فيما مضى من الزمن الغابر, أيام الملوك والسلاطين, وأيام من تلبس بلباس الخلافة الإسلامية, وهو ليس أهل لها؛ كان الحكم السياسي في الدول العربية, يقوم على مقومات وجودية ثلاثة, يستلهم منها الحكم السياسي, والحاكم السياسي, ثوابت وجوده وديمومته, وهي: القبلية, والغنيمة, والعقيدة.
بالنسبة للقبيلة, فقد كان لها أثرها الكبير, كمحدد لسلوكيات الحاكم السياسي, في المنطقة العربية بشكل عام, من خلال تشابك أنسجتها الإجتماعية, وإختلاطها مع منظوماتها القيمية, كانت تفرض احترامها على الحاكم؛ وبالنسبة للغنيمة, فقد كانت الحافز الرئيسي, الذي يتفجر كنوع من أنواع الإرادة الجامحة, الراغبة بالسيطرة والإستحواذ, على ما يمكن عده غنيمة أو مكسب, أو ما يمكن أن يوصل الى الغنيمة والمكسب؛ لذا نجد أن قتال العرب(حتى المسلمين منهم في عصر الخلافة الإسلامية والفتوحات), كان لموضوع الغنيمة عندهم, أساس سيكولوجي أصيل, يحرك به الحاكم إرادات جيوشه, ويحفزهم لدعمه ومساندة حكمه أو (خلافته!).
وأما بالنسبة للعقيدة- وهي الأخطر من الكل- فقد كانت تعد عاملا توظيفيا, يجري استغلاله لإيجاد غطاء آديولوجي, لتحرك الحاكم السياسي, في مجال الممارسة السياسية في ذلك الزمن؛ فكانت العقيدة تمثل عامل الجذب الروحي والوجداني, والذي يدفع الجمهور, الى تقديم استسلامهم وتسليمهم, بمشروعية حكم الحاكم, ومشروعية ممارساته (المقدسة!) .
في أيامنا, لم تغب هذه المعادلة السياسية العربية, عن حكام العراق الجدد؛ لذا نجد إن من أهم ما تميزوا به, وعلى مدى سنوات 8, هو قيامها على هذا المثلث التأصيلي, للمارسة السياسية عندهم وعند أفراد حزبهم؛ فالأساس الأول (وهو القبيلة), نجده واضحا صارخا في ممارسة رجال السلطة الحكومية, ممكنين الأقارب وأبناء العمومة والأصهار والأبناء, من التحكم في العراق وفي مقدراته, وفي ثرواته, يميلون به ذات اليمين وذات الشمال؛ صفقات مشبوهة, أموال مهربة, أملاك وناطحات سحاب, في دول أجنبية وعربية تسجل بأسمائهم.
أما الغنيمة, وإن كانت متداخلة مع عنصر القبيلة, إلا أن ما ميزها, هو تقريب كل من أراد أن يغنم من العراق, ومن ثروات العراق, فتحول البلد الى مرتع للمفسدين, بل وقام الحاكم بجعل المفسدين مادة حكمه, ومداد فكره, وآية ملكه؛ بل قام بما هو أدهى: حرب الصالحين, وما خطوة محاربة ثلاثة من أنزه قادة ملف النزاهة في العراق, وهم : راضي الراضي, وموسى فرج, وعبد الرحيم العكيلي؛ إلا دليل على أن مبدأ الغنيمة, قد إستغرق في كل ثنايا التفكير السلطوي.
وأما العقيدة, فلا أعتقد أن الموضوع يحتاج الى شرح طويل ومفصل, والتأريخ القريب, لم يجف حبر من دونه, وهو يشهد بأن من كانوا من دعاة حمل راية: يالثارات الحسين, يالثارات الشيعة, يالثارات الإسلام؛ ما أن استتب لهم الأمر, حتى جسدوا أروع صور الإنقلاب على الأعقاب, فواضح ما هم فيه من تسلق أكتاف العقيدة, كسلم ناجح ومفيد, للوصول الى الغايات السياسية (الشخصية والحزبية والفئوية الضيقة!).
هل هناك أحد بعد كل ذلك, يؤمن بأن هذه الزمرة, تسعى فعلا لإقامة دولة مدنية وعصرية عادلة, تُحتَرَم فيها كرامة المواطن, ودمه وثروات بلده؟
لا أعتقد ذلك !
* ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر- باحث مهتم بالآديولوجيات السياسية المعاصرة