21 سبتمبر، 2024 5:09 م
Search
Close this search box.

الرواية والمعاناة (8).. ما يكتبه الكاتب بدم معاناته الإبداعية يدفن في ركام الانهيارات

الرواية والمعاناة (8).. ما يكتبه الكاتب بدم معاناته الإبداعية يدفن في ركام الانهيارات

خاص: إعداد- سماح عادل

قبل التساؤل عن تصوير الرواية للمعاناة، علينا أن نتساءل هل تعاني الرواية في مجتمعاتنا، وكيف تعاني، وهل تتمثل معاناة الرواية في محاولة تحييدها وإبعادها عن دورها التنويري أو في وجود استقطاب للكتابة الرديئة وتعمية وتجاهل وتهميش للكتابات العميقة التي تحفر في داخل المجتمعات وهمومها وقضاياها، وهل يعاني الروائي نفسه من مشكلات حتي يستطيع الكتابة من الأساس وتوصيل نصوصه للعلن؟.
هذا الملف تجيب عنه مجموعة من الكاتبات والكتاب من مختلف البلدان العربية، وقد طرحنا عليهم الأسئلة التالية:
. 1 هل الرواية العربية في الوقت الحالي تصدر من المعاناة، سواء من الحروب والصراعات، أو من ظروف المجتمعات التي أصبحت مأزومة، أو من معاناة الكاتب التي يصورها علي الورق كمعاناة فردية؟
. 2 هل الشخصيات والأبطال في الروايات العربية أبطال اشكاليون يعانون من الاغتراب عن المجتمع، او الاستلاب، أو من عدم التحقق وغيرها من مشكلات تجعلهم يعانون؟
. 3 كيف يتم تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، وهل هناك بعض المبالغة في تصوير تلك المعاناة؟
. 4هل تكتفي بعض الروايات برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج؟
المبالغة شرط إبداعي..
يقول الصحفي والكاتب الليبي “عبد العزيز الوصلي”: “كل معاناة جمعية هي معاناة فردية بطبيعة الحال، دون أن يكون العكس صحيحاً بالضرورة لكن الكتابة والسرد بوجه خاص في الحالتين يبقى متصلاً بفكرة النفس البشرية في إطار حراك مجتمعي ضاق أو أتسع، فقيمة السرد تتحدد بقيمة حياة الناس وما يعيشونه من ظروف خاصة ومشتركة في آن معاً، بغض النظر عن طبيعة تلك الظروف سواء كانت معاناة أو كانت محاولات خروج عن النمطي وخلق الوعي به؛ فالرواية مرتبطة وجودياً بأسئلة الإنسان التي تتبدل ولا تتوقف. ”
وعن هل الشخصيات والأبطال في الروايات العربية أبطال إشكاليون يعانون من الاغتراب عن المجتمع، أو الاستلاب، أو من عدم التحقق وغيرها من مشكلات تجعلهم يعانون يقول: “المبدع ابن بيئته، فالرواية منذ نهضتها في روسيا زمن الاتحاد السوفييتي، مرورا بأوروبا الشرقية إلى الغربية، وصولاً إلى أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا كانت تعبر فلسفياً زمنيا ومكانياً عن هواجس محددة تحكمها ظروف يمكن وصفها بالمعاناة الجمعية، أو السمات المجتمعية الأبرز صحية كانت أو غير صحية.
فلا فكاك لمبدع عن ظروف البيئة والمجتمع بكل مكوناته، وبالحديث عن السارد العربي وأبطاله هنا لا يمكننا الفصل بين خيال المبدع وأدواته وبين واقع عربي مأزوم منذ جيل المؤسسين الكبار ومحطات السرد العربي الفارقة وعلى رأسها نجيب محفوظ، وكل محاولة للنأي عن هذا الواقع سرديا ستسجل كحالة فصامية عن واقع الغوص في ظروفه وسماته بحد ذاته شرطاً إبداعيا بغيابه يسقط السرد في فخ الابتذال وتقليد الآخر”.
وعن كيفية تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، وهل هناك بعض المبالغة في تصوير تلك المعاناة يقول: “المبالغة شرط إبداعي عامة وفي مجال السرد خاصة، فالرواية ليست تأريخاً لكنها شكل من أشكال الوعي بالتاريخ والحاضر وربما المستقبل أيضاً، فخيال الراوي وقدرته التصويرية هما الفارق في مدى نجاح عملية إعادة تدوير ما يجري في زمن ومكان ما، لشخوص ما من معاناة فردية أو جماعية فجمهور الرواية لا يبحث عن حقائق مجردة توفرها مصادر أخرى بقدر ما يبحث عن معالجة درامية وفلسفية لهمّ مجتمعي ما، بأسلوب قصصي ولغوي جذاب وإن أخذت تلك المعاجلة شكل الخيال المحض”.
وعن اكتفاء بعض الروايات برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج يقول: “في رأيي الراوي لا يمتلك سلطة تقديم الحلول ولا يجب أن يحاول حتى، فالراوي بخياله وأدواته الفريدة يحاول وصف الحقيقة لا نقلها أو اختراعها أو خلق حلول لترميم ما يتخلل مادته السردية، المجتمع، من هانات فالراوي يثير الأسئلة ولا يُعني بالإجابة عليها فالراوي شاهد على الأحداث لا مشارك فيها، ومن بين ذلك الصراع بين بقية المجتمع والسلطة كما شهدته منطقتنا العربية، الربيع العربي، وتبعاته، وما تسبب في إعادة تحديد كثير من المفاهيم والمواقف بين القارئ والراوي أو المبدع العربي عامة حين حاول بعض المبدعين أخذ أدوار ليست من ضمن مهامهم الطبيعية، وما يزال الجدال حول بعضهم قائماً ومازالت الاتهامات لأكثرهم طازجة تتجدد في كل مناسبة، وهنا لا أقول إنه يجب على المبدع التزام الصمت أو الحياد فالحياد موقف في حد ذاته”.
فوضى ذاتية وتهريج جماعي..
ويقول الكاتب والروائي السوداني “عمر الصايم”: “”المعاناة والرواية” هذا عنوان غاية في الذكاء، فتقديم المعاناة وجوباً لكونها الواقع الماثل، والرواية محض فن متخيل.. فنٌ يسعي لمعالجة الواقع ونظمه جمالياً. حالياً ومع انفجار السرد الروائي اتسع الرتق بين المعاناة والرواية، معاناة الكاتب على وجه التحديد، تلك المعاناة التي يكابدها كُتاب مثل نجيب محفوظ، الطيب صالح.. وغيرهم، وتدفعهم إلى العزلة وتجويد الكتاب.
الآن حدث استسهال للفن الروائي، مع نضوب المعاناة والمكابدة الإبداعية. حالياً الرواية كتابة المترفين في الوقت، مَن يقدرون على استقطاع الزمن لمصلحة الكتابة الراتبة والاحترافية، بغض الطرف عن عمقها وإبداعها، وعمًا إذا كانت تقدم حلول أو معالجات او متعة فنية؛ ولذلك تصدر في المكتبة العربية روايات غُثاء زبدها طافح، يتلقفها جمهور الميديا ويروج لها مع المروِّج الأعظم كاتبها ذي الأوقات الوردية.. بحقِّ السماء أي معاناة في ذلك؟! والكاتب يقف منافحاً عن عمله في فيسبوك، يشمخ في منصّات الجوائز لاقمًا بحجر كل من يتحدث بسوءٍ عن جائزته ومنصتها، أي معاناة تلك التي تحدث لكاتب يسعي للمنح وأن يكون مفرغًا من قبل مؤسسة ما؟!.
قطعًا لا نطالب الروائي بأن لا يأخذ مالاً نظير ما أنتجه من عملٍ إبداعي، ولكننا نرفض أن يكون صائد للحوافز على حساب مشروعه الفني، أن يكون في سطح الكتابة وتخومها الهشة جرياً وراء اليومي وصيته الزائف. على ذلك أقول أن غالب الروايات العربية تصدر عن فوضى ذاتية وتهريج جماعي، ويتم استبقاءها في المشهد بقوة القطيع ونزعاته الترويجية، غالبها وليس جميعها، ولكن القليل الذي كتبه الكاتب بدم معاناته الإبداعية يتم دفنه في ركام الانهيارات السياسية والاجتماعية الحادثة”.
ويواصل: “تتناول الرواية العربية مظاهر المعاناة وسماتها، هذا ما عليها أن تقوم به في واقع مأزوم، سيكون أبطالها إشكاليون ومأزمون بالحرب والقمع.. إلخ لكن يبقى السؤال هل نجحت الرواية عندنا في ترجمة المعاناة فنياً، في تقديم تصورات سردية وأدبية ممتعة ومفيدة وزاخرة بالمعرفة والجمال. أعود لاستخدم كلمة القليل، القليل جداً نجح في ذلك، منهم مَن يتم تسليط الضوء عليه، ومنهم من يتم تسليط العتمة عليه، وكلها أرزاق مترفين وأنبياء سرديين وأدعياء زائفين.
الرواية الآن تعاني، تعاني كما كان الشعر يعاني. وأظن أن الشعر استعاد صوته ونفض عنه أصوات التدليس، وهو يمضي أكثر قربًا في التعبير عن المعاناة، والرواية كفن تعاني الآن مما عانى منه الشعر ولها معاناتها الخاصة بها في مجتمع عربي ممزق تسوده الحروب وسياسة المحاور، وتتحكم فيه آلية خفية ومتمكنة في صناعة النجوم وفق أجندتها. يومًا ما سيتساقط حنظل الواقع وتعود للرواية أثمارها اليانعة، وقدرتها الفائقة على الفرز والتطور.

غياب الفضاء الآمن..
وتقول الكاتبة التونسية “فتحية دبش”: “لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل الرواية عن واقعها الموضوعي والذاتي. وبالتالي لا يمكن إنكار انشغالاتها بالمعاناة والصراعات والحروب ولا بمعاناة الكاتب الفردية أيضا.
النزاعات الموضوعية لا تتمثل فقط في الحروب المسلحة ولكنها تمتد أيضا إلى الحروب الفكرية والثقافية والاقتصادية، إذ يجب الكاتب العربي نفسه محاط بجملة الأسئلة التي لا يمكن للرواية تجاهلها، خاصة عندما نتحدث عن الرواية ذات الطابع الملتزم. وإذا لم يكن على الرواية تقديم الحلول فعليها وبإلحاح شديد تحفيز القراءة المتبصرة للواقع بتعرية عوامل تآكله وفساده من خلال الكشف عن الفرضية ونقيضها والتعبير عن الموقف ونقيضة من أجل خلق قاعدة تقوم على الجدل والتي منها سوف تتخلق الحلول.
وفي هذا الصدد يندرج أيضا الانشغال بالمعاناة الذاتية للكاتب، والتي لا يمكن فصلها عن المعاناة الموضوعية. فالكاتب نتاج بيئته يتأثر بها ويؤثر فيها، وما معاناته الذاتية إلا تشخيص لمعاناة جماعية يجد نفسه ربما الأقدر على تعريتها وجعلها مادة للتعاطي وبالتالي إخراجها من الفعل السلبي إلى الفعل الايجابي.
أمام الإنسان العربي تحديات كبرى قديمة متجددة، لعل أهمها خروجه من سردية التقوقع على الذات والاكتفاء بدور الشاهد المتفرج نحو سردية الموقف والسؤال والوجود، حتى وإن كان الأمر لا يخلو من المخاطرة. وكل ذلك يفرض على الكاتب وعلى الرواية بالذات الخروج من منطقة اختيار الأسئلة الإبداعية إلى منطقة الاضطرار بل الواجب الفكري”.
وتواصل عن هل الشخصيات والأبطال في الروايات العربية أبطال اشكاليون يعانون من الاغتراب عن المجتمع، او الاستلاب، أو من عدم التحقق وغيرها من مشكلات تجعلهم يعانون: “الشخصيات والأبطال في الروايات العربية أبطال أقل ما يقال عنهم أنهم أبطال يعكسون حالة التمزق والوعي والوعي المضاد، العودة إلى الذات والخروج منها. الاغتراب الذي يعانون منهما هو اغتراب متعدد ناتج عن اغتراب الكاتب ذاته واغتراب الكتابة أيضا في واقع سياسي واقتصادي وثقافي واجتماعي عاجز عن تحديد موقعه من العالم وعاجز على الخروج من مأزق التكميم والتصفية. أما الاستلاب فهو بشكل ما محاولة للتعويض والتجاوز الذي لا يشكل تهديدا لأصالتها وحسب بل وأيضا امتدادا لحالة التيه والاغتراب. وفي الحالتين يكون السبب واحدا متمثلا في انسداد الأفق وغياب الفضاء الآمن الملائم للإنتاج والتفكيك “.
وعن كيفية تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، وهل هناك بعض المبالغة في تصوير تلك المعاناة تفول: “لا أظنني قادرة على الإجابة عن سؤال الكيف، ذلك يعود أولا إلى الرواية نفسها بدءا من ظروف نشأتها وصولا إلى خيارات أهدافها، وكذلك إلى موقع الكاتب الروائي من أسئلته الابداعية والفكرية والتزامه من عدمه بالانخراط في الكتابة الروائية الملتزمة بخط فكري، وقد أجازف فأقول ايديولوجي طالما أن تحييد الكتابة بصفة عامة هو تفريغ لها من وظيفتها التنويرية. أما المبالغة إن كان ثمة مبالغة فهي بنظري حيلة خلق الصدمة من أجل ترسيخ السؤال وكشفه”.
وعن اكتفاء بعض الروايات برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج تقول: “أعتقد ولست الوحيدة أنه ليس على الرواية تقديم الحلول لا الإيجابية ولا السلبية بل عليها فقط طرح السؤال. تقديم الحلول أولا ليس من وظيفة الرواية إذ لا يجب أن ننسى أننا بصدد نص مفتوح وتشاركي وتقديم الحلول معناه التلقين والقضاء على محفزات التفكير والتفاعل، ومعناه أيضا إلغاء دور النص في إثارة الجدل ودور المتلقي في مواجهة السؤال والبحث عن أدوات الفعل.وحين تكتفي الرواية بالإشارة إلى المعاناة يستلم المختصون في شتى العلوم الأخرى مهمة طرح الحلول. وبالتالي تحدث الرواية تشبيكا بين الواقع والمتخيل وبين الأسئلة والأجوبة”.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة