23 ديسمبر، 2024 3:42 م

فيلم “الطائشة”.. المرأة كالثوب الأبيض إذا اتسخ يرمي بعيدا

فيلم “الطائشة”.. المرأة كالثوب الأبيض إذا اتسخ يرمي بعيدا

خاص: كتبت- سماح عادل

فيلم “الطائشة” فيلم مصري أبيض وأسود، يحكي عن فتاة خاطئة اختارت طريق التلاعب بالرجال، ونالت جزائها الذي تستحقه وفق وجهة نظر صناع الفيلم وربما معظم صناع السينما في مصر.

الحكاية..

“لواحظ” البطلة (فاطمة رشدي) فتاة فقيرة تعيش مع أبيها “منصور” (حسن كامل) وزوجة أبيها “عيشة” (ماري منيب)، صاحبة المنزل المتسلطة التي تعامل “لواحظ” بقسوة كما تقسو على زوجها “منصور” لأنه عاطل يبتزها ليكمل أبحاثه رغم جهله في البحث عن حجر الفلاسفة لتحويله إلى ذهب.
يسكن في بيتهم “سامي” (يحيى شاهين)، الطالب بالسنة النهائية، والذي يحب “لواحظ”، وهو في رعاية أخيه الكبير “كامل” (حسين رياض). يعمل “كامل” أفندي في مصنع “شاكر بيه” بكل جد وإخلاص، ويقوم بتطوير الإنتاج حتى كتب للمصنع النجاح والازدهار. يمرض “شاكر بيه” ويموت ويكتب في وصيته نصف المصنع ل”كامل” ليضمن استمرار النجاح، والنصف الآخر لإبنته “سميرة” (أمينة شريف) التي ترحب بوصية أبيها.

حياة القصور..

تعاني “سميرة” من الوحدة، فيطلب “كامل” من “لواحظ” العيش معها في القصر، والتي تنبهر بحياة الأغنياء وتتطلع لمثل هذا الثراء. يتخرج “سامي”، ويتأهب لاستلام عمله بالقاهرة، ولكنه يجد صدًا من “لواحظ” التي قارنت بين حبها وحياتها مع “سامى” وبين تطلعها للثراء، فتنصب شباكها نحو أخيه “كامل” الذي ورث ثروة، فتقنعه أنها تحبه رغم سنه المتقدمة عليها، ويصدقها “كامل” ويتزوجها، ويفضل “سامي” الهروب بالسفر إلى السودان للعمل بعيدا عن “لواحظ”.
يحضر “فريد “(محمود المليجي) خطيب “سميرة” من الخارج، ويتزوجها ويدير المصنع مع “كامل”. تبحث “لواحظ” عن شاب ليشبع رغباتها، فتجد أمامها “فريد” فتقيم معه علاقة بمساعدة صديقتها “لطيفة هانم” (زوزو شكيب)، وتبدأ “لواحظ” في ابتزاز أصحاب المصنع “كامل” زوجها و”فريد” عشيقها، ليصبح لديها الكثير من المال والمجوهرات وفيلا وسيارة فخمة، مما أرهق خزينة المصنع.

حضور الحبيب..

خاف “سيد أفندي” (منسي فهمي) الموظف بالمصنع وصديق “كامل” المسافر للخارج لعمل أبحاث، فيرسل خطابا إلى سامي بالسودان للحضور لإنقاذ شرف أخيه والذي يحضر ويواجه “لواحظ” بخيانتها لزوجها، وتخدعه بالكذب بأن “كامل” أقنعها بحبه، وأن “سامى” لو تزوجها سيقتل من بعض أهله، وأنها وافقت على الزواج من أخيه من أجل إنقاذ حياته هو، مبينة له أن أخيه سيء وشرير وخطفها منه، وأقسمت عليه أنها سوف تنتحر إذا لم يحاول إنقاذها، فتركها ثم أرسل لها خطابا يطلب منها الهروب معه إلى السودان، ولكنها أمسكت بالخطاب دليلا على خيانته لأخيه، وهددته إن لم يصمت ستظهر الخطاب لأخيه، فعاد مرة أخرى للسودان.تترك لواحظ الخطاب مع “لطيفة هانم”.

ذروة..

تشعر “لواحظ” بالملل نحو “فريد” الذي أنفق من أموال المصنع الكثير وأعطي لزوجها لكي ترضى عنه، حتي أنه اشتري لها فيلا وأوتومبيل وتصاحب رجلا آخر تذهب معه إلي كل الأماكن، ويشعر “فريد” بالحزن ويحاول مطاردة “لواحظ” لكنها تعامله بجفاء شديد.
تتصاعد الأمور مع عدم صرف أجور العمال ومع المصاريف الكثيرة التي أوشكت أن تصيب المصنع بالإفلاس، ويعلم “كامل” بأمر خيانة زوجته مع شريكه “فريد”، فيستولى على كل ما تملك “لواحظ” لإنقاذ المصنع من الديون، ثم يطلقها ويطردها في الشارع ويقوم بفضح شريكه “فريد” أمام الجميع، ويطرد “لطيفة هانم” التي حرضتها علي فعل كل ذلك، والتي انتقمت منه بأن أرسلت إليه خطاب “سامي” إلى “لواحظ”، فقام بطرد أخيه ومقاطعته.

سقوط..

تحولت الدنيا مع “لواحظ” التي تذهب للرجل الذي تصاحبه فيستغل وجودها لتحقيق مصالحه ويبعث لها بأحد الرجال ليضاجعها، ثم تهرب من منزله ذاهبة إلي منزل “لطيفة هانم” لتستنجد بها لكن “لطيفة هانم” تأمر الخادمة بأن تطردها دون أن تقابلها إمعانا في التعامل معها بقسوة، وتذهب إلي أبيها لكنه يطردها وتضطر “لواحظ” أن تعمل بالصالات الليلية، وتبيع جسدها لمن يدفع، وتتدهور صحتها، ولكنها تندم وتريد أن تفعل خيرًا.

مصادفة..

ثم تتقابل مصادفة مع “سامي” في قسم الشرطة ويلومها علي إعطاء الخطاب لأخيه لكنها تخبره أنها لم تفعل، وتسعي لعمل الخير فتلجأ إلى “كامل”، وتقص عليه خداعها ل”سامي” حتى تفرق بينهما، وتطلب منه أن يعيد أخيه إليه مرة أخرى، ثم تتناول السم وتموت منتحرة.
الإخراج جيد، اعتمد الفيلم علي معظم عناصر جذب الجماهير التي كانت سائدة في ذلك الوقت من غناء ورقص واستعراضات وعلي تصوير الأماكن الفاخرة والقصور وفيلل الأغنياء، كما صور الحارة لكن بشكل سريع لإنه اعتمد علي تصوير الشوارع الفاخرة وأماكن الفسح الفاخرة.

المرأة ما بين متناقضين..

وعلي مستوي الأفكار قدم الفيلم نموذج للمرأة الطائشة المستهترة الخاطئة في محاولة لترسيخ نموذجين للمرأة لا ثالث لهما، ما بين الأبيض والأسود والخير والشر والخاطئة والشريفة. والتساؤل هل كان معظم صناع سينما علي اقتناع تام أن هذين النموذجيين العريضين هما نوعين للمرأة المصرية لا تخرج امرأة عن ذلك التصنيفين وفقط؟، متناسيين الاختلافات الكبيرة بين النساء وبين أفكارهن وتوجهاتهن وطموحاتهن. السؤال الأهم لماذا أصر صناع السينما في مصر أو أغلبهم علي حصر المرأة المصرية في نموذجين متناقضين تمام التناقض ومختلفين تمام الاختلاف. نموذج الشريفة الطاهرة المستكينة ونموذج الخاطئة الشريرة التي تريد الملذات والمتعة واللهو بالرجال، ولا تتخضع لرجل واحد تحبه وتستكين له ولأمره؟.

الطائشة..

وفي هذا الفيلم تمثل البطلة هذا النموذج الخاطئ الشرير، حيث كانت في بداية حياتها تحب بإخلاص “سامي” وتحلم معه في ضوء القمر، لكن عند اختلاطها بالأغنياء تنشأ في داخلها الرغبات الآثمة في أن تكون غنية وتنتمي للأغنياء، فتهجر حبها ل”سامي” وتقرر إغواء أخيه الذي أصبح شريكا في المصنع، رغم أنه أكبر منها سنا، لكن سعيها للالتحاق بالأغنياء أعماها وجعلها تتزوج بمن لا تحب. وبعد وقت تشعر بالتعاسة لأنها تزوجت رجلا لا تحبه وبدلا من أن تحاول إصلاح مسارها الذي انعوج تساهم أكثر في ازدياد انعواجه، حين ترافق زوج “سميرة” بتحريض من “لطيفة هانم” التي تزين لها استغلال جمالها والاستفادة منه كي تثري أكثر.
وتصاحب “فريد بيه” وتحصل منه علي كل ما تريد وتتمني، وتتنكر لوالدها وزوجته لأنها تريد أن تنتمي بالكامل لمجتمع الأغنياء الذي صوره الفيلم، كما معظم الأفلام في تلك الفترة، بأنه مجتمع فاسد لا هم لأفراده سوى اللهو واللعب والتمتع بالملذات والخروج والتنزه في الأماكن الفاخرة دون عمل أو جهد أو شقاء.

الاغنياء أحرار..

وتنتمي “لواحظ” لهذه الطبقة الفاسدة وتسعي إلي اللهو وحضور الحفلات ومصاحبة الرجال بعد أن ملت من “فريد”، وبعد أن تلاعبت ب”سامي” الذي أحبته. لكن تنقلب عليها الدنيا عند اكتشاف زوجها خيانتها لتصبح في يوم وليلة “فتاة ليل”، بعد أن كانت سيدة مجتمع من الطبقة الغنية.
وهنا نلاحظ التناقض الشديد، فالغنية مسموح لها بمصاحبة الرجال دون إدانة كبيرة، فوضعها الطبقي وخوف الناس من الطبقات الأخرى من أن يلوموها في العلن، أو يقيموا عليها العقاب، يجعلها محمية من التنكيل والقسوة، لكن حين تطرد من الطبقة الغنية تصبح عرضة للتنكيل والقسوة والوصمة الاجتماعية، وتصبح عاهرة وتتصف بأسوأ الصفات.

الموت هو المصير..

وهذا ما حدث ل”لواحظ” بالفعل، وكالعادة رغم أنها ندمت علي ما فعلت وعرفت خطأها في التشبث بأذيال الطبقة الغنية، إلا أن الخاطئة في الأفلام المصرية لا يتم إعطاءها فرصة ثانية، إلا نادرا وبمبررات يضعها صناع السينما الذكور. لكن في معظم الأحوال مصيرها هو الموت الذي تستحقه، من وجهة نظر صناع السينما الذكور، فهي قد تدنست كالثوب الأبيض، وهذا التعبير تم استخدامه في الفيلم حين كانت “لواحظ” تصارع الموت قبل النهاية، وحين يتم تدنيس الثوب الأبيض لا يعود صالح ويتم رميه أو تدميره، كما يتم قتل المرأة الخاطئة، وهنا هي اختارت موتها بالسم حين شعرت أنها أصبحت منبوذة تماما وخاطئة في أعين الجميع. وليست محل ثقة أو تصديق.

الفيلم..

“الطائشة” هو فيلم مصري إنتاج 1946، إخراج “إبراهيم عمارة” وبطولة “فاطمة رشدي، حسين رياض، يحيى شاهين”. الكاتب “يوسف جوهر” قصة وحوار، سيناريو وحوار “إبراهيم عمارة” إنتاج “فاطمة رشدي”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة