23 ديسمبر، 2024 7:32 م

تصدير الثورة الاسلامية والعلاقات العربية – الايرانية

تصدير الثورة الاسلامية والعلاقات العربية – الايرانية

نص – روح الله. ك رمضاني
ترجمة- وليد خالد احمد
ليست هناك منطقة اخرى من العالم نرى فيها الانبعاث الاسلامي مشروطا بهذا العمق بجهود ايران لتصدير ثورتها الاسلامية كما هو الحال في الخليج ( الفارسي) .
ان عبارة “تصدير الثورة الاسلامية” ليست ببساطة شعارا ثوريا. انها فكرة ” نظام عالمي اسلامي” متأصلة في النظام العالمي داخل التراث الثقافي الشيعي الاثني عشري الخاص بالائمة كما يفسره اية الله روح الله خميني. ومن وجهة النظر هذه يعتبر النظام العالمي الحالي ناقصا وغير شرعي ولكنه سيكتمل عند ظهور الامام الاثني عشر المدعو بالمسيح (المهدي) او صاحب الزمان. سيخلق المسيح العدالة والمساواة في العالم لانه وحسب اقوال خميني وحده سيكون قادرا على اقامة “حكومة الله العالمية”.
مع ذلك فان نقص النظام العالمي لا يعكس غياب المسيح فقط بل ينبع من مصدرين اخرين. اولا يؤمن خميني ان الفكرة الغربية الخاصة “بالدولة القومية” ناقصة فلسفيا لانها من صنع “العقل الضعيف” للانسان .
ثانياً، وهو يؤمن ان النظام العالمي الحالي نظام جائر من الناحية الجوهرية ويعود ذلك جزئيا الى ان القوى العظمى قد استحوذت بغير حق على السلطة العالمية على حساب الجماهير الشعبية. ومن وجهة النظر الشعبية هذه فان النظام العالمي الحالي منقسم الى معسكرين: معسكر المستكبرين الذي يقوده الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (السابق) اي الشيطانان الاكبر والاصغر ومعسكر المستضعفين المتكون بشكل اساس من اقطار العالم الاسلامي والعالم الثالث.
لغاية ظهور “المسيح المنتظر” فان على الفقيه الاعلى واجب تمهيد الطريق للتأسيس النهائي للحكومة العالمية الاسلامية في ظل المسيح. ما عدا تلك القوى التي تنتمي الى الامام المعصوم عن الخطأ فانه حسب وجهة نظر خميني فان جميع السلطات الدينية الشرعية والدنيوية تنتمي الى الفقيه الاعلى الذي يجب ان يحكم الى حين ظهور المسيح. لقد ادت الثورة الايرانية الى اقامة مثل هذا الحكم في “بلد، يرغب في اقامة العدالة المقدسة في العالم بدءا في ايران” وهذا حسب اقوال خميني. بعد ذلك سينفتح الطريق امام الحكومة العالمية للامام المهدي”، بعد تأسيس حكومات المعتدلين.
وباعتبار ايران اول بلد في العالم يحكم فيه فعلا الفقيه الاعلى فانها يجب ان تقود الطريق نحو تأسيس “حكومات المحرومين” في جميع دول العالم الاخرى.
وحسب اقوال خميني فان “الاسلام عقيدة مقدسة من الله لانفسنا ويجب ان تنمو الامة الايرانية في القوة والتصميم الى ان تتمكن من منح الاسلام الى العالم باكمله”. وحسب وجهة النظر هذه تحاول ايران اقامة “نظام جديد للقيم” ينبع من ايديولوجية الاسلام ويهدف في الوقت نفسه الى “تحرير البشرية”.
اذا اخذنا بنظر الاعتبار وجهة نظر خميني الخاصة بوجود معسكرين في النظام العالمي الحالي الجائر من جهة ومن جهة اخرى المهمة المقدسة لايران الخاصة بتحرير البشرية فان الصراع بين ايران” والقوى المتكبرة” امر حتمي حسب رأي خميني.
ويقول خميني ” يجب ان نسوي حساباتنا مع الكبار والقوى العظمى ونريهم بانه باستطاعتنا السيطرة على العالم كله ايديولوجيا على الرغم من كل المشاكل المؤلمة التي نواجهها”.
ان ايران باعتبارها “الامة المنقذة” عليها ان تصدر “الثورة الاسلامية” ليس فقط لتمهيد الطريق امام تأسيس “الحكومة العالمية للامام المهدي” وتحرير البشرية “ولكن ايضا لحماية ايران الاسلامية ضد العالم المعادي.
ويأمر خميني “علينا ان نحاول كثيرا لتصدير الثورة الى العالم” ويضيف: “يجب ان نترك الفكرة القائلة باننا يجب ان لا نصدر ثورتنا لان الاسلام لا ينظر الى البلدان الاسلامية المختلفة بشكل مختلف وانه يؤيد جميع الشعوب المضطهدة في العالم. ومن جهة اخرى فقد هبت جميع القوى العظمى وغيرها لتدميرنا، واذا بقينا في بيئة مغلقة فسوف نندم بالتأكيد”.
يهدف مبدأ تصدير الثورة الاسلامية في الوقت نفسه الى ثلاثة اهداف مرتبطة مع بعضها البعض في سياسة ايران الخارجية:
1- تمهيد الطريق نحو اقامة الحكومة العالمية للمسيح ( المهدي المنتظر ) .
2- تعزيز حكومات شعبية مستقلة اسلامية في دول اخرى والاهم من ذلك كله،حماية اول دولة من هذا النوع والوحيدة في ايران. بدون النجاح في الجهود الرامية الى تحقيق الهدف الاخير ستفشل ايران في تحقيق الهدفين السابقين .
لتصدير ثورتها تريد ايران من الدول الاخرى ان تحقق شرطين اساسيين. اولهما عليهم ان يؤسسوا “حكومات اسلامية حقيقية” وهذا يعني حكومات يقودها زعماء معادون للملكية وموالون للزعماء الدينيين في ايران اي حكومات “مماثلة” وليست متطابقة لحكومة ايران. ثانيا، يجب عليهم ان يحققوا “الاستقلال الحقيقي” وهذا يعني انهم يجب ان يتبعوا سياسة خارجية “اسلامية” معادية للغرب والسوفييت. يؤمن خميني ان ايران وحدها هي الدولة غير المنحازة حقا. ومن هنا فمن الخطأ ان يعتقد البعض كما فعل المحللون ان ايران تحاول ان تحتفظ بموقف “التساوي” او “التوازن السلبي” كما حاول رئيس الوزراء محمد مصدق بين القوى العظمى  . ان مثل هذا المبدأ يقبل ضمنيا بهذه “القوى المبتكرة” كعوامل شرعية في الشؤون العالمية بينما يرفض خميني ذلك بشدة.
مادامت ايران وحدها قد لبت هذه الشروط الاساسية “للاسلام الحقيقي ” فان الحكومة الايرانية تمثل “اسلام المستضعفين” وتمثل جميع الحكومات الاخرى اسلام المستكبرين.
تقع حكومات منطقة الخليج في التصنيف الاخير ويعود ذلك جزئيا الى خضوعها للولايات المتحدة. يأمل خميني ان زعماء العرب الخليجيين “سيستيقظون” بسبب تحذيراته على “الوعي الانساني الاسلامي” مثل “امة ايران البطلة”.
مع ذلك اذا ارادات حكومات الخليج العربية ان تكون اسلامية حقيقة يجب ان تحقق شرطا اضافيا اخر، يجب ان تعترف بزعامة ايران في المحافظة على الامن في منطقة الخليج بكاملها.
في السابق اوحت فكرة السلام الايراني للشاه فكرة “الحدود الامنة لايران في منطقة الخليج واليوم فان السلام الاسلامي لخميني يرشد “المظلة الامنية” لايران. على الرغم من التشابه الظاهري بين الدعوتين للتفوق الايراني في الخليج فان خميني يتوقع الى التفوق الايراني الديني والسياسي معا.
في كلا الحالتين فان فكرة ايران عن تفوقها التاريخي والجغرافي في الخليج خاصة عند مدخلها في مضيق هرمز تعزز دعوتها لزعامة المنطقة. يقول حجة الاسلام هاشمي رفسنجاني:”ان من يسيطر على مضيق هرمز هو الذي يخنق العدو وسوف يضغط على حنجرة عدوه عندما يكون ذلك في مصلحته”.
كيف تحاول ايران تصدير تورتها؟ يقول خميني “ان السيوف “يجب ان لا تستخدم في تصدير الثورة. اذا تم تفسير مثل هذه السياسة على انها تلغي اللجوء الى “الحروب الهجومية” في تصدير الثورة فان ذلك ينسجم مع الفكر القانوني الشيعي الذي يمنع كل مثل هذه الحروب والذي يعتبر اعلانها حقا مقصورا على الامام المعصوم من الخطأ. اما الفقيه الاعلى فله الحق باعلان “الحرب الدفاعية” فقط.
ولكن من الناحية العملية اصبحت المشكلة هي ما الذي يعتبر دفاعا عن النفس”. يعرف خميني كلمة “النفس” ليس فقط على ايران كدولة او ما يسميه “الارض الوطن” ولكن يفسرها ايضا بالنسبة الى “الاسلام”. على سبيل المثال يقول خميني ان ايران تقاتل العراق “دفاعا عن الاسلام”. ولكن مادامت حدود الاسلام تمتد الى ابعد من حدود ايران فان الذي يمثل “الدفاع الذاتي” عن ايران غامضا جدا.
في البداية كانت عمليات ايران العسكرية ضد العراق دفاعية بشكل واضح لانها كانت عمليات ايران العسكرية ضد العراق دفاعية بشكل واضح لانها كانت تهدف اخراج القوات العراقية الغازية من الارض الايرانية. ولكن عندما عبرت القوات الايرانية الحدود العالمية في 13 تموز 82 ونقلت الحرب الى داخل الارض العراقية فان عمليات ايران الحربية لا يمكن اعتبارها عمليات للدفاع عن الدولة الايرانية. والاكثر من ذلك وبسبب اصرار ايران على ازاحة الرئيس العراقي صدام حسين عن السلطة كشرط مسبق لاية تسوية سلمية فمن المعتقد ان استمرار ايران في الحرب منذ تموز 82 يهدف الى تصدير الثورة الى العراق.
ما عدا الحرب هل تستخدم ايران وسائل سياسية قسرية لتصدير الثورة الى الدول الخليجية الاخرى؟ وفيما يلي بعض الحالات التي قد تقدم لنا بعض التفسيرات.
اولا. في سنة 1979 هدد رجل دين ايراني بارز وهو آية الله روحاني بقيادة حركة ثورية من اجل ضم “البحرين ما لم يتبنى حكام البحرين “حكومة اسلامية مماثلة للحكومة التي تم تأسيسها في ايران”. انكر رئيس الوزراء مهدي بزركان الذي اصابه الحرج بعد مواجهته لردود الفعل الحادة من الزعماء العرب انكر المسؤولية عن مثل هذا التصريح “غير المرخص”.
ثانيا. اتهمت ايران بدعم “مؤامرة انقلابية” في كانون اول 81 لتصدير الثورة الى البحرين والدول الاخرى في الخليج. انكرت ايران بشدة مسؤوليتها عن ذلك بينما طلبت البحرين من ايران استدعاء القائم بالاعمال الايرانية لاشتراكه في المؤامرة. اقتنعت السلطات البحرينية والسعودية بان ايران قامت بتدريب وتسليح 73 مخرباً عربياً شيعياً الذين ينتمون الى “الجبهة الاسلامية لتحرير البحرين”، ومقرها في طهران. يؤمن بعض المراقبين في الخليج بواسطة حجة الاسلام مدرسي الذي عاش في البحرين في المنفى اثناء عهد الشاه.
ثالثاً. تم اتهام ايران بتورطها في عمليات التفجير في الكويت في كانون اول 83. وتقول المصادر الغربية ان المتآمرين المسلحين بشكل كبير دخلوا الكويت من ايران بواسطة احد القوارب وان الموافقة النهائية لعملياتهم جاءت مباشرة من رسائل تم نقلها الى الكويت بواسطة رسول من ايران.
وصف الرئيس الايراني علي خامنئي هذه الاتهامات ضد ايران على انها “كذبة غبية”. ذكرت وزارة الخارجية الايرانية ان غزو الهجمات الى ايران “جزء لا يتجزأ من المؤامرة شاملة من قبل الولايات المتحدة وعملائها ضد الثورة الاسلامية”.
ويبدو ان آية الله خميني يؤمن ان افضل وسيلة لتصدير الثورة هي الوسائل السلمية. اولا، انه يعتبر “السلوك الاسلامي” للشعب الايراني اكثر اهمية وقد حث الايرانيين بصورة عامة والدبلوماسيين الايرانيين بشكل خاص بمراعاة “الاخلاق الاسلامية” في سلوكهم الشخصي وفي اداء واجباتهم الرسمية. ثانيا، اكد خميني على اهمية الاعلام الثوري. وغالبا ما يستخدم تابعوه الدينيون الوسيلة القديمة الشيعية وهي الخطب وخاصة ايام الجمع كأفضل وسيلة للتعبئة الاسلامية داخل ايران والبلدان الاخرى.
اما الوسيلة الاساسية الثالثة لتصدير الثورة فهي هدى الغير للاسلام بواسطة الزعماء الدينيين الاجانب. اضافة الى استقبال الكثير من رجال الدين المسلمين الاجانب تقوم ايران بتنظيم واستضافة المؤتمرات العالمية لهم. على سبيل المثال جمعت ايران 500 عالم اجنبي في طهران في مايس 83 خلال الجلسة الاخيرة من “المؤتمر الدولي الثاني لزعماء صلاة الجمعة في العالم” قال خميني لهم: “يجب ان تدعو الشعب ليثور مثل ايران”. عند اختتام هذا الاجتماع قرر الاعضاء انهم “يقبلون اية الله العظمى الامام خميني بامتلاكه المؤهلات الضرورية للزعامة الامامية للمسلمين وسندعو المسلمين لاتباع دعوته.
رابعاً. تستخدم ايران الثورية الحج الى مكة كواحدة من اقوى الوسائل لتصدير ثورتها. في كل سنة يذهب حوالي مليوني مسلم من جميع  انحاء العالم الى الحج. ويعتبر هذا تجمعا نادرا وفرصة غير عادية لحوالي 100.000- 150.000 حاج ايراني للدعوة الى نهج خميني من الاسلام، وحجة الاسلام خوئينها وهو رجل الدين الذي قاد الجموع التي سيطرت على السفارة الامريكية في طهران مسؤول رسميا عن ترتيبات تأشيرة المرور والسفر والاسكان والقضايا الاخرى المتعلقة بالحجاج الايرانيين. ان الخلاف المتواتر بين المسؤولين الايرانيين والسعوديين بسبب هذه القضايا الروتينية من الناحية العنصرية يموه الصراع الضمني بين طهران والرياض حول سلوك الحجاج الايرانيين الذين الذين استصحبوا معهم صورا لخميني والكراسات الثورية الى مكة وقاموا بالتظاهرات السياسية وهتفوا بشعارات ضد الولايات المتحدة واسرائيل والعراق.
خلال الخلاف السعودي- الايراني سنة 81، كتب الملك خالد الى خميني يشكو من الاثارة االسياسية التي قام بها الحجاج الايرانيون واجابه خميني باصراره ان الغرض من الحج ليس كما قال الملك العبادة الدينية وحدها. بل ان الغرض سياسي. كان الحج “مرتبط كليا بالسياسة” في زمن النبي محمد، وفصل الاثنين كما يقول خميني هي فكرة القوى العظمى.
خامساً. تستضيف ايران مقرات العديد من المنظمات الثورية من جميع انحاء العالم وخاصة من منطقة الخليج العربي ،  تبنت الحكومة الثورية “خطة لتشكيل جبهة اسلامية” سنة 81 التي حسب اقوال رئيس الوزراء مير حسين موسى “ستتابعها” وزارة الشؤون الخارجية الايرانية “لان الحرب ضد الامبريالية يجب ان تتم في جميع انحاء العالم”. تتضمن المنظمات الثورية الخليجية “الحركة الثورية الاسلامية في العراق” و “حركة الثورة الاسلامية في شبه الجزيرة العربية” و “حركة التحرير الاسلامي في البحرين”. ولا تعرف الطبيعة الحقيقية ومدى العلاقة بين هذه المجموعات والحكومة الايرانية ولكن مما لا شك فيه بان فيالق الحرس الثوري الاسلامي له” وحده حركة تحرير اسلامية التي يجتمع احيانا مع ممثلين مجموعات الخليج.
واكثر المجموعات نشاطاً هي “المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق” التي يتزعمها حجة الاسلام محمد باقر الحكيم.
هناك حوالي 350.000 شيعي من العراق في ايران من بينهم المقيمون الايرانيون في العراق الذين طردهم النظام العراقي في بداية الحرب واللاجئون العراقيون من اقطار غير العراق اضافة الى اسرى الحرب العراقيين. والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق مرتبط بشكل وثيق بالحزب العراقي السرى الدعوة.
لقد اصدرت منشورات تتحدث فيها عن نشاطات المنشقين الشيعة في العراق وهي ايضا تؤيد معسكرات تدريب شبه عسكرية في ايران وتقوم بارسال المجاهدين العراقيين الى جبهات القتال. واعطاهم خميني تعليمات كما في ايلول 983 بأن “يستهدفوا تشكيل حكومة اسلامية وتنفيذ اوامر الله” في العراق.

استقبال العرب للتهديد
يعتبر الزعماء العرب ايران خميني تهديدا على انظمتهم اكثر بكثير مما كانت عليه ايران في زمن الشاه. بغض النظر عن مدى الغطرسة في عيون العرب الا ان الشاه كان يعتبر الحامي الرئيس للوضع الراهن في منطقة الخليج بينما يعتبر خميني الشخص الذي يحاول تدمير هذا الوضع. فنظامه يهاجم شرعيتهم وسياستهم الخارجية الموالية للغرب وفي الوقت نفسه يحاول تصدير طرازه من الحكومة الاسلامية. مع ذلك فان الذي يرعب الزعماء العرب اكثر من اي شيء اخر هو تضمينات الانبعاث الاسلامي بين مواطنيهم وخاصة بين المسلمين الشيعة.
هناك ثلاثة اسباب عامة تدعو الزعماء العرب الى الخوف من احتمال الثورات بين طوائفهم الشيعية.
اولا- ان سياسة خميني الخاصة بتصدير الثورة مدعومة بما هو مفترض ان تكون اقوى دولة في المنطقة على الرغم من الضريبة المادية التي اخذتها الثورة والحزب.
ثانياً- في ايران اكبر مجموعة من الشيعة في اي قطر خليجي- في الواقع في اي دولة في العالم الاسلامي.
وثالثا- هناك ما يقارب 200.000 ايراني منتشرين في اقطار الخليج العربية. وللتأكيد تدعي ايديولوجية خميني انها غير طائفة او عالمية ولكن هذا لا يريح الزعماء العرب فهم يعتبرونها شيعية وايرانية. وهناك امثلة من بعض  البلدان التي قد تساعد في توضيح المعالم الاساسية للعامل الشيعي حسب تعلقه بالمخاوف العربية من الانبعاث الاسلامي:
اولا- ليست هناك علاقة بسيطة بين الفكرة العربية عن التهديد والنسبة المئوية للمواطنين الشيعة في المجتمعات العربية. ولكن امتزاج العامل الشيعي والعوامل الاخرى يضاف الى الشعور بالخطر. على سبيل المثال يشكل الشيعة في البحرين 71.95% من مجموع السكان ولكن هذا العامل وحده لا يمكنه تفسير المخاوف البحرينية. ان هذا العامل مع مطالبات  ايران الماضية بالبحرين والمؤامرة الانقلابية الشيعية سنة 81 والاهم من ذلك كله تجربة البحرين مع الامثلة المتكررة للاضطرابات الشيعية هي التي تقلق عائلة آل خليفة الحاكمة. وبعكس البحرين نرى ان في العراق من الشيعة اقل من 60 % وهو ايضا اكبر مساحة من البحرين. مع ذلك فان الاحساس العراقي بالخطر الشيعي اكبر لان العامل الشيعي يمتزج مع ظروف حاسمة اخرى. العراق جاء قريب من ايران حيث يشتركان بحدود طولها 550 ميلا من الارض والمياه وللعراق مخرج محدود جدا الى البحار العليا. والاهم منى ذلك كله في العراق اقدم معارضة شيعية واكثرها تمردا وافضلها تنظيما في منطقة الخليج بكاملها. يعتبر هذا الاحساس العراقي بالخطر الشيعي عاملا اساسيا في القرار العراقي الخاص بالحرب مع ايران ولو انه ليس الاعتبار الوحيد باي شكل من الاشكال.
من جهة اخرى في دولة قطر هناك اكبر نسبة مئوية من المسلمين الشيعة (80%) في اي قطر عربي في الخليج ولكن ليست لديها تجارب مع الاضطرابات الشيعية مماثلة لتلك التي تحدث في البحرين والعراق والكويت والعربية السعودية.
ثانيا- ليست هناك علاقة بسيطة بين الفكرة العربية عن الخطر والنسبة المئوية للايرانيين الذين يعيشون في المجتمعات الخليجية خارج ايران. ولكن في الاقطار التي يمتزج فيها العامل الايراني مع العوامل الاخرى فهناك اختلاف. ففي الكويت يشكل الايرانيون 5.12% فقط مقابل 23.29% في قطر ولكن عائلة الصباح الحاكمة في الكويت تواجه مشاكل خطيرة مع الايرانيين حيث تم طرد اكثر من الف شخص منهم منذ عمليات التفجير في الكويت في كانون اول 1983.
وبعكس الدول الخليجية الاخرى في العربية السعودية اصغر نسبة مئوية من المسلمين الشيعة (3.7%) ومن الايرانيين (13%) مع ذلك تخشى العائلة الحاكمة من الخطر الشيعي لعدة اسباب. بسبب التفرقة الماضية التي مارستها الاغلبية السنية ضد الاقلية الشيعية يشكو السعوديون الشيعة من مظالم اجتماعية واقتصادية وسياسية. والسعوديون الشيعة متحيزون ضد الوهابيين وهو التعبير الذي يطلق على السعوديين السنة الذي يستخدمه الشيعة احيانا بشكل ازدرائي. بالاضافة الى ذلك يعيش السعوديون الشيعة في المقاطعة الشرقية الغنية بالنفط وان المقاتلات الايرانية يمكنها الوصول الى المحطة النفطية السعودية الضخمة في رأس تنورة من بوشهر خلال 15 دقيقة. واخيرا فمنذ قيام الثورة الايرانية حدثت انتفاضتان كبيرتان من قبل الطائفة الشيعية السعودية في القطيف.
وهذا الشعور بالظلم في المجتمعات الخليجية لا يقتصر على العربية فقط. انهع شعور واسع الانتشار. وتختلف الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تشكل الاساس لاضطرابات الشيعة من وطن لاخر. مع ذلك فعلى العموم فان ظروف المعيشة للعديد من العوائل الشيعية اقل مستوى من ظروف معيشة العوائل السنية.
تعيش معظم العوائل الشيعية في مناطق ذات مستوى اقتصادي سيء. ولا ينطبق هذا فقط في الاقطار التي يشكلون اقلية فيها، بل حتى في الافكار التي يكونون فيها اغلبية كما هو الحال في البحرين والعراق على سبيل المثال. وللتأكد هناك ايضا عوائل شيعية غنية وتجار اغنياء اضافة الى اصحاب المصارف ورجال الاعمال. ولكن لا يعني هذا بالضرورة انهم معارضون للنفوذ الايراني. ويقال ان بعض الشيعة الاغنياء يقومون بتمويل النشاطات الموالية لخميني في دبي سراً.
واخيراً، ادت الثورة الايرانية الى زيادة الوعي السياسي بين جميع المسلمين في منطقة الخليج. فالشيعة والسنة، الاغنياء والفقراء والمغتربون العرب والايرانيون كلهم يتوقون الى العدالة الاجتماعية والاستقلال الاكبر من سيطرة القوى الكبرى وخاصة الولايات المتحدة.
مع ذلك، يجب عدم المبالغة في زيادة هذا الوعي السياسي والاجتماعي المعبر عنه بشكل واسع بالصيغ الاسلامية في الوقت الحاضر. فالعروبة والقومية في الاقطار العربية لم تمت، ولو ان الاسلام قد القى ضلالا على هذه القوى الا انها استمرت في التعايش معه، ماعدا المتطرفين ليست هناك مصلحة عربية في استيراد النموذج الايراني للثورة الاسلامية.
عند نشوب الثورة الايرانية كانت قوة الجذب لهذا النموذج قوية حقا ولكنها قد هبطت خلال السنوات الست الماضية. ومما لا شك فيه فان تجاوزات النظام الثوري الايراني  بما في ذلك الاعدامات السريعة تعتبر احد الاسباب المؤدية لهذا الهبوط. والاهم من ذلك فان حملة ايران لتصدير الثورة قد اغضبت معظم العرب. ولو ان هناك عربا من الشيعة والسنة سيكونون سعداء اذا انتصرت ايران بالحرب ضد العراق الا انهم لا يريدون حكومة على الطراز الايراني في اقطارهم. والامر الذي يبدو متناقضا ظاهريا هو ان الثورة الايرانية التي اججت الوعي السياسي والاجتماعي العربي بين السنة والشيعة في آن واحد قد بدأت بتقوية الوعي العربي تجاه الايرانيين.

الاحتواء العربي للخطر الشيعي الايراني
تناضل الانظمة العربية في الخليج لاحتواء تصدير ايران للثورة، ويخوض العراق حربا ضد ايران (لاحظ ان المادة منشورة في الثمانينات). وتتبع العربية السعودية سياسة احتواء “للاسترضاء والردع” ويقود السعوديين كل من البحرين وعمان وقطر ودولة الامارات وفق نفس الخطوط التوفيقية الحذرة من الناحية الاساسية بواسطة مجلس التعاون الخليجي. بالاضافة الى هذه السياسات الخارجية تتبع انظمة الخليج العربية سياسات داخلية تهدف الى احتواء الثورة الاسلامية التي توجهها ايران. خذ بنظر الاعتبار العراق. على الرغم من ان صدام حسين قرر صد ايران في البداية من اجل تقوية وتكبير سلطته اكثر من كون ذلك من اجل احتواء الثورة الاسلامية الا ان رده يهدف الاحتواء وذلك لسببين: الاول- منذ 13/ تموز/ 82 عندما نقلت ايران الحرب الى داخل الارض العراقية وهي تحاول تصدير ثورتها وليس الدفاع عن اراضيها. ثانيا – يعزز مطالبة ايران للاطاحة بصدام حسين وحزب البعث كشرط مسبق لاي تسوية سلمية، للاعتقاد السائد بان ايران تستمر في الحرب من اجل متابعة سياستها في تصدير الثورة.
فشل العراق في انهاء الحرب، مع ذلك فالثورة الاسلامية قد تم احتواؤها لحد الان. ان الاساليب اللااخلاقية التي اتبعها العراق في الحرب مثل حدوث التوقف النفطي في الخليج واستخدام الاسلحة الكيمياوية ومهاجمة مراكز التجمع السكاني المدني ان هذه الاساليب لم تثن وقتئذ عزم ايران عن شن هجوماتها العسكرية الا ان هناك شيئا واحدا يبدو مؤكدا وهو ان ايران ما تزال تؤمن بان نظام صدام حسين سوف يتصدع اخيرا من الداخل اذا واصلت ايران ضغطها العسكري على جبهات القتال، وهذا الاحتمال يتضمن سياسة الاحتواء السعودية.

حرب ناقلات النفط
لم تتخل العربية السعودية ومجلس التعاون الخليجي عن السياسات الحذرة والتوفيقية الدبلوماسية التي اتبعوها منذ بداية الحرب العراقية- الايرانية الى ما بعد الاستيلاء على جزيرة مجنون في شباط 1984 وبدء حرب الناقلات بشدة في شهر نيسان. ولو ان العربية السعودية والكويت قامتا بتقديم المساعدات المالية الى العراق مع تقديمهما المعونات السوقية الا انهما مع بقية اقطار مجلس التعاون الخليجي قد حاولوا اقناع الاطراف المتحاربة باجراء مفاوضات للتوصل الى تسوية من خلال منظمة المؤتمر الاسلامي وبعض المنظمات الاخرى.
استخدم مجلس التعاون الخليجي  اقل لغة هجومية عن ايران في تعليقاته العديدة عن الحرب. وحتى بعد ان خرقت القوات الايرانية الحدود العراقية في تموز 82 لم يشجب المجلس المذكور ايران باعتبارها دولة معتدية. ولكن المجلس فعل ذلك بصيغ غير مؤكدة، في 20/ مايس/ 1984 في اجتماع غير اعتيادي للجامعة العربية، لاول مرة تخلت الجامعة العربية عن الاجماع ورفضت الاعتراضات السورية والليبية على شجب ايران. واخذت دول مجلس التعاون الخليجي كذلك موقفها المتصلب غير المعتاد الى قاعات مجلس الامن التابع للامم المتحدة حيث ايدوا قرار للمجلس تم تبنيه في الاول من حزيران 1984 انتقد هجوم ايران على ناقلات النفط بدون ذكرها بالاسم، وبدون ذكر اسم العراق الذي بدأ حرب الناقلات. والاهم من ذلك ادت حرب الناقلات الى معركة جوية بين ايران والسعودية. اسقط السعوديون طائرة مقاتلة ايرانية من طراز F.4 في 5/ حزيران/ 1984. احتجت ايران في اليوم التالي قائلة ان طائرتها قد تمت مهاجمتها فوق المياه الدولية بينما قال السعوديون ان الطائرة قد تم اسقاطها في المياه السعودية الاقليمية.
ان القتال الذي دار في الجو ليس معركة، ولو ان طائرة F.15 السعودية التي اسقطت الطائرة الايرانية كان يقودها طيار سعودي الا ان طائرات الاواكس الامريكية والاسلوب الامريكي باعادة التزويد بالوقود جوا قد اشتركت بالعملية. ولكن الاهم من عرض القوة العسكرية السعودية في هذا الحادث هو عرض للقرار السياسي السعودي.
انفقت العربية السعودية بلايين الدولارات من اجل الحصول على دفاع جوي موثوق به كأساس في النظام الدفاعي السعودي. في الجامعة العربية وفي هذا الحادث اثبت السعوديون انهم يتجرأون على استخدام القوة العسكرية.
والشيء المهم الآخر هو ان ازمة الناقلات ربما تكون قد قربت مجلس التعاون الخليجي ككل الى رغبته التي تمت مناقشتها كثيرا المتعلقة باقامة نظام دفاعي جوي موحد.
الاول- نتيجة لهذه الازمة اتخذت عملية تبادل المعلومات لطائرات اواكس بين السعودية والكويت طابعها الرسمي وبموافقة الولايات المتحدة. تعتبر الكويت اكثر دول مجلس التعاون الخليجي عرضة لهجمات الطيران الايراني بسبب قربها من منطقة الحرب.
ثانيا- لقد عززت المساعدات العسكرية الامريكية الطارئة الى العربية السعودية بما في ذلك الستنغرز ومعدات عسكرية اخرى قدرة الردع السعودية.
ثالثا- اذا تم تبني توصيات رؤساء اركان مجلس التعاون الخليجي (23 حزيران 1984) وتم تنفيذها فقد تحصل دول المجلس في النهاية على “قيادة شبه موحدة” ونظام مراقبة افضل للملاحة في مضيق هرمز من خلال القدرة العمانية القوية اضافة الى قوة انتشار سريع خليجية.
يؤمن زعماء مجلس التعاون الخليجي وكذلك صدام حسين ان جهودهم الدفاعية امر حيوي في عملية احتواء الثورة داخليا. في اوج ازمة حرب الناقلات كان هناك اعتقاد سائد في منطقة الخليج وهو ان نصرا ايرانيا سوف يشجع كثيرا المتطرفين المسلمين الموالين لايران من الشيعة والسنة على حد سواء ويشجع على الثورة.
ولهذا السبب، قامت دول الخليج العربي بتشديد الاجراءات الامنية الداخلية. على الرغم من فشل دول المجلس في انشاء نظام امني داخلي جماعي تستمر جميع الدول العربية بما في ذلك العراق باتباع سياسات داخلية على طراز “العصا والجزرة” لمواجهة اغراءات نموذج الثورة الايرانية. ويستخدم صدام حسين اكثر من اي من زعماء الخليج الاخرين اجراءات قسرية للسيطرة على المعارضة بما في ذلك عمليات الاعتقال الكيفي والملاحقة والتعذيب والاعدام. وهدفه الاساسي هم اعضاء حزب الدعوة السري الذي تدعمه ايران.
من جهة اخرى فان الاموال التي ينفقها صدام حسين من اجل رفاهية البلاد تاتي بالدرجة الثانية بعد السعودية (حوالي 500 مليون دولار شهريا) وهو ينفق هذه الاموال بصورة خاصة في المدن الشيعية المقدسة وللمشاريع الخاصة بالاسكان واعمال المياه والمجاري والاضرحة الشيعية. على المدى البعيد فان فائدة مثل هذه السياسات كبديل للاصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الجوهرية والحقيقية امر مشكوك فيه.

الحلم والحقيقة
يؤمن الزعماء الايرانيون ان تصدير ثورتهم امر ضروري لبقاء نظام خميني. والاهم من ذلك يجب حماية هذا البقاء في منظمة الخليج العربي حيث تحاول القوى العظمى ودول المنطقة تدمير النظام الايراني وانهم يعتبرونه كخطر اساسي لمصالهم.
مع الاخذ بنظر الاعتبار الحدود الجنوبية الاسلامية حيث يخشى الاتحاد السوفيتي السابق من انتشار عدوى الثورة الاسلامية الى اراضيه ويخشى ايضا من دعم ايران للمجاهدين ضد قوات الاحتلال السوفيتية في افغانستان.
اما بالنسبة للولايات المتحدة فاذا اخذنا بنظر الاعتبار اعتماد حلفائها في الناتو على تجهيزات النفط الخليجية فانها تخشى من خطر الثورة الاسلامية على السيطرة الغربية على الجانب العربي من الخليج. واذا اخذنا بنظر الاعتبار خضوع العرب الخليجيين للولايات المتحدة فان الانظمة العربية “الرجعية الفاسدة” تخشى انتصار اسلام المستضعفين على اسلام المستكبرين.
لحد الان، تفوق التزام ايران المبدئي بتصدير الثورة على الاعتبارات العملية في سياستها في منطقة الخليج ولو ان هذه الاعتبارات لم يتم تجاهلها. فعلى الرغم من تهديدات ايران المتكررة بغلق مضيق هرمز اذا تعرقل تصديرها للنفط الا انها لحد الان راعت بدون اخطاء مبدأ حرية الملاحة لان مصلحتها الذاتية في حالة خطر. كذلك قبلت ايران بقرار وقف ضرب الاهداف المدنية برعاية الامم المتحدة، وباعتراف الجميع فان ايران قد ردت بضبط نموذجي للنفس على حرب الناقلات التي بدأها العراق، وربما تكون ايران قد تعمدت في “تخفيض ردها”، مع ذلك تستمر ايران في الاصرار على ازاحة صدام حسين كشرط مسبق للتسوية السلمية وهو الاصرار الذي جعل الحرب العراقية- الايرانية اكثر الحروب في التاريخ الحديث للشرق الاوسط امدا ودموية وتكاليف.
وما دام خميني يحكم ستحاول ايران تصدير ثورتها، ولكن الاطراف السياسية المختلفة في ايران تتضارب اراؤها حول هذا الموضوع. وهكذا فمن المحتمل انه بعد رحيل خميني يمكن ان ينسحب التأكيد المبالغ به في الوقت الحاضر على العقيدة والمبدأ امام الاعتبارات الاكثر عملية. ويقال ان الاسلوب البيروقراطي الذي يفضله خميني في السياسة الخارجية يعارض اسلوب الحجتية الذي يرفض فكرة تصدير الثورة او انه يعتبرها ذات اولوية ثانوية. وقد يفشل زعماء ما بعد خميني في جعل ثورتهم محلية وجعلهم يستفيقون من احلامهم العالمية الخاصة بالمهدي المنتظر والتوصل الى توازن بين متطلبات الايديولوجية والواقع واذا فشلوا سيؤكدون واحدة من اقوى الميول القديمة والعتيدة في تراث ايران السياسي اي تبني اهداف لا يمكن تحقيقها ووسائل غير مناسبة.

* المصدر
روح الله. ك رمضاني- ثورة ايران الاسلامية والخليج الفارسي، مجلة التاريخ المعاصر (الولايات المتحدة)، 15- 19/ كانون الثاني/ 1985.

[email protected]