في دراستها السنوية، لأفضل المدن التي يحلو العيش فيها، قالت مجموعة ((ميرسير)) للإستشارات بأن بغداد جاءت بالمرتبة الأخيرة في هذه الدراسة، حتى أن مدنا في أفريقيا الوسطى، وتاهيتي، وتشاد، جاءت قبل مدينة بغداد، المدينة التي تغنى بها الشعراء والأدباء من جميع البلدان العربية، المدينة التي تضم بين أحيائها، تأريخ أمة كانت قد حكمت العالم من هذه المدينة، المدينة التي تحتضن مرقدي الإمامين موسى بن جعفر ومحمد الجواد (عليهما السلام)، وكذلك مرقد الإمام أبو حنيفة النعمان، أحد أئمة المذاهب الأربعة، وكذلك الشيخ عبد القادر الكيلاني.
تؤكد الدراسة على وجود العديد من الأسباب، التي آلت إليها هذه النتيجة؛ قياسا لمدينة مثل بغداد، من هذه الأسباب؛ يعد غياب الأمن عاملا رئيسيا، وكذلك نقص الخدمات التي تقدمها أمانة بغداد في العاصمة.
الجميع يتمنى أن تكون بغداد أجمل مدينة في العالم، لكن كيف يمكن أن تكون هذه المدينة، التي أنشئت فيها أول مدرسة أجمل مدينة؟ في بلد ميزانيته تتجاوز المائة مليار دولار، وميزانية أمانة بغداد تعادل ميزانية ستة وزارات، هل يمكن أن تكفي التصريحات والأماني لتجعل منها المدينة الأجمل؟ لا أتصور أن كل ذي عقل سيجيب بنعم على هذا السؤال، ذلك كما أنه ليس حلم بعيد المنال، كذلك فإنه يحتاج من المسؤولين عن هذه المدينة العريقة، كل جهد إستثنائي لنهوض بواقعها الخدمي والبيئي.
إن الواقع الخدمي المزري الذي تعيشه بغداد، يحتاج رجالا يكونوا على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وأن يواجهوا الحقيقة الصعبة، التي لا مفر منها، ألا وهي أن بغداد ليست كما كانت بالأمس، ومن ثم فهي تحتاج الى إعادة التخطيط الحضري لجميع محلاتها، وتحديد المحلات التراثية، وإزالة التجاوزات على هذه المحلات، وكذلك إزالة التجاوزات على البنايات التراثية (البيوت الملكية في الأعظمية) وكذلك القصور التي طمس معالمها نظام صدام (قصر الزهور)، كما تحتاج بغداد لإعادة تخطيط المركز التجاري والصناعي فيها، فليس من المعقول أن يكون مثلما كان قبل خمسين عاما، فالمطلوب إيجاد مكان بديل للمركز التجاري، وكذلك الصناعي؛ على أن يكون خارج بغداد بمسافة معقولة للحد من ظاهرة الزحام فيها، وعدم تلويث هواء المدينة بالمخلفات التي تنبعث من المناطق الصناعية.
وهنا أتذكر حديث للسيد أمين بغداد، في حديث له أمام إحدى القنوات الفضائية، حينما قال وبإصرار (بأن بغداد أفضل من نيويورك، ودبي)، وحقيقة أن شر البلية ما يضحك؛ لكني أوجه كلامي للسيد رئيس الوزراء؛ بصفته الإدارية، وكونه هو من جاء به الى هذا المنصب الحساس، هل يعلم دولتكم بأن الشخص الذي وضعتموه في هذا المنصب ليس أهلا له، وأنه يخدعكم بمثل هكذا كلام، قبل أن يخدع المواطن، وأن الواجب يحتم عليكم إعفاؤه من منصبه لعدم أهليته وفشله في إنجاز ما أوكل إليه من واجبات.