منذ ان طبعت رواية عيناها عام 1952 في ايران للكاتب الإيراني بزرك علوي وهي مثار حديث النقاد واستمرارها تحقيق للمبيعات, حتى بعد 71 سنة لما تحمله من أفكار وقيم مهمة, ولما تمثله من خصوصية في الأدب الايراني المعاصر, والرواية تتمحور حول قصة حب والأحداث السياسية في تلك الفترة في البيئة الطهرانية حيث التيارات السياسية والثقافية المختلفة, وتنوع الطبقات الاجتماعية, في زمن استبداد الشاه, والأحداث الكبيرة المتسارعة آنذاك والتي كانت البذرة لما عليه الان المجتمع الايراني, بعد صراع كبير مع نظام الحكم الوراثي ذو التوجهات الغربية.
· طريقة السرد
يعتمد الكاتب على صوتين للسرد في هذه الرواية, الصوت الاول هو الراوي العارف بكل شيء وهو (ناظم المدرسة) والذي في البداية طرح سؤال عن سر ورمز لوحة تحمل اسم الرواية للرسام (ماكان), والصوت الثاني في السرد يعود للبطلة (فرنكيس), حيث كان رواية تتحدث عن المرأة مما أعطاها ميزة مهمة, فهي رواية تخص المراة وكتبت بقلم رجل, حتى وإن كان في النهاية من يستحق المديح والتبجيل هو الرجل, فالمراة هي الاسطورة في الرواية, فهي التي تضحي بنفسها وتتحطم حياتها في سبيل نجاة حبيبها.
وعلى الرغم من ان بطلة القصة هي امراة ( فرنكيس), لكن اشتهرت الرواية باعتبارها رواية عن (رجل) مناضل يكافح الاستبداد والدكتاتورية.
وهنا يستشعر القارئ الواعي قدرة الكاتب العميقة في كتابة بلسان امراة, قصة حبها, وعن مشاعرها واحاسيسها وافكارها, والتنقل مع فارق الزمن بين البطلة الشابة العاشقة المتوهجة, ثم السيدة الاربعينية الخاسرة لاغلب معاركها في الحياة.
· تشابه موضوعي
لا يغيب عن المتابع التشابه بين حياة الكتاب والبيئة التي نشأ فيها, وبين بيئة شخصية بطلة روايته التي يجب ان تكون مرفهة ماديا وتعليما في أوروبا, فهذا يجتاج لأدوات وفهم واسع, قبل الشروع في الكتابة وهذا ما ظهر, مما يؤكد المقدرة الكبيرة للكتاب, والكاتب بزرك والشخصية فرنكيس كلاهما نشأ من بيئة مترفة ومتعلمة, وكلاهما قدم تضحيات كبيرة في سبيل حركة النضال اليساري في ايران في تلك الفترة من حكم الشاه.
حيث يمكن القول أن الكاتب علوي اقتبس من حياته الشخصية في هذه الرواية, وكان مبدعاً في إضافاته وتلميحاته.
· نضال الأغنياء غير مقنع
الرواية طرحت فكرة المناضل من اسرة غنية مرفهة! وهو قد يكون غير مقنع, خصوصا ان الطبقة المترفة عموما كانت مع حكم الشاه وبقاء نظامه, لان مصالحهم مرتبطة باستمرار حكمه, وأي تغيير يجعل مستقبلهم غير واضح, لكن من يقرا حياة الروائي بزرك علوي يفهم الامر جيدا, فهو احد مؤسسي حزب توده اليساري في ايران, وقد ناضل من اجله مبتعدا حتى عن الأدب في كثير من فترات حياته, وهاجر عن ايران ليخسر الكثير, واظهر في النهاية اسفه عن تلك الرحلة والمرحلة بل حتى عن بعض اصدقائه الذين ضحى من أجلهم.
لذلك جاء خط الرواية مرسوم بعناية ليعبر عن الكاتب, فالبطلة غنية مرفهة كما هو الكاتب علوي, وتحصل على كل ما تريد, لكنها تحب رسام (ماكان) وترغب في البداية بجذبه لكنه لا يعيرها اي اهتمام, وتصمم على القبض على قلبه, فتتحول الى مناضلة وتنخرط في صفوف حركته, فيرحب بها لانها دخلت عالمه, ويعطيها كل الاهتمام, ثم تصبح لمجرد اداة بيد المناضل لتنفيذ مهماته, هي هدفها الحب وهو هدفه استغلالها لتنفيذ النضال.
وهنا ينجح الكاتب علوي في تحريك القارئ ضد المناضل ويجعله يصرخ بالبطلة فرنكيس قالا لها: توقفي فانت مجرد اداة لهذا الاناني… حيث يتعاطف القارئ مع الفتاة التي تمثل الطبقة الغنية والتي يتم استغلالها من قبل المناضلين دون ان يظهروا لها اي احترام او تقدير او ثقة.
· الحب والمرأة
الحب يختلف من الرجل الى المراة كلا يعبر عنه بشكل مختلف ومن زاوية مغايرة,
وينجح الكاتب علوي في تصوير هذا الاختلاف، وكيف تفكر المرأة وما تقدمه وما تنتظره في الحب، في المقابل ما يفكر به الرجل وبما يريد من المرأة في الحب. هذا التصوير الواقعي لم يحظَ بإعجاب الكثير من النقاد، فقد اعتبروا رؤية علوي للمرأة سلبيةً كبقية أقرانه من كتاب في تلك الفترة، لاسيما حين يصور أنانيّتها بتملّك المناضل، فيما يجيب هو أنه لا يرغب بالسعادة الفردية بل يبحث عن النوع الشعبي منها.
وقد صوّر الكاتب بزرك علوي الواقعية بشكل جيد، فيما يمكن لمناضلٍ محروم أن يفعله أمام سيدةٍ حسناء غنية، فهو استغل مالها وجمالها وجسدها أيضاً، طبعاً لصالح القضية، أما هي كعاشقةٍ فقدمت عُمرها لأجله لتنقذه من الموت المحتم في السجون.
· الرمزية في الرواية
رمزية الشخصيات في رواية “عيناها” ذكيةُ جداً مثلا الرسام المناضل لم يفهم الشابة العاشقة أبداً فرسم عيناها كأنهما فخٌ له, هكذا عبر الكاتب بشكل رمزي لرؤية البطل للعاشقة! ولتعقد الأحداث كان يجب استخدام الرمزية أحيانا, أما واقعية بعض الأحداث والتواريخ التي مرت بها طهران وتم نقلها بين سطور الرواية, فهي أيضاً قيمةٌ مضافة للرواية المكتوبة بقلم أحد المناضلين والأدباء المميزين في القرن العشرين. من دون شكٍ فإن رواية “عيناها” من أفضل الأعمال الأدبية المعاصرة في إيران, ولا بد لقراءتها من المرور على تاريخ حقبةٍ مميزةٍ من نضالِ اليساريين في إيران وخسائرهم لاحقاً.
· سيرة حياة الكاتب
بزرك علوي ولد في عام 1904 في طهران, وهو روائي وكاتب وسياسي إيراني شهير. من مؤسسي حزب توده الإيراني في أربعينيات القرن الماضي, ويعتبر من أشهر الكُتاب اليساريين الإيرانيين, ويشتهر بروايته (عيناها) التي تحكي قصة أبناء إيران في ظل حكم الشاه, وكان والده –أبو الحسن- ثوريا شارك في الثورة الدستورية في بدايات القرن العشرين، وكان جده عضوا في البرلمان.
وفي عام 1923 بُعِث الكاتب مع أخيه «مرتضى» إلى ألمانيا لاستكمال تعليمهما, وعاد إلى إيران بعد التخرج في بدايات الثلاثينات، وبدأ التدريس في (شيراز), وخلال إقامته بألمانيا اطلع على الأدب والشعر الأوربى، وبدأ في ترجمة كتبا مشهورة إلى الفارسية.
تم إلقاء القبض عليه عام 1937 لانتهاك القانون المضاد للشيوعية, وقد ظل في السجن حتى احتلال التحالف لإيران في خريف عام 1941, وقد قبض عليه وحُكِم بالسجن لمدة سبع سنوات.
وفي الحرب العالمية الثانية، كان «علوى» واحدا من مؤسسي حزب (توده) الشيوعى بإيران, وحرر جريدة الحزب «مردم». وفي عام 1952 نشر «علوى» أشهر كتاب له وهي رواية بعنوان (عيناها), ومجموعة قصصية عنوانها (الرسائل وقصص أخرى)… وتوفي الكاتب في عام 1997 في مدينة برلين، في ألمانيا إثر نوبة قلبية.