عندما عرض الله آدم للملائكة؟
من الواضح في الإخبار القرآني عن آدم أن ميزته منظومته العقلية وقدرتها على إدارة الطارئ والحدث، والذات من حاجات وغرائز، فعندما عرض آدم على الملائكة لم يعرض عضلاته ولا جمال هيئته، بل منظومته العقلية هذه، وهذه العمليات التي تجري في المنظومة العقلية ومعالجة المعلومات هي العزيمة ، فعندما لم يستخدم آدم قدراته في التفكير ومعالجة المعلومة اعتبر لا عزم له، بل انه نسي، أي لم يستحضر المعلومة والتحذير له من هذا الذي أغواه عندما استثار غريزة حب البقاء والتملك، والنوع وسيطرت عليه عندما لم يفكر ويتدبر المعلومة [َوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يبلى ( 120) طه، نلاحظ الخلود معبرا عن حب البقاء، وملك لا يبلى عن غريزة التملك، ثم النوع بعد المخالفة ليكون الزلل.
فكان الفشل في إدارة المعلومة الجاهزة والسيطرة على الغرائز، وهكذا نحن على الأرض لاختبار منظومتنا العقلية، المعلومة لا تأتيك دفعة واحدة وإنما تتعلم وتفكر فتكتشف وتبدع وتنتج وهذه درجات في نجاح المنظومة، ولكي تتعلم فلابد أن (تقرأ) من اجل هذا كانت الكلمة الأولى في الرسالة القرآنية، وما بعدها دعوة للتفكر بالتدرج والتطور، فقابلية الإنسان رهيبة تظهر حتما عندما تقيس حجمه إلى حجم ما يبني من سدود وناطحات سحاب واستقرائه المحيط والخليقة أدوات سلمه وحربه فمن نجح في استخدام منظومته العقلية وطورها وفكر في مهام البشرية في الحفاظ على السلالة البشرية وعبادة الله بحركته الحياتيةوعمارة الأرض، بإقامه العدل وتميز الآدمية، هذا النوع يعود إلى الجنة، وأما من لا يستخدم منظومته العقلية ويهلك الحرث والنسل، أو يعيش على الهامش لا تهمه إلا حاجاته فيسدها أو غرائزه فيشبعها، ولا تزداد معرفته ، وان زادت فإدارتها مهملة، فسيكون إذن في من حصب جهنم وحطبها يوم القيامة.
من هذا نستخلص أن التفكير وضبط ضعفها وإدارة الحياة هي واجبة، فلا تؤخذ الأمور بالتهرب من مسئولية الآدمية بطلب مبرر لها من رجل دين “مع تحفظي على كلمة رجل دين”، فالإسلام العبادة فيه في إقامة واجبات الآدميةونحن لا نرى اليوم ما يشير إلا إلى فقدان العزيمة عند الأغلبية الحاكم والمحكوم لتحل التفاهة والخروج عن منطق الخلافة الآدمية.
معاملة المعلومة للوصول إلى القرار السليم تدل على قلب أي تفكير سليم والا ما أكثر التافهين وهم يبدون كنشطاء في مجتمع ولهم حضور جسدي في كل حفل ومكان.
التفاهة في مجتمعاتنا باتت غالبة مضرة بالقيم والعادات والتقاليد والتكافل وكل القيم المعبرة عن إدامة السلالة وعمارة الأرض، لقد بات الإضرار بالآخرين تمكينا بينما هو ظلم للنفس والآخر وظلم النفس بتعريضها للعقاب.
الظلم في واقعنا أصبح رديفا للتمكين والأذى بالفعل والكلمة دارج دون انتباه لكرامة الإنسان ولشخصه بل هو نوع من استضعاف بين المستضعفين، واستخفاف بالقيمة والكرامة الإنسانية نتيجة الجهالة والجهل المركب الذي يظهر بشكل التفاهة المنفرة للنفوس الراقية
مجتمع بلا هوية غاص في التفاهة
في أمة اقرأ التي تركت القراءة وتثاقلت، وتمرضت وتألمت فأصبحت تكتب وتجادل في وسائل التواصل وتفرض تفاهتها على الساحة وتسفه العقلاء لذا سنجد أسبابا داعمة لمشكلة التفاهة التي تسود في الحياة والكلام والعلاقات ومنها
لا يمكن أن نتوقف عن التفكير فهذا من بنية الخلق والتفكير يحتاج القراءة والمعرفة كمادة للإبداع والتصويب وليس لمعرفة لا تنقل من حالة الغفلة، تلك جدلية القراءة والتفاهة فشتان بين يفكر في معطياته وتطويرها ليصل وبين من يجتر الأوهام بحثا عن حياة الهدوء وسط الضجيج.
الإنسان قيمة فلا تبع نفسك برخص بل وتخلص بخيانتك لخلقك وتبدع في التضليل، هنا ستكون فاسقا كما إبليس وتصبح شيطانا، التفاهة لا علاقة بذي علم أو معرفة بل بمدى ضعف المنظومة العقلية وحيودها عن رسالة الأدمية في الحياة ولا تليق التفاهة بعظمة الإنسان، فما ملك مهما ملك من ملك والتفاهة من ضمن أوصافه، فهو فقير مسكين ظالم لنفسه، والقناعة هي منعطف حياتي محظوظ من يجتاز التوائها بسلام ومحظوظ من ساعد الآخرين على اجتيازها بلا إضرار لهم أو بكرامتهم.