منذ القدم كان النقاش محتدماً بين من يريد ان يطبق شرع الله تعالى في ارضه ومن يريد ان يتبع هواه ويلعب بكيفه ويتصرف بما تمليه عليه غرائزه وحاجاته الشخصية الفردية غير ابه بما حوله ومن حوله والهدف من وجوده هنا وقد قاد هذا الصراع التاريخي الى حروب وكوارث بشرية وطبيعية غيرت مجرى التاريخ ووجه الكرة الارضية وانتجت الكثير من الثقافات والديانات البشرية (اضافة الى الاديان السماوية المتحدة الهدف).
وبعد قرون من الزمن بين اخذ ورد وجذب وشد بدأت البشرية تتعب من حروب الحق والباطل والصح والخطأ واخذ الفلاسفة والمنظرون يبحثون عن انصاف الحلول التي تضمن اقل الخسائر ولو على حساب الصح وايضاً ولو نصرة للخطأ! ومن هنا نجد انهم في كل فترة من الزمن يجتمعون ليقرروا حقوقاً وواجبات لكل انسان وبهيمة ونبات وجماد بما يرتأون وتختلف هذه الرؤى بين فترة واخرى ويعودون ليجتمعوا من جديد ويقرروا اشياء اخرى وهكذا.
في قبال ذلك التزام ارباب الاديان السماوي (الى حد ما) بتعاليم اديانهم وحاولوا اضفاء بعض صفات المرونة عليها لتتماشى مع التطور المتسارع في النظم البشرية والافكار المستجدة مستندين في ذلك الى مصادر تاريخية وروايات دينية واجتهادات شخصية ولكن لا احد يدعي انهم توقفوا عن المحاولة لابقاء الدين بوصلة للبشرية والعالم وللأسف اصيب البعض منهم بالجمود والتحجر مما ادى الى نفور البشر منهم واصيب البعض الاخر منهم بداء العظمة والوحشية والرغبة في ابادة كل المخالفين لهم وظهرت لنا في التاريخ محاكم التفتيش الاوربية والحروب الصليبية ومجاز التطهير العرقي لجنس من البشر او دين من الاديان بحق دين اخر واخر ما نشهده اليوم هو الحروب بين ابناء الدين الواحد بدعم سياسي لدول غنية ودعم عقائدي من قبل مندسين او متعصبين او كائنات خارج الزمان والمكان ادرجوا في الحاضر ادراجاً متعمداً ليسيئوا الى الدين باسمه وليقتلوا ابناء الدين باسمه وليبيدوا عباد الله تعالى باسمه وحاشاه تعالى ان يخلق الخلق ليقتتلوا وهو اول من انكر ذلك في حديثه مع الملائكة في قصة خلق ابينا ادم (عليه السلام) المعروفة.
في المقابل وقف اغلبية البشر متفرجين على الحروب باسم الاديان ولأن البشر مجبول على حب نفسه والبحث عن السلامة وطول العمر والرفاهية فقد ارتأى الناس (في اغلبهم) الابتعاد عن هذه الحروب وهذه الجماعات التي ترى انها وجدت لتنشر (الاشلاء) وتقطع الرؤوس وتبيد الحرث والنسل وتبقي الدنيا في عصور الظلام ولكن هؤلاء المتطرفين خلقوا لنا تطرفاً من نوع اخر على طرفي نقيض مع التعصب وهو الانحلال والتسيب والانسلاخ من كل قيد وقانون وعرف ودين ونشأ بشر من نوع اخر يرى انه حر ليفعل اي شيء وبكفي فيه انه انسان ليتمتع بأستخدام كلما يملك وكل من يملك ممن هم تحت يده ولهؤلاء اوجه كلامي واقول:
الى دعاة الانسانية المحضة بلا تفريق بين ظالم ومظلوم وقاتل ومقتول وكافر ومؤمن اقول:
انا هديناه النجدين اما شاكراً واما كفوراً
انا خلقنا الانسان في احسن تقويم ثم رددناه اسفل سافلين
منهم المؤمنون واغلبهم كافرون
وهكذا تستمر الايات والكلمات السماوية في تصنيف البشر في الدنيا والاخرة ولا بد لكل منا من تصنيف يضمه غير كونه بشر فقابيل وهابيل كلاهما بشر وابو لهب وابو طالب كلاهما بشر ومحمد (ص) وابو سفيان كلاهما بشر والحسين (ع) ويزيد عليه اللعنة والعذاب كلاهما بشر ولا يكفي كون المخلوق يمشي على اثنين ويتكلم ويأكل وينام لكي يتم تفريقه عن البهائم (اجلكم الله) فلا بد من توجه فكري وعملي يميز الانسان ويحدد وجهته في الدنيا ومصيره في الاخرة ولكن لا يجب على احد ان يسألك عن توجهك ولا يجب عليك الاجابة فمن حقك ان يكون توجهك بينك وبين الله.
في المقابل من هذا الكلام يوجد من يقول ان التوجهات الانسانية الفردية والجماعية والتي تبين المغزى من الحياة والوجود لا بد ان تظهر على تصرفات المرء رغماً عنه وعندها يكون معرضاً للنقد او الانتقاص في سبيل ذلك وفي معرض الرد على هذا القول نجد الجواب الشافي في دعوة الله تعالى الى المؤمنين الذين يحملون الدين هماً وعقيدة وفكراً وسلوكاً الى التحمل والصبر على الاذى في جنب الله تعالى بشرط ان يبحثوا عن ما يوصلهم اليه تعالى من غير ان يجبروا احداً على دين او مذهب او ملة فلا اكراه في الدين وتفرض الفطرة الانسانية الصحيحة على اصحابها ان يقضوا اعمارهم في البحث عن الحقيقة مهما كلف الامر بهدوء وروية وبلا تعصب ولا تطرف ولا اسالة للدماء وكذلك فأن اثار التوجه الفكري لا بد ان تنعكس على السلوك العام وحينها يتميز الخبيث من الطيب وهذا احد اسباب وجودنا هنا في الدنيا وعلى الارض (ليميز الله الخبيث من الطيب) ولذلك وضع ربنا لنا قوانين تكافئ الطيب وتعاتب وتحاسب وتعاقب الخبيث المعتدي والضال المظل الكافر والظالم والفاسق والفاجر والزاني والمكذب ووو الخ من الصفات التي لا يخلوا منها مجتمع ولذلك ادرك البشر انهم غير متساوون في التصرفات فوضعوا القوانين الوضعية التي تكافئ المحسن وتعاقب المسيء واما ان يأتيني من يقول (انا انسان وكفى!) ويطلب مني ان اسكت عن أساءته لنفسه ومحيطه ومجتمعه واراه يتصرف تصرفات البهائم (اجلكم الله) واتركه وشانه لأنه (انسان!) فهذا غير منطقي وغير صحيح فمن يفجر نفسه بي وبغيري فهو انسان مخطئ يجب ردعه قبل ان يقوم بفعلته ومن يشرب الخمر ويأتي الى البيوت يدق الابواب ويعربد في الشوارع فهو انسان مخطئ من حقي بل من واجبي ان اوقفه عند حده ولا اكتفي بتركه (يلعب بكيفه لأنه انسان وهو حر بكيفه!) كما يطالب المتحررون والداعون الى الحرية المطلقة فلا وجود لشيء اسمه حرية مطلقة نحن بشر فرقنا الوحيد عن بقية المخلوقات ان هناك قانوناً يجب ان يحكمنا وكذلك الحال مع الزاني والزانية والمتحرش بالنساء والعارية عن الاخلاق والملابس الساترة كل هؤلاء يساهمون في ايذاء انفسهم ومن حولهم لذا ومن منطلق انسانيتي اراقبهم واحاسبهم واعاقبهم ان لزم الامر ومن هنا نجد ان كل دول العالم حتى التي تبيح الزواج المثلي وتبيح ما حرم الله تعالى تشترك في ثوابت وهي اعتبار السياقة تحت تأثير المسكر مخالفة يسجن عليها صاحبها والدعارة تجارة ممنوعة تحاسب عليها الدولة والتعري في الشوارع فعل مخالف للقانون يسجن صاحبه وووو الكثير الكثير من القوانين التي رغم كونها وضعية الا انها تنظم حياة البشر الى حد ما فمن اين لكم القول ان الانسان حر مطلق؟ وكيف لكم ان تطالبوا بترك الجمل بما حمل والاكتفاء بالمراقبة ونحن لدينا فريضة توازي في اهميتها الصلاة والصوم وهي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ عسى ان يتوقفوا قليلاً للتفكير واعادة التفكير!