على هذه المصيبة التي بانتظاره. 

دبّ الذعر في نفوس جميع الموجودين، وقمنا فوراً بفصل أيادينا عن بعضنا، ثم جرى إطفاء الشموع وإنارة ضوء الغرفة، غير مبالين بتحذيرات الوسيطة بأنه يجب أن نصرف الروح قبل إنهاء الجلسة. المفاجأة كانت عندما عاد الضوء، وجدنا خربشة باللون الأحمر مطبوعة تحت الساعة المعلقة على الحائط بشكل تعويذة كلماتها مكتوبة بحروف اللغة الصينية، تركتنا مشلولين من الخوف. نظرت إلى الساعة فكانت تشير إلى الثانية عشرة ودقيقة واحدة، معلنةً أننا قد دخلنا العام الجديد.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة