خاص : ترجمة – د. محمد بناية:
بينما تستفيد إدارة الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، من مختلف الأدوات للحيلولة دون تفاقم الصراع الإقليمي نتيجة الحرب بين “إسرائيل” و(حماس)، علينا أن نفهم حقيقة أن الحرب الراهنة تختلف تمامًا بالمقارنة مع الحروب السابقة. بحسب تقرير مؤسسة الدراسات “الإيرانية-الأورآسيوية”؛ (إيراس).
ذلك أن دول الجوار الإسرائيلي؛ (لا سيما أطراف مثل: مصر والأردن ولبنان)، تُصارع اقتصاديًا أزمة غير مسّبوقة.
وفي هذا الصّدد شرعت “مؤسسة المجلس الأطلسي” في تحليل الإحصائيات من خلال رصد نقاط القوة والضعف النسّبي لتلك المجموعة من الأطراف، مع الاستفادة من مؤشرات البؤس؛ (تشمل مجموع معدلات التضخم والبطالة)، وكذلك تقييّم المعطيات على أساس الناتج المحلي الإجمالي.
فرصة لتجاوز أزمة “غزة”..
تُثبت النتائج بوضوح أسباب اختلاف هذه البرهة الزمنية من المنظور الاقتصادي عن الفترات السابقة جميعها.
ذلك أن مؤشرات البؤس بالنسّبة للدول التي تقع في محيط الجوار الإسرائيلي، ارتفعت بشكلٍ كبير جدًا مقارنة بالعام 2000م. على سبيل المثال بلغت نسّبة التضخم الاقتصادي في “مصر”؛ خلال أيلول/سبتمبر الماضي، نحو: 38% بالتوازي مع تراجع الاحتياطي المصري من العُملات بشكلٍ سريع جدًا.
كذلك ارتفع معدل التضخم في “لبنان”؛ خلال السنوات الثلاث الماضية، بشكلٍ كبير جدًا وهو ما يعكس مدى تأزم الاقتصادي اللبناني ككل.
والوضع في “الأردن” أفضل نسبيًا، لكن البطالة في العام 2023م؛ بلغت أعلى مستوياتها أي: 22%.
وبينما تسببت الجراح السابقة في تحديات كبيرة لدول الجوار الإسرائيلي، فلا مفر لتلك الدول من معاناة الركود الاقتصادي وكذلك تداعيات الحرب بين “إسرائيل” و(حماس). وهذا يعني أن بناء “الولايات المتحدة” وحلفاءها للدولة الاقتصادية قد يُسّاهم في تجاوز أزمة “غزة” الحالية.
وكما ادعت “مؤسسة المجلس الأطلسي”، سّعي المشّرعون لتقييّد التأثير الإيراني على الحرب الراهنة؛ (بحسّب المؤسسة؛ فإن أطراف كالولايات المتحدة بصّدد الاستفادة من أدوات اقتصادية بالأساس كالعقوبات لتحقيق هذا الهدف).
الابتزاز على الطريقة الغربية..
للحكومة الاقتصادية جانب إيجابي يشمل سياسات مكافئة الدول على سلوكها الإيجابي. وبالنظر إلى معاناة دول الجوار الإسرائيلي مشكلات الاقتصادية، من الطبيعي أن تُساعد هكذا مكافآت على خلق الدوافع والإمكانات المحتملة.
على سبيل المثال توقف في الوقت الحالي برنامج الإنقاذ بقيمة: 05 مليارات دولار من “صندوق النقد الدولي”، وتسّعى “القاهرة” بشدة للحصول على جزء على الأقل من هذه الأموال.
ومن المقرر أن يحصل “الأردن” على قرض بقيمة: 100 مليون دولار من “اليابان”؛ بغرض تطوير شبكة الكهرباء.
وكانت “فرنسا” قد تعهدت؛ قبل 07 تشرين أول/أكتوبر الماضي، بتقديم مساعد مالية للحكومة اللبنانية تُقدر بنحو: 30 مليون يورو؛ (لكن لم يحصل لبنان على هذه الأموال بشكل كامل).
وهناك عشرات الأدوات المالية المشّابهة التي من خلالها يستطيع الغرب الاستفادة منها خلال الأيام المقبلة، تُسّهم في المزيد من التعاون وإرسال المساعدات من جديد إلى “معبر رفح”، وإعادة تشكيل القمة العربية التي سبق إلغاءها في “الأردن” بمشاركة الرئيس الأميركي، وإرسال إشارات رادعة لـ (حزب الله) للحيلولة دون احتدام الصراعات.
وبحسّب مراقبين، فإذا كانت هناك لحظة يمكن فيها الاستفادة من تأثير الدولار، والإسترليني، واليورو، والين فهو الآن. مع هذا ينطوي هذا التوجه على بعض القيود التي يجب على الإدارة الأميركية مراعاتها.
الخوف من تكرار أزمة 1956م..
كان وزير الخارجية الأميركي؛ “فاستر دالاس”، قد أطلع في العام 1956م، الرئيس المصري “جمال عبدالناصر”، موافقة الإدارة الأميركية على تقديم دعم مالي بقيمة: 70 مليون دولار للانتهاء من أعمال إنشاء “سّد أسوان” على “نهر النيل”.
لكن “دلاس” شعر بالاضطراب بعد اعتراف “مصر” الرسّمي بحكومة “الصين” الجديدة، وتصور أن الاقتصاد المصري ضعيف على النحو الذي لا يؤهله الانتهاء من بناء السّد دون الدعم الأميركي، لكنه أخطأ الحسابات، وتدخل “الاتحاد السوفياتي” في الموضوع. وثم قام “عبدالناصر” بتأميم “قناة السويس”، والدخول في حرب ضد “بريطانيا، وفرنسا، وإسرائيل”.
وأحد الدروس المسّتفادة من العام 1956م؛ هو أنه حال انعدام الدعم الغربي، فإن هذه الدول ستحصل على الدعم من مكان آخر.
وبالنظر إلى أن “الصين” تُعتبر أكبر مقرض للمال في العالم، تزداد احتمالات تحول هذه الدول للبحث عن داعم آخر أكثر من أي وقت مضى. والمسألة الأساسية هي أن جميع الصراعات؛ لا سيما خلال السنوات الماضية، تنطوي على شقين عسكري واقتصادي.