21 سبتمبر، 2024 6:34 م
Search
Close this search box.

الرواية والمعاناة (4).. أبطال الروايات يحملون إشكالية الاغتراب كثيمة عامة

الرواية والمعاناة (4).. أبطال الروايات يحملون إشكالية الاغتراب كثيمة عامة

خاص: إعداد- سماح عادل

رغم أن بعض الروايات العربية تسعي إلي تصوير المعاناة، سواء جماعية أو فردية، إلا أنه هناك ما يشبه الاتفاق علي أن الرواية ليست من مهامها تقديم الحلول، أو طرح رؤي إيجابية أو مخارج، فيكفي الكاتب الروائي أن يستطيع أن يصور المعاناة بعمق وحرفية تجعل القارئ يتعاطف مع الشخصيات ومعاناتهم.

هذا الملف تجيب عنه مجموعة من الكاتبات والكتاب من مختلف البلدان العربية، وقد طرحنا عليهم الأسئلة التالية:

. 1 هل الرواية العربية في الوقت الحالي تصدر من المعاناة، سواء من الحروب والصراعات، أو من ظروف المجتمعات التي أصبحت مأزومة، أو من معاناة الكاتب التي يصورها علي الورق كمعاناة فردية؟

. 2 هل الشخصيات والأبطال في الروايات العربية أبطال اشكاليون يعانون من الاغتراب عن المجتمع، او الاستلاب، أو من عدم التحقق وغيرها من مشكلات تجعلهم يعانون؟

. 3 كيف يتم تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، وهل هناك بعض المبالغة في تصوير تلك المعاناة؟

4. هل تكتفي بعض الروايات برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج؟

إشكالية الاغتراب..

يقول القاص والروائي المصري “سمير الفيل” عن هل الرواية العربية في الوقت الحالي تصدر من المعاناة يقول: “لكل كاتب معتقده الفني، فهناك كتاب رواية يخططون لأعمالهم بمعزل عن التحولات المجتمعية، قد يلجأون إلى التاريخ، أو إلى دراسة شخصية بعينها عاشت في زمن انقضى، بينما يوجد بالفعل من يعالجون قضايا الواقع بشكل احترافي من خلال التفاعل مع الأحداث الساخنة، دون السقوط في أحبولة “المباشرة”.

إذن ليس هناك رواية واحدة، يمكن أن تكون النموذج أو المثال، بل هي روايات عديدة، مختلفة ومتنوعة، قد تستند على معطى واقعي، وربما تضمن ذلك ما تشهده المنطقة التي يعيش فيها الكاتب من حروب، وصدامات، وتهجير، وقصف ميداني، ومعاناة شعوب تعيش تحت وطأة الغدر والعدوان.

هذا حدث في العراق من قبل، ويجرى حاليا بشكل أكثر عنفا في غزة، إذ أن القوى التي تملك المال والسلاح تسعى لتصفية القضية الفلسطينية بأشكال شتى من الخطط التي دبرت بليل.

أغلب الدول العربية في الشرق الأوسط مأزومة حضاريا، والتفصيلات مختلفة، لكن أغلبها له جذر تاريخي وآخر تراثي. لهذا انتشرت روايات تعالج تلك الفترة الحرجة التي تشهد قدرا كبير من المحنة والتأزم”.

ويضيف: “لا ينفصل الروائي عن عالمه لكنه بنفس القدر لا يتحول إلى بوق إعلامي فالنص السردي الأكثر قيمة هو الذي يعبر عن تلك الأزمات بشكل واع، ولا يقع في مصيدة المباشرة أو التنميط. أظن أن هذا حدث مع الحرب الأهلية اللبنانية فقد ظهر إلى العالم الأدبي كتابات مجيدة تضفر الخاص بالعام.

ولي تجربة مع حرب أكتوبر فقد كتبت روايتي “رجال وشظايا” بعد أعوام من انتهاء الحرب بين مصر وسوريا من جهة وبين الكيان الصهيوني من جهة أخرى.

فترة الانتظار والبعد الزمني عن الأحداث المتفجرة ضرورة؛ ليكون النص الأدبي قادرا على صنع “عالم سردي” حر، وأصيل، لا يخضع للدخول في متاهات السياسة بل يحمل علامات التأويل والمجاز” .

وعن الشخصيات والأبطال في الروايات العربية: “أتفق مع مقولة ان أبطال الروايات العربية يحملون إشكالية الاغتراب كثيمة عامة، وذلك لأن تلك المجتمعات التي يعيشونها تحمل جذور المشكلة، وهذا يتطلب من الروائي أن يكون حذرا في التعامل مع أبطال رواياته، هو يضع الخطوط العريضة للعمل ثم يترك شخصياته تتحرك بحرية دون تدخل منه، وهو ما يتطلب وعيا جماليا عاليا، وفهما عميقا للوقائع وتبدلاتها.

سأضرب مثالا ب”نجيب محفوظ” الذي رصد أحداث ما بعد ثورة 1919 بقدر كبير من اليقظة، ولم يخف انتمائه لحزب الوفد غير أنه ترك لأبطاله حرية الحركة، فهم نتاج مجتمع ظل يرسف طويلا في معاناة بطش السلطة ومؤامرات القصر فيما قبل ثورة 1952، والتي لها حسابات أخري.

كاتب آخر هو “جمال الغيطاني” سعى لتحميل وجهة نظره في الصراع على السلطة حين كتب “الزيني بركات” لينتقل لفترة تاريخية سابقة لكنه بكل تأكيد قام بعملية إسقاط على الواقع المعاش.

حتى الكاتب صنع الله إبراهيم في “تلك الرائحة” بحث عن شخصية المثقف المنهزم بعد التنكيل به، والاصطدام بالتحولات الجديدة في مجتمعه، وهكذا.

قلت أن أغلب الأبطال في الروايات إشكاليون، يشعرون بالغربة، يرفضون كل سلطة قامعة، لديهم شعور جارف بالانكسار الذي عاشوه ونقله الكاتب إلى رقعة الورق.

حتى “صبري موسى” في “فساد الأمكنة” أظهر هذا الصراع الذي جرى في جبل الدرهيب من خلال شخصياته الإشكالية، وفطن إلى أن الواقع نفسه محبط وسوداوي، وغير قابل للاستيعاب والفهم. من هنا تنبت بذرة التمرد التي توضع في “تربة السرد” فتزهر أشكالا لا نهائية من الحزن والألم والمرارة التي تنتقل من جيل إلى جيل”.

وعن تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، وهل هناك بعض المبالغة يقول: “يختلف التناول السردي من كاتب إلى آخر لكن الراوي العليم الذي ينقل الأحداث يكون قادرا على رسم خطته وتحديد المسارات عبر فصول روايته. قد يجيد رسم شخصيات الرواية وأحيانا تنفض شخصية ما عن نفسها فكرة “الوصاية” فتتمرد على المخطط له، وتسعى إلى فرض رؤاها وهذا يحدث كثيرا عن الكتاب المخضرمين، أصحاب التجارب الراسخة. التمرد الذي يحدث يفيد مشروع الروائي ولا يعطله فهو ينقذه من التنميط” .

وعن الحلول يقول: “اتصور أن المعاناة جزء أساسي في نسيج الحياة، فالإنسان ابن بيئته، وهو يتأثر بالسقوط أو الهزائم العامة التي تلم ببلد ما إضافة إلى هزائمه الشخصية فهو شخص من دم ولحم، له طموحاته وأهدافه التي بلاشك سوف تصطدم برغبات ونوازع شخصيات أخرى. ربما يتعرض لمحن الاغتراب أو الفقر أو القهر، ويكون استدعاء تلك التجارب نتيجة خبرة حقيقية، مر بها حتما في الحياة. أحب أن أبين أن الكاتب ليست مهمته وضع الحلول للأزمات التي يرصدها، هذه مهمة الدولة أو الحكومة او التنفيذيين. يكفي أنه يقوم بتعرية الشخصيات المتورطة في الفساد أو النهب او الانحياز للأعداء التاريخيين.

الروائي بالرغم من امتلاكه لأدوات الكشف والفضح ليس عليه أن يبحث عن إجابات للأسئلة الصعبة التي طرحها النص، وإلا تحولت الرواية في يده إلى شيء آخر غير مقبول.

الفن الحقيقي هو الذي يلمح ولا يصرح، يسعى إلى الكشف دون أن يصدر أحكاما نهائيا، وبسبب هذا الوضع الملتبس يترك عدد من الروائيين نهايات أعمالهم مفتوحة حتى يتورط القارئ في إيجاد الحلول بنفسه ودون وصاية من الكاتب صاحب السلطة الأعلى؟!”.

الرواية ابنة البيئة والتاريخ..

وتقول الروائية والشاعرة الليبية “محبوبة خليفة” عن هل الرواية العربية في الوقت الحالي تصدر من المعاناة، سواء من الحروب والصراعات، أو من ظروف المجتمعات التي أصبحت مأزومة، أو من معاناة الكاتب التي يصورها علي الورق كمعاناة فردية: “أعتقد كل ذلك مجتمعا، فالرواية العربية ابنة الظروف والبيئة والتاريخ وحتى الجغرافيا (السياسية والاجتماعية) وهي ابنة صاحبها أو كاتبها أيضاً”.

‎ وعن هل الشخصيات والأبطال في الروايات العربية أبطال اشكاليون يعانون من الاغتراب عن المجتمع، او الاستلاب، أو من عدم التحقق وغيرها من ضد ‎مشكلات تجعلهم يعانون تقول: “هم كل ذلك وأكثر ومن خلال اطّلاعي على بعض الأعمال العربية، وهي كتبت في أزمنة مختلفة لنقل من أربعينات القرن الماضي وحتى عصرنا الحال.

تمحورت شخصيات أبطالها ما بين أبطال منغمسون ببيئتهم حدّ التماهي مثل بعض أعمال نجيب محفوظ، مرورا بأبطال اغتربوا محليا أو خارجيا أو فكريا، كما في بعض أعمال جبرا إبراهيم جبرا، وفي رواية (خبز على طاولة الخال ميلاد) نري أن الليبي “محمد النعاس” في روايته الفائزة بالبوكر العربية 2022 قد صور بطل اغترب بالكلية عن بيئته رغم انغماسه فيها فكانت روايته نموذجا لهذا وذاك” .

وعن كيف يتم تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، وهل هناك بعض المبالغة في تصوير تلك المعاناة تقول: “في روايتي السير ذاتية (كنا وكانوا) واجهت الراوية هذه المعضلة، فالتاريخ الذي عاشته الساردة مليء بالمتاعب على مستوى عام وشخصي، لكنها حرصت على المسافة الفاصلة ما بين (الغمّ) الذي لا يحبه القارئ، وما بين الحقائق التي لا يجب إغفالها، فسربت بعض الأحداث التي وقعت فعلا، وكانت أحداثا مضحكة فخففت من وطأة الحدث الرئيسي الذي بُنيت عليه الرواية”.

وعن هل تكتفي بعض الروايات برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج تقول: “في رواية (حليب أسود) لإليف شافاق كان هناك سؤال مفصلي أوردته الراوية، وحاولت رصد آراء كاتبات وأسماء معروفة لتصل إلى قرار. أغلب من حاورتهن جاوبنها بالتخلي عما تفكر به لتمضي قدماً في مخططاتها لمستقبلها ككاتبة وروائية واكاديمية.

لم تكترث لما سمعت وحلّت قضيتها بقرارها الحاسم ولم تخسّر شيئاً، وكانت الرسالة الموجهة لقارئاتها على وجه الخصوص واضحة في تلك الرواية المهمة”.

فخ التكرار والتقليد..

ويقول الروائي المغربي “محمد سعيد احجيوج”: “لطالما عرفنا أنّ الإبداع الحقيقيّ يولد من المعاناة، لأنّه، وفق العبارة التقليديّة: ما ينبعث من القلب يصل إلى القلب. والمبدع، الّذي تحرّكه المعاناة، يحفر عميقًا داخله ليخرج لنا تجربةً، بقدر ما أنّها شخصيّة محضة، إلّا أنّها مصقولة من الزيف بحيث تصير إنسانيّة عامّة يمكن لأيّ قارئ أن يتماهى معها ويتأثّر بها.

لكنّني متى ما وجدت نفسي أمام مثل أسئلة هذا الملفّ أخفض رأسي حياءً: إنّ ما أقرأه من الروايات العربيّة قليل جدًّا، ممّا يعني استحالة أن يدّعي رأيي الشخصيّ، هذا، الاقترابَ من الحقيقة. فما تتقيّأه المطابع على امتداد السنة، والحديث هنا عن الروايات حصرًا، لا يكفي العمر لقراءته ولا الدخل الفرديّ المتواضع. هنا يجد القارئ نفسه واحدًا من اثنين: أن يخصّص وقتًا طويلًا في التنقيب والتدقيق والمتابعات، حتّى يحصل على روايات قليلة يمكن أن تكون جيّدة، أو أن يريح نفسه تمامًا، ويكتفي باستهلاك ما تروّج له قوائم الجوائز.

المهمّ، على قدر ما قرأت، قليلة هي الروايات العربيّة الحديثة الّتي يمكن وسمُها أنّها صادرة عن معاناة شخصيّة، وحتّى الروايات الّتي تنطلق من الحروب والصراعات الّتي تثقل على بعض الدول العربيّة لا نجدها جميعها صادقة في نقلها للمعاناة، ممّا يعني أنّها تضع أمام القارئ حاجزًا من عدم التصديق، وعدم التفاعل معها”.

ويضيف: “ما أراه هو أنّ الرواية العربيّة، في مجملها، إلّا من نماذج فرديّة متفرّقة على امتداد العالم العربيّ، واقعة في فخّ التكرار والتقليد. هناك إقبال على الرواية التاريخيّة؟ فلنكتب رواية تاريخيّة. هناك إقبال على رواية الحرب؟ فلنكتب رواية عن الحرب. هناك إقبال على الرواية البوليسيّة؟ فلنكتب رواية بوليسيّة… وهكذا. كان المبدع يكتب لأنّه لا يمكنه إلّا أن يكتب. الكتابة عنده خلاصٌ. أمّا اليوم، فإنّ الكاتب يكتب لأسبابٍ خارجيّة تمامًا: الجوائز والشهرة.

لذلك، على قدر علمي، من الصعب الحديث عن أبطال إشكاليين في الرواية العربيّة المعاصرة “أقصد رواية القرن الواحد والعشرين””.

ويؤكد: “حين أقول “على قدر علمي” فإنّني أقصد: هذا هو رأيي الآن، وأنا مقتنع به تمامًا، ولا أخاف من وسم الرواية العربيّة بالهزالة. لكنّه يعني أيضًا، وبسبب مشاكل توزيع الكتاب العربيّ، إنّني منفتح أمام حقيقة أنّني قد أكون مخطئًا تمامًا في رأيي.

أمّا عن السؤال الأخير، فإنّ الكاتب إذا ما انطلق في الرواية من معاناة، شخصيّة أو مجتمعيّة، إذا ما نجح في نحت شخصيّة إشكاليّة قادرة على نزع تعاطف القارئ (أو حتّى كراهيته)، فإنّه ليس ملزمًا بالمرّة باقتراح الحلول أو مخارج. تلك ليست وظيفته. طبعًا يمكنه أن يحاول إذا كانت الشخصيّة نفسها تسعى إلى ذلك، لكنّه ليس ملزمًا. هذه ليست مهمّة الرواية. الرواية تبحث وتنقّب، الرواية تطرح الأسئلة. أمّا الأجوبة فتلك مهمّة القارئ؛ ودعونا لا نغفل عن حقيقة أنّ السؤال الدقيق والصحيح هو المفتاح نحو الجواب”.

 

 

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة