21 سبتمبر، 2024 7:54 م
Search
Close this search box.

“حفلة في عيد الميلاد”.. قصة قصيرة

“حفلة في عيد الميلاد”.. قصة قصيرة

بقلم: أمين الساطي

الفراغ الداخلي الذي أعيش فيه، والتكرار اليومي لحياتي الرتيبة مع زوجتي دفعاني للتفكير بالتقرّب من صديقتها الحسناء لمياء، شجعني على ذلك زواجها من رجل أصلع سمين غني يكبرها بأكثر من عشر سنوات. جذبتني لمياء بقامتها الممشوقة وعينيها العسليتين وحركاتها الأنثوية التي تستثير الرجل بصمت ودلال، مستغلةً رائحة العطور المنعشة التي تفوح منها باستمرار، إنها امرأة جميلة يتمنى كثيرٌ من الرجال لو أنهم يمتلكون جسدها.
كنت بلا شعور أقارنها مع زوجتي العادية التي تعمل مدرّسةً في الثانوية، ولا تهتم كثيراً بمظهرها الخارجي، مركزةً طوال الوقت على تربية أولادنا، ومساهمةً في مصروف البيت من دون تذمّر أو شكوى. لعل الملل من العلاقات الجنسية الروتينية مع زوجتي، دفعني لمحاولة إقامة علاقة مع لمياء، أو ربما لرغبتي في أن أثبت لنفسي بأنني أفضل من زوجها الغني الذي استحوذ عليها، لا شكّ بأن الغيرة منه قد ساهمت في تعزيز شعوري بالكراهية نحوه.
أرسلت إلى لمياء عدة رسائل على المسنجر، أبدي إعجابي بها، لكنها كانت تردّ عليها ببرود، ما زاد من تعلّقي بها، كانت تتلاعب بمشاعري من خلال اهتمامها المتقطّع برسائلي، آخر مرة ادعت فيها بأنها خائفة من أن يكتشف زوجها علاقتنا على المسنجر، لكنها بالوقت نفسه وعدتني بأنه عندما يسافر زوجها قريباً إلى فرنسا، فإنها ستنزل إلى بيروت لشراء بعض الملابس والأكسسوارات الحديثة، وأعطتني اسم فندق في قرية برمانا التي تبعد عن بيروت قرابة عشرين كيلومتراً، على أساس أننا سنلتقي فيه خلال غياب زوجها.
بمناسبة عيد الميلاد، دعوت لمياء وزوجها إلى العشاء في منزلنا، اشتريت لهذه المناسبة قنينة من النبيذ الفاخر المعتّق، التي تفوق إمكانياتي المادية، وضعت خمس قطرات من سائل شفاف اسمه “ال إس دي” في كأس زوجها الفارغة، قبل أن أسكب النبيذ فيه، كنت قد قرأت بأن مادة “ال إس دي” مادة طبية مهلوسة يبدأ مفعولها بعد نصف ساعة من تناولها ويدوم لفترة قصيرة، وكانت مستشفيات الأمراض النفسية تستعملها بالماضي، لتساعد المريض خلال جلسة التحليل النفسي على الاسترخاء، ولكي ينطق بأشياء كثيرة يخفيها في عقله الباطن عمّن حوله.
بعد نحو نصف ساعة من شربه كأس النبيذ، توسعت حدقة عينيه، وبدأ يتعرّق نظراً لازدياد عدد ضربات قلبه، وأخذ يشعر بأفكار وأحاسيس غريبة نتيجة فقدانه السيطرة على نفسه، ويسمع أصواتاً ويرى أشياء غير موجودة في غرفتنا، الخطورة ظهرت لما بدأ مفهوم الأنا الشخصية بالتفكك لديه، وأخذ يعيد ربط الأحداث الجارية أمامه بطريقة جديدة.
في البداية استرسل في الحديث عن طفولته وعن كراهيته لأبيه، الذي كان قاسياً في معاملته لأمه، حتى وصل بالحديث إلى زوجته لمياء، فوصفها بأنها امرأة سطحية أنانية تهتم بالمظاهر، وهي تهمل تربية الأولاد وتركتهم للخادمة الفلبينية، وهو يعرف جيداً أنها تزوجته من أجل ماله، والآن يشعر بالقرف منها، ويفكر بأن يطلقها، سكت لفترة قصيرة، استردّ فيها أنفاسه وتابع: إنه كم كان يتمنى لو أنه تزوج امرأة متعلّمة مسؤولة مثل زوجتي، ثم اعترف بأنه قد أرسل رسالة إلى زوجتي على المسنجر، طلب منها أن تفكر جدياً بأن تطلقني لكي يتزوجها، لأنه كان يدرك بأعماقه بأنها غير سعيدة بحياتها الزوجية، وأنها تستحق رجلاً أفضل من زوجها الحالي، لكنها ردت عليه برسالة، بأنها راضية بما كتبه الله لها، وهي سعيدة مع أولادها، ولن تتخلى عن أسرتها.
بعد هذه اللحظة لم أستطع النظر من خجلي في عينَي زوجتي، وصحوت من غفلتي، وأعدت التفكير بسرعة في زوجتي وبعلاقتنا، واكتشفت كم كنتُ مقصّراً معها.
خيّم السكوت المطلق على الجلسة، معلناً انتهاء السهرة، غادرت لمياء وزوجها المنزل، والجميع في حالة إجهاد نفسي بعد هذه الصدمة، عرضت عليهما أن أوصلهما بسيارتي لمنزلهما، لكن لمياء أكدت لي أنه لا داعي للقلق، فهي ستقود السيارة بنفسها، لأن زوجها في حالة غير طبيعية، فهو سكران من شرب النبيذ المعتّق، وكانت هذه هي آخر مرة شاهدت فيها لمياء وزوجها.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة