21 سبتمبر، 2024 7:57 م
Search
Close this search box.

الرواية والمعاناة (3).. الروائي ينير الطريق للقارئ ويكشف له مسرات الحياة وأوجاعها

الرواية والمعاناة (3).. الروائي ينير الطريق للقارئ ويكشف له مسرات الحياة وأوجاعها

خاص: إعداد- سماح عادل

المعاناة هي الرحم الذي طلعت منه الرواية، فهي بالأساس وليدة لتلك المعاناة التي يعيش الانسان في شقاءها، سواء أكانت تخصه وحده أو تخص الجميع.

هذا الملف تجيب عنه مجموعة من الكاتبات والكتاب من مختلف البلدان العربية، وقد طرحنا عليهم الأسئلة التالية:

1. هل الرواية العربية في الوقت الحالي تصدر من المعاناة، سواء من الحروب والصراعات، أو من ظروف المجتمعات التي أصبحت مأزومة، أو من معاناة الكاتب التي يصورها علي الورق كمعاناة فردية؟

2. هل الشخصيات والأبطال في الروايات العربية أبطال اشكاليون يعانون من الاغتراب عن المجتمع، او الاستلاب، أو من عدم التحقق وغيرها من مشكلات تجعلهم يعانون؟

3. كيف يتم تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، وهل هناك بعض المبالغة في تصوير تلك المعاناة؟

4. هل تكتفي بعض الروايات برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج؟

المعاناة المحرك الأول للأحداث..

تقول الكاتبة المصرية “مي الحجار”: “المعاناة المحرك الأول للأحداث، فقط تخيل معي عزيزي القارئ رواية أو حتى حدوتة أو حكاية شعبية دون معاناة، تخيل معي رواية أبطالها سعداء طوال الوقت، البطل تزوج البطلة دون معاناة، الشرير لا وجود له، الاخوة متحابين، لا ظالم ولا مظلوم، حتما ستكون الجنة. ولكنها ليست برواية فالشر والظلم والقهر والمرض وغيرهم من أسباب معاناة البشر المحرك الاول لسعي البشر للتغير لصنع النجاح وقصصه الملهمة البنائة. ولكن هل ينجح الجميع؟؟. وهل فعلا لكل مجتهد نصيب من التفوق والسمو وتحقيق الغايات النبيلة والفخر بالإنجاز؟؟. سوف اتبجح وأخبرك عزيزي القارئ أنه نعم لا أحد يزرع دون حصاد، حتى لو تأخر الحصاد، حتى لو زرعت في تربة خربة، فهناك قوة عليا. سوف تكلل سعيك بالنجاح، أنها قوة الوثوق بعدل الله عز وجل .

لا توجد رواية بلا معاناة أنها أصل الرواية وهيكل عظمها وعن تجربة شخصية ككاتبة، أنا أنصت كثيرا لأوجاع الناس وأسعى دون قصد مني لمعرفة المزيد عن مكنون قلوبهم. وقد اتوحد في لحظة ضعف بشري مني مع صدق القصة التي يحكيها صاحبها/تها، لأخرج شخصيات حقيقية من الواقع. شخصية تحمل اسم يليق بالبطل/ة ولكن غالبا لا تحمل الصفات الجسدية أو الانسانية لفلان/ة “صاحب/ة القصة الحقيقية”.

وعند الكتابة قد أحول البطلة لبطل أو العكس حتى لا أفضح قصص أبطال القصة الحقيقين في الواقع، فالبطل الواحد في قصصي. أجمع ملامحه وصفاته من عشرات الشخصيات التي وقعت عليها عيني في الحياة الحقيقية. وأطور الشخصية وأضيف لها وأحذف منها، حتى تكون طيعة بين حروفي وكلماتي وتنفذ دورها السامي في الرواية. فتكون البطل الذى يغلب عليه نبل التصرف في كثير من الأحيان أو الشرير الذى طوعت له نفسه إيذاء من حوله، أو حتى إنسان عادى بكل بشريته وتقوى نفسه أو فجورها “.

وتضيف عن الشخصيات: ” ليست دائما معاناة أبطال الرواية تكون حقيقية فقد يختلق الكاتب معاناة أو مأساة غير واقعية بالمرة. مثل احتلال القردة كوكب الأرض أو ظهور فضائيين أو مصاصي الدماء أو ظهور فيروسات قاتلة قضت على الحياة البشرية. فالكتاب لا يكتفون بالمعاناة والمآسي الحقيقية بل يختلقون أشكال من المعاناة لا وجود لها من أجل تغذية عنصر الإثارة والتشويق لدى القارئ. ولا ننسى روايات الرعب والجن والعفاريت التي تتصدر وغالبا تكون الأكثر مبيعا، رغم علم أغلب القراء أننا معشر الكتاب نصور لهم مأساة غير حقيقية أو معاناة حدثت فقط في خيالنا الواسع، فلا عفريت ولا جن ظهر لبشر بصورة مؤكدة حتى الآن، ولا فضائيين أو مصاصي دماء أو مستذئبين، أنهم فقط أساطير للتسلية، ومعاناة غير حقيقية بالمرة”..

وعن تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، وهل هناك بعض المبالغة تقول: “الرواية تتكون من مقدمة وسط “أحداث”، خاتمة، غالبا أنا أفضل افتتاح الرواية بالحدث الدرامي الذى يضمن تعاطف القارئ مع أبطالي، أحاول ابتزاز عاطفة القارئ وجعله متورط مع أبطالي في حزنهم، أحاول جذب شفقته وفضوله معا لمعرفة المزيد. ما الذى حدث وما الذى سيحدث لتلك البطلة المسكينة الوحيدة؟؟ أو البطل الذى يواجه الأشرار وحده، أو الأب الذى يفعل المستحيل لعلاج ابنته أو الخادمة التي تم ضربها والافتراء عليها، أو القاتل أين سيخفى الجثة، أو الطالب كيف سيخبر أمه برسوبه، أو المهندسة التي تنازلت عن مهنتها وعملت راقصة، أو ذا الاحتياجات الخاصة الذى أحب جميلة الجميلات.

كل هؤلاء وغيرهم يحملون المعاناة، فما على الكاتب سوى البحث عنهم في الواقع او فى مخيلته والكتابة عنهم، وتوظيفهم بإبداع ورشاقة لتخدم معاناتهم أحداث روايته وتحرك الأحداث بأسلوب شيق وملهم للقارئ، نحو الحدوتة المراد سردها”.

وعن اكتفاء بعض الروايات برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج تقول: “ليست كل الحواديت يمكن وضع نهاية محكمة لها أو حتى طرح حلول لمعاناة أبطالها، فعن تجربتي مع روايتي “المتوحشة” أو روايتي “ستة أشباح وأنثى”، كان من الصعب بل وكان سيعد تشويها للأحداث وضع نهاية للرواية، وطرح حل صريح فرواية “المتوحشة” هي رمز لمعاناة جيل بأكمله. جيل للمرة الأولى يشاهد ثورة، فالبطلة كانت تستدرج وتقتل أشخاص هم رموز للفساد في مجتمعها، تماما كما حاولت ثورة “يناير” أن تفعل.

والرواية الاخرى “ستة أشباح وأنثى” هي أقرب لمجموعة مشاهد من تاريخ الإنسانية في شكل فانتازي، ستة أشباح يسكنون بيت مهجور في الفيوم منذ أكثر من مائة عام، كلا منهم لا يعرف بوجود الآخر ويعتقد أن البيت بيته وحده، كلا منهم له دين وملة مختلفة عن الآخر، كلا منهم يحمل جنسية مختلفة وعرق بشرى، يظن من وجهه نظره أنه هو الأسمى في الوجود. وأنه نظرا لتفوقه الجيني والحضاري أنه يستحق البيت.

لم يكتشفوا وجود بعضهم البعض حتى أتت هي، البطلة، امرأة نصف مجنونة، نصف عاقلة إلى درجة الحكمة، وهى أيضا تريد البيت لها وحدها وتظن أنها صاحبته الحق به، لأنها مازالت على قيد الحياة .فكانت نهاية الرواية مفاجأة للقارئ، دون حرق للأحداث، وهو إجبار كل أبطال الرواية على التعاون لمواجهة خطر جديد ظهر لهم.!

أما عن روايتي “آخر الملائكة”، فقد أجبرتني أحداث الرواية على وضع حل أو نهاية مرضية للقارئ في نهايتها، مثلها مثل روايتي “الستائر الزرقاء” التي ناقشت أغلب القيود التي تعاني منها المرأة الشرقية لتحقيق ذاتها واستقلالها المادي والمعنوي”.

من رحم المعاناة..

ويقول الكاتب والشاعر اليمني “حميد الشامي”: “أظن أن الرواية العربية ومنذ نشائها الأولى قد خلقت من رحم المعاناة بكل ما لكلمة معانة من معاني لا حدود لها. معاناة السيرة الوجودية للكاتب وعوالمه التي عادة ما تكون بينها وبين واقعه الحقيقي فجوات هائلة. مجتمعات ضيقة مأزومة قائمة على المنع والمصادرة والمحاذير والتوابيت أو الاستبداد الديني في المقام الأول والسياسي ثانيا، ثم استبداد الأيدولوجيات التي لم يجد المبدع والمثقف العربي بكل مراحل سيرورته التاريخية غيرها كبديل نظامي وحواجز قائم تجاه تجريف الأيدولوجيات المتأصلة بمجتمعه. يوجد مع الكاتب العربي حروبا داخلية وحروبا واقعية. حروب لأجل البقاء وحروبا لأجل الهروب.

ولكن الرواية العربية مليئة بكل جماليات واسقاطات والتقاطات عوالم وجودية موازية وحرة وحكايات ساحرة جعلت الكاتب يخرج من تأزماته الوجودية إلى عوالم أخرى من رحابة الحياة وسيرة الأمكنة الجمالية وعوالم شخصيات بمشارب شتى. الجمال بكل مكان والوجود رحب ويستحق الدهشة على أي حال”.

ويواصل عن الشخصيات: “الشخصيات الروائية العربية خليط من كل شيء من كل أفراح الإنسان ومهرجانه الوجودي إلى سوداوية الواقع وانقساماته وتناقضات الحالم عن الكفاح اليومي للبقاء، الشخصيات الروائية العربية ليست نخبوية بالضرورة إنما انعكاسات لبورتريهات شخوص في الظل.

أعمال نجيب محفوظ وحنا مينه والرواية اللبنانية والعراقية والجزائرية عوالم شخوصها لامتناهية ومليئة بكل مسرات وأحزان وإخفاقات وانجازات أي كائن بشري حول العالم بكل مايحيط به من موجودات”.

ويواصل: “لا يوجد أي مبالغة من الكاتب العربي في رسم وتوجيه شخصيات ومخلوقاته الروائية، فالحياة العربية والواقع مكتظ بكل تشظيات وارهاصات الوجود الأدمي الحر والمنطلق في آفاق الحياة وسرور الوجود. والوجود البشري عموما مليئا بكل التجارب من كل نوع”.

ويؤكد: “لا أظن أن الرواية أو أي فن آخر من مهماته خلق حلول فالحلول لكل الأزمات الوجودية البشرية يجب أن تكون واقعية ومتعددة الوسائل والتبلور على الروائي فقط أن يرشد إلى الحرية من نزعة فنية خالصة، وحينها سيكتشف المتلقي كيف يخلق وجود ومحيط أفضل حوله يتلائم مع سيرة الإنسان نحو الحرية والغايات البشرية اللائقة بآدميته”.

كشف أوجاع الحياة..

وتقول الكاتبة والروائية “سلامة الصالحي”: “الرواية العربية الحديثة والمعاصرة انطلقت من رحم معاناة الإنسان وفشله في الانسجام والتوازن بين الموروث والحضارة الجديدة، والذي ظل واقفا في وسطها حائرا متخلفا عن ركب الأمم التي تسارع في اللحاق بقطار التقدم. حاول الروائي أن يحفز الوعي الإنساني وينير الطريق للقارئ ويكشف له مسرات الحياة وأوجاعها، وكيف يمكن أن يخلق الأدب الرفيع والغزير المعنى روحا جديدة لدى القارئ روح مثابرة خالقة مفكرة ومحلله لأحداث الحاضر وتجارب الحياة.

وظلت المنطقة العربية تنوء تحت تركة الاستعمارات والاحتلالات وتحكم القوى الغازية بثرواتها ومسيرة تقدمها والتي حاولت الرواية ان تحفر في وعي القارئ وتنبيهه إلى ما يجري بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بالقص والسرد نستطيع بناء قيم عظيمة وطرح أفكار جديدة وخلق مجتمع جديد. فقد ساهمت الروايات العالمية العظيمة في تعديل مسارات الشعوب وتغيير حياتها واستثارتها ضد الظلم والاستبداد”.

وتضيف: “قد يكون الكاتب هو هؤلاء الأبطال الاشكاليون فالرواية هي سيرة حياة الكاتب وأفكاره وتجاربه وتجارب المحيط الذي يعيش فيه. وحكايات الناس وأحداث الفترة التي يعيشها الكاتب أو يأخذ فترة تاريخية سابقة ويسقطها على الواقع الحاضر. الإنسان هو الإنسان بكل مكان والتجربة الروحية للبشرية واحدة والمأزق الوجودي هو دائما موجود في فكر وقلب أغلب الناس رغم التناقض والهوة الشاسعة بين المجتمعات البشرية وتنوع العادات والتقاليد، وتبني الأفكار سواء التحررية أو العبودية.

أحيانا يتخذ الكاتب ثيمة معينة أو حدث جم ويجعله بؤرة الرواية التي تنطلق منها الأحداث وتربط بها البدايات والنهايات وتحدد مصائر أبطالنا.. قد ينغمس الكاتب في المبالغة بالحدث أو تتفيهه أحيانا حسب رؤيته وأفكاره التي يتبناها. ويحاول أن ينقلها إلى القراء ليؤثر بهم ويبقى الصدق والموهبة هي النقطة الجاذبة”.

 

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة