لكل عمل ومهنة مقومات وأسرار للنجاح واسباب للفشل أيضا، هذا من طبيعة الحياة وتتغير هذه الأسرار والأسباب بشكلٍ مستمر، فما كان صالحًا لأيام مضت لا يشترط صلاحه في الوقت الحالي وضمان مفعوليته للمستقبل، وهذا ينطبق على جميع جوانب الحياة، الأنسان العاقل والفهيم والمؤسسة الرشيدة هي التي تراجع وتقييم سياساتها باستمرار من أجل دعم نقاط القوة ومعالجة مواطن الخلل والضعف وتجعل منها أساسًا ومنطلقًا نحو الأفضل.
العمل الأمني ليس ببعيد عن هذا المبدأ بل هو الأحوج اليه من بقية القطاعات، لإنه يمس حياة الناس دون تمييز وعلى الدوام فلا يكاد يستثنى منه إنسان أو يستطيع أن يعيش دون أمان، من جانب آخر إنه عمل شاق وصعب ويتطلب جهودًا كبيرة وخبرة طويلة وإخلاصًا لا مثيل له وحبًا وطاعةً ومهارة عالية في الاداء.
إقليم كوردستان العراق تجربة ديمقراطية فريدة في هذه المنطقة وقد أجتازت مراحل صعبة ولكنه اثبت بجدارة ان تُقدم النموذج الواضح بأن الشعب الكوردستاني يملك المقومات الاساسية لإدارة الحكم في ظل الأزمات والتحديات وأن أجهزتها الامنية قادرة على حماية أمن واستقرار هذا الإقليم وسط منطقة ٍملتهبة وكثيرة الصراعات والنزاعات يكاد الاستقرار فيها غائبًا.
حماية امن واستقرار الإقليم في ظل الظروف الصعبة والصراعات الاقليمية والدولية ليس بالأمر السهل أو منحة وهدية من طرف معين ولكنه جهود كبيرة وخطط عمل واضحة وتنفيذ حرفي لما يتوجب عليهم. ربما يتساءل البعض عن سر هذا النجاح ومن حقهم أن يتساءلون؟ ما هو السر في تحقيق هذا الهدف الصعب، لان حماية امن منطقة أو دولة بعيدة عن كل أشكال التهديد ومصادر العنف والخوف ليس إعجازًا ولكن إقليم كوردستان لا يبعد عن مناطق تواجد تنظيم داعش الارهابي والجماعات الخارجة عن القانون سوى أميال معدودة وهي في منطقة مليئة بالخلافات العقائدية والصراعات القديمة الجديدة وهذا ما يستوجب البحث عنه والوقوف عليه لمعرفة أهم الاسباب الكامنة وراء هذا الامر. يمكننا أن نشير الى اهم الاسباب الحقيقية وهي الأساسية باعتقادنا المتواضع ومن خلال قراءتنا للأحداث:
1– تعاون مواطني الإقليم مع أجهزتها الأمنية، المواطن هو رجل الامن الأول وهو مبدأ معمول به في غالبية الدول وعلى مدى شعور مواطني أية دولة أو كيان سياسي بالمسؤولية تجاه حماية أمنه يكون الامن محميًا دون النظر الى درجة الثقافة والاقتصاد ونوع نظامه السياسي. الشعب الكوردستاني عانوا من الويلات والدمار والتهجير والقتل ما لا يحصى ولا يعد، فقد ذاق مرارة الظلم والاضطهاد وشهد عمليات الانفال والإبادة الجماعية والهجرة المليونية جعل منه شعبًا صامدًا وصلباً ومتعطشاً للحرية أكثر من غيره وما ان حقق جزء من أحلامه ببناء إقليم فدرالي ديمقراطي بعد الانتفاضة الشعبية عام ١٩٩١ ، إلا فقد نما لديه الشعور بالمسؤولية بضرورة حماية ما تم تحقيقه وحفظه كبؤبؤة العين سالمًا معافى من أي مكروه. كل فرد من الإقليم على أختلاف فئاتهم وأعمارهم وأجناسهم واتجاهاتهم الحزبية والفكرية وألوانهم يعد نفسه جزءا ًمن المنظومة الأمنية ويمدها بما يحصل عليه من معلومات وما يشعر به من أخطار كواجب وطني وأنساني وأخلاقي وديني ليتسنى لهم أتخاذ الإجراءات اللازمة لصدها ومنعها من الوقوع والمساس بحياة المواطنين وممتلكاتهم.
الشعب الكوردستاني هو الداعم الرئيسي والسند القوي والرصيد الذي لا ينبض للأجهزة الامنية في الإقليم والرافد المستمر لهم لقناعة الشعب بأن هذه الاجهزة أسست لخدمتهم والعاملين ضمنها جزءٌ منهم وخارجين من رحمهم وليسوا كالسابقين جاءوا من اجل قمعهم وإذلالهم.
الى اللقاء حتى الحلقة القادمة…..