22 سبتمبر، 2024 12:20 ص
Search
Close this search box.

تاريخ الجنون (2).. كان يتم علاج المرضي في المعابد بالسحر

تاريخ الجنون (2).. كان يتم علاج المرضي في المعابد بالسحر

خاص: قراءة- سماح عادل

في كتاب “تاريخ الجنون.. من العصور القديمة وحتى يومنا هذا” تأليف “كلود كيتيل”، ترجمة “سارة رجائي يوسف”، “كريستينا سمير فكري” نواصل البحث واكتشاف كيف تعامل الإنسان القديم مع الجنون. حيث عرف في الحضارة المصرية القديمة والحضارة البابلية، وكان يتم علاج المرضي في المعابد.

العصور القديمة وجذور الجنون..

يبدأ الجزء الأول المعنون ب (العصور القديمة وجذور الجنون) بالفصل الأول “رب وأرباب” حيث يبدأ بالحكي عن اليونانيين: “كان اليونانيون القدماء هم أول من اهتم بدراسة الجنون، أي مرض الروح، لكن هل يعني هذا أنه قبل ذلك الوقت لم يتطرق أحد إلى هذا الموضوع؟ نحن لا نقصد بالتأكيد الجنون بمعناه النظري، حتى وإن كان غياب المصادر يجعلنا نتغاضى بعض الشيء عن مثل هذا القول. إنما نقصد المجانين بالطبع. هل هناك حضارات أو مجتمعات، حتى الأولى منها، دون مجانين؟ نراهن أن الإجابة ستكون بالنفي”.

جنون وآلهة..

ثم يتساءل الكتاب عن الحضارات التي تسبق الحضارة اليونانية: “في الحقيقة، وحتى لا نستعرض إلا الحضارات التي سبقت اليونان وأثرت فيها، لا بد من البحث عنهم والعثور عليهم أولئك المجانين، الذين سبق أن ضُبطوا في أثناء تلقيهم للعلاج. ومع ذلك، نراهم هناك، ببساطة هناك. نجدهم في المعابد التي شُيدت لغرض طبي في الحضارة البابلية وفي مصر القديمة، كما في معبد ممفيس، والذي كان يُعد مدرسة للطب ومشفًى في الوقت نفسه.
من بين أولئك الذين كانوا يتوافدون على هذه المعابد طلبًا للشفاء، نجد المجانين الذين كانوا ينتظرون دورهم لحدوث معجزة معهم من خلال ممارسة بعض الطقوس. وسط أجواء من الشعائر الدينية، كانت هناك
ممارسات كالصوم والاغتسال والتطهر والدَّهن بالمسحة المقدسة تسبق الدخول إلى المعبد، أحيانًا ببضعة أيام، للمبيت فيه ليلة. في اليوم التالي ل “نوم حضانة المرض” يمكن أن يصاحبه تناول بعض العقاقير، كان المريض يقص أحلامه على الكهنة الأطباء الذين كانوا بدورهم يقومون بتفسيرها للحصول على وصفات العلاج والأدوية والأنظمة الغذائية، والتي كان الإله بنفسه هو من يمليها على المريض في بعض الأحيان عن طريق الأحلام.
ويمكن الافتراض بأن الحالات المرضية للرجال والنساء التي لا أمل في شفائها لم يكن يُسمح لها بدخول المعبد، حيث كانت سمعة المكان والإله على المحك”.

«القلب»..

وعن تصور المصريين القدماء للجنون يواصل الكتاب: “على أي حال، كان هذا الطب الكهنوتي ملائما تمامًا للجنون. فهو مقر أما المصريون، فقد كانوا يعتقدون أن مركز كل شيء هو «القلب»، وأن الجنون يصيب المرء حينما تسكن قلبه قوة إلهية في إشارة إلى الشيطان، فإنه «قلبه» يمس ولا يصبح بعدها مسئولًا عن أفعاله. وحينما يعثر الإنسان علي «النسيان» و«الهروب»، يستعيد في الوقت نفسه عقله”.

المجنون المغيب..

ويتابع الكتاب عن فكرة التغييب: “وقد ظلت هذه الفكرة عن المجنون المُغيب سائدة لوقت طويل، ثم عاودت الظهور خاصة مع نشأة الطب النفسي، في أوائل القرن التاسع عشر، وتعني أن يكون alienare مع ظهور مفهوم الاغتراب وهي كلمة مشتقة من الأصل الإنسان شخصًا آخر غريبًا، ليس فقط غريبًا عن الآخرين وإنما أيضًا غريب عن نفسه.
في الطب البابلي، كان هناك اعتقاد بأن لكل مرض شيطانًا مسئولًا عنه؛ ومن ثم فإن الروح الشريرة التي تسبب مرض الجنون كانت تُدعى إيديتا. في النصوص جرى التمييز بين أنواع مختلفة من الجنون، إذا كان الشخص يعاني كثيرًا من نوبات حادة أو خفيفة من الصرع، أو بدأت تنتابه أفكار عن الاضطهاد وأن الآلهة غاضبة عليه، أو إذا كان يصاب بهلاوس، أو لديه شعور دائم بالرعب والفزع.
كان الطب البابلي يلجأ إلى العراف أو الساحر وأحيانًا، إذا كان المريض يستحق العناء، كان يجري استدعاء الاثنين معًا، حيث كان الطبيب، وهو في الوقت نفسه الصيدلي، يمتلك بالفعل صيدلية تحتوي على عقاقير ومراهم، لا يتورع العراف من جانبه، إضافةً إلى ما يتلوه من تعويذات وعزائم، عن استخدامها”.

الصراع بين إلهين..

وعن الجنون في حضارة فارس يتابع الكتاب: “في بلاد فارس القديمة، كان هناك اعتقاد بأن جميع الأمراض يتحكم بها شياطين، وأن المفهوم الثنائي للصراع الدائم بين الخير والشر يتجسد، ليس في العالم فحسب، إنما أيضًا في الجسم البشري ، حيث أن إله الخير يتنازع مع إله الشر«أهريمان» و«اهورا- مازدا» حيث تتعارض الصحة مع المرض.
وكان هناك ثلاثة أنواع مختلفة من الطب كما يلي: ويقصد بهذا ،« طب الِمبضع أو الجراحة، طب العلاج بالأعشاب والنباتات، وطب الكلام». ويعد اليونانيون أول من قام فيما بعد بتعريف دقيق لماهية الروح النوع الأخير التلاوات المقدسة التي« تجلب السَّكينة للروح»”.

السحر والدين..

وعن استخدام السحر والدين للتعافي من الجنون: “في تلك العصور القديمة، نادرًا ما نجد حالات من الجنون لها أسباب مرضية أو طرق علاجية ملائمة، بعيدًا عن نطاق التداوي بالسحر والدين. وبالرغم من ذلك، قبل ألفي عام من ميلاد المسيح، عزا المصريون العديد من الاضطرابات النسائية، سواء أكانت جسدية أم نفسية، إلى هجرة الرحم إلى أعلى الجسم مما ينتج عنه حدوث ضيق في التنفس انطلاقًا من الفرضية القائلة بأن العضو المهاجر يهرب من الروائح الكريهة بينما تجذبه الروائح الطيبة،. ما يُقصَد به “اختناق رَحِمِيٍّ” و”الإصابة بالهستيريا”. وساد اعتقاد بضرورة الجمع بين استنشاق روائح غير محببة وتطهير المهبل بالروائح العطرية لإجبار الرحم على العودة إلى موضعه الطبيعي. وهكذا نشأت الهستيريا، والتي أصبحت حقلًا واعدًا على الصعيدين الطبي والاجتماعي للباحثين بهذا المجال””.

معابد اليونان..

وعن العلاج داخل المعابد في الحضارة اليونانية: “وقد اتبعت اليونان القديمة وما بعدها من حقب النهج الطبي نفسه القائم على الاستعانة بالسحر والدين، متأثرة في ذلك بالطب المصري القديم. كان الكهنة أيضًا هم القائمين على رعاية صحة البشر، ولا سيما في العديد من المعابد المخصصة للإله أسكليبيوس. ووفقًا للأسطورة الإغريقية، فإن أسكليبيوس هو ابن الإله أبوللو والحورية كورونيسو الذي عُهِد به إلى القنطور شيرون لتربيته. وكان هذا القنطور يمتاز عن أقرانه، المتوحشين والجهلة، بالحكمة والطيبة.
وقد قام القنطور شيرون، بتعليم أسكليبيوس الطب، حيث نقل إليه ما سبق أن تعلمه على أيدي أبوللو وأرطميس. وسرعان ما تفوق الطالب على أستاذه. ولم تقتصر قدرة أسكليبيوس على شفاء المرضى فحسب، وإنما امتدت لتشمل أيضًا إحياء الموتى. ولم يتحمل الإله زيوس ذلك، فغضب على أسكليبيوس وضربه بالبرق. وأصبح أسكليبيوس هو إله الطب وهو الإله إسكولاب عند الرومان، وصارت ابنته هيجيا أو هيجي إلهة الصحة ومن اسمها اشتُق الأصل اللغوي (Hygie) أي النظافة الصحية.
يقع المعبد الرئيس للإله أسكليبيوس في مدينة إبيداوروس، في أرغوليس. وكان يتوافد عليه المرضى منذ القرن السادس قبل الميلاد. وكما هي الحال أمام مئات المعابد الأخرى المخصصة لإله الشفاء في جميع أنحاء اليونان، كان المرضى يصطفون بانتظار قضاء ليلة حضانة المرض الشهيرة. وكان المؤلف المسرحي أريستوفان يسخر من هذا المشهد في مسرحياته الكوميدية، قائلًا بأن الأمر لا يعدو أن يكون عمليات احتيال وخداع كبرى.
ولكن لم يشاركه هذا الرأي أولئك المرضى الذين كانوا يحجون إلى هذه المعابد، مفعمين بالإيمان والاعتقاد في الشفاء، ولم لا وقد عزز من إيمانهم هذا منظر آيات الشكر والعرفان والوفاء بالنذور التي كانت تزين جدران المعابد. أما أولئك الكهنة الأطباء الذين يدَّعون أنهم ينحدرون من سلالة أسكليبيوس ويمثلون رابطة قوية فكان من بينهم مختصون في علم التغذية، وصيادلة، وجراحون، ومعالجون بالموسيقى، وكذلك وقبل ظهور الكلمة نفسها أطباء نفسيون. وكما هي الحال في مصر، لم يكن الكهنة الأطباء يكتفون بالبقاء في معابدهم بل كانوا يقومون بجولات واسعة لتفقد المرضى. وكان المجانين يمثلون الفئة المختارة لدى هذا النوع من الأطباء الذي يجمع بين السحر والدين”.

مدارس..

وعن ظهور مدارس في ظل الحضارة اليونانية يشرح الكتاب: “كما حدث في مصر، أنُشئت مدارس تنافسية: في قوريني، ورودس، ولا سيما في كنيدوس، في آسيا الصغرى، وفي جزيرة كوسفي دوديكانيسيا. وتزايد الاهتمام بتسجيل العوارض الصحية وطرق معالجتها على ألواح، بحيث تكون في بعض الأحيان بمنزلة مرجع طبي متكامل، ونذكر على سبيل المثال في هذا الصدد كتاب «الحِكَم الكنيديسية».
ومع ذلك، كان الكهنة الأطباء من سلالة أسكليبيوس يميلون إلى الاقتصار على معالجة الجروح والأمراض الحادة؛ ولهذا السبب هجر العديد من المرضى المصابين بأمراض مزمنة معابد أسكليبيوس وأخذوا يترددون على صالات الألعاب الرياضية، اعتبارًا من القرن الخامس قبل الميلاد.
ذاع صيت الألعاب الرياضية في اليونان إلى حد أنها لم تكن تعد وسيلة للتمتع بصحة جيدة فحسب، بل أضحت طريقة لمعالجة الأمراض المزمنة، اعتمادًا على التمارين البدنية والسير لمسافات طويلة وإتباع أنظمة غذائية”.

الجنون والأساطير..

وعن ظهور الجنون في الأساطير اليونانية: “أما فيما يتعلق بالجنون نفسه، فهو يحتل في الأسطورة اليونانية القديمة وقصائد هوميروس مكانة خاصة؛ فقد كان يُنظر إليه على أنه يمثل في أغلب الأحيان عقابًا يُبتَلى به البشر الذين يقعون ضحية الجموح والغطرسة. وهكذا، أصيب أوريستيس بالجنون بعد أن قتل والدته وعاقبته على فعلته إِلَهَات العذاب إيرينيس المسماة فيوريس عند الرومان.
كان الإغريق يخافون بشدة من جنيَّات الجحيم إيرينيس، لدرجة أنهم كانوا حتى لا يُغضبوها. وكانت مهمة هؤلاء الإلهات معاقبة «الجنيَّات الطيبة» يطلقون عليها القاتل والمتغطرس أيضًا.
لقد سلطت الآلهة الجنون على أوديسيوس، الذي كان يحرث الرمال بدلًا من الحقول، وأجاكس، وهو أشجع الرجال اليونانيين بعد أخيل. وعند موت هذا الأخير، طالب أجاكس بأسلحته ولكن القادة الآخرين اختاروا أوديسيوس. وهكذا أصابت أجاكس لوثة الجنون وطفق يذبح قطيعًا من الخراف ظنَّه جيشًا من الآخيين. وكتب سوفوكليس، في مسرحيته التي ألفها حوالي سنة ٤٤٠ قبل الميلاد، مشهدًا تظهر فيه الإلهة أثينا، حامية غشاوة الآخيين، وهي تشرح لأوديسيوس كيف أنها بددت غضب أجاكس بأن ضربته ب «أجاكس». وعندما أدرك أجاكس خطأه، لم يبقَ أمام هذا البائس إلا الانتحار.
بيد أن آلهة الأساطير الإغريقية لم تكتفِ بلعب دور المنتقمين أو الحُماة. فقد كان لدى هذه الآلهة جميعها عيوب الفانين نفسها. وهكذا كان زيوس زير نساء بمعنى الكلمة وكانت هيرا زوجته راعية الزواج وحامية النساء المتزوجات غَيْرَى بشكل رهيب. ونظرًا لعدم قدرتها على الانتقام من زوجها الفاسق، والذي يعد في الوقت نفسه كبير الآلهة أو رب الأرباب كانت هيرا تتجه نحو العديد من الفانيات اللائي نلن جانبًا من إحسانها”.

هرقل..

وعن أسطورة هرقل كمثال يفصل الكتاب: “وهو ما حدث على سبيل المثال مع ألكمن، أميرة الميسينيين، التي أغواها زيوس بعد أن اتخذ شكل زوجها الغائب أمفيتريون، ثم حملت منه. فاستشاطت هيرا غضبًا وطلبت من ابنتها إيليثيا، إلهة الولادة، أن تطيل فترة حمل ألكمن. وبمجرد ميلاد ابن ألكمن، لم تكُف الإلهة الرهيبة هيرا عن وضعه في اختبارات كانت تبعث بها إليه، ولكنه كان دائم الانتصار فيها. ومن هنا جاء اسمه: هرقل، ومعناه “مجد” وعندما أدركت هيرا الإلهة أنه لا شيء يقدر على هزيمة هذا البطل، ضربته بلوثة جنون دفعته إلى قتل أبنائه وأصبح لزامًا عليه فيما بعد القيام بالأعمال الإثني عشر الشهيرة للتكفير عن مثل هذه الجريمة.
وقد قدم المؤلف المسرحي يوربيديس نسخة شائقة من جنون هرقل في صورة عمل مسرحي؛ حيث أدركت هيرا فجأة، في تجلٍّ مصحوب بإحساس شنيع بالابتهاج، أنه لا يوجد شيء أو شخص بإمكانه هزيمة هرقل. لا أحد، إلا نفسه! وبناءً عليه، فليعلن الآن الحرب على نفسه! وليصِير مخبولًا بحيث يكون، في جنونه، غير مدرك لأفعاله؛ وبذلك يكره نفسه!
ورغم أننا هنا في نطاق الأسطورة الإغريقية والشعر التراجيدي، فالجنون المشار إليه، بعيدًا عن أي مجاز، لا يقل عن الجنون بصورته الحقيقية؛ لأن الجنون في صورته الأكثر عنفًا والأكثر خطورة يتجلى في: هوس هرقل الإغريقي، وغضب هراقليس اللاتيني الهائج.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة