مع احتدام قوة الصراع على مناطق النفوذ في الشرق الأوسط بين الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي آنذاك ولكل منهم حلفاءه وأدواته في المنطقة وامتداد الصراع لغاية يومنا هذا على الرغم من هرم موسكو ولكنها قادرة ان تستمر في لعبة الصراع والنفوذ .. ولأجل ان نلقي الضوء على جزء هام من خارطة الصراع في المنطقة الا وهو العراق ليكن مقصدنا في التحليل والمتابعة.
حين تسلم البعثيين مقاليد الحكم عام ١٩٦٨ عملوا جاهدين للارتقاء بالعلاقة مع موسكو وقد توٌجت بإرساء دعائم معاهدة الصداقة السوفيتية – العراقية وما ترتب عليها من الدعم العسكري واللوجستي، وبذلك عاشت بغداد زهو العلاقة مع موسكو وتسلح الجيش العراقي بأحدث طائرات الميغ 29 والدبابة الروسية T62 – T72 وناقلات الأشخاص BMB1 ومنظومات صواريخ ارض- ارض والدفاعات الجوية المتطورة حينذاك … تزامنت تلك الصفقات مع ازدياد نفوذ الحزب الواحد وقيام البعثيين بالتنصل عن وعود المشاركة السياسية تحت مظلة الجبهة الوطنية والقومية التقدمية التي تأسست في بغداد وكان الشيوعيين والأحزاب الكردية جزءا من منظومتها وحين بدأت المطاردات لشركاء الجبهة الوطنية من قبل البعثيين والقائهم بالسجون وتنفيذ الإعدامات … حينها صمت موسكو اذانها عما يحدث في العراق ولم يستجب الكرملين حتى لصيحات الرفاق .. واستمرت آلة القتل والدمار والكرملين لا يحرك ساكنا بفعل الاسترخاء من صفقات السلاح وتصدير سيارات الفولغا والميسكوفيچ والسوق العراقية الواعدة للصناعة السوفيتية الهزيلة وقتها.
حينها تفرد البعثيون في الساحة السياسية وقتل وشرد الجيل العلماني المؤمن بنظرية بناء الدولة المدنية وكان النتاج يصب في روافد المؤسسات السياسية الدينية الاسلامية بشقيها السني والشيعي ( وهم أعداء الاتحاد السوفيتي ايدلوجيا ) والعاملين بجد على محو اثاره منطلقين من الفتاوى الشرعية “ان الشيوعية كفر والحاد” ولكن موسكو لم تفكر استراتيجيا بمصالحها مع الشعوب بل لجات الى المصالح الاقتصادية الآنية وسيل اللعاب على عقود بغداد التجارية والعسكرية.
نرجع للخطأ ذاته من قبل البيت الأبيض في العراق بعد عام ٢٠٠٣ حيث تقدمت احزاب الاسلام السياسي بشقيها السني والشيعي لإيهام البيت الأبيض انهم الخدم المطيعين الذين لا يعملوا شيء خارج التوجهات الامريكية وهم القادرين على حماية مصالحها في المنطقة وتحت شعار الشراكة الوطنية قامت الأحزاب الدينية بميليشياتها المعروفة للقاصي والداني بترويع المواطنين الآمنين الذين يغردوا خارج سربها بالرؤيا العلمانية والمدنية تحت وابل رصاص الكواتم وإلقاء التهم عليهم جزافا وعلى جميع المفكرين والمهنيين الحالمين بإرساء دعائم الحياة المدنية وإنشاء معالم الدولة الدستورية الرصينة بكل مؤسساتها، وجميع ما يمت بصلة للحياة المدنية وبذلك ساهم البيت الأبيض من حيث لا يدري بإذعان الأمة العراقية للامتثال لصوت القتلة الذين امتلكوا بغفلة من الزمن السلطة والمال السياسي وفوهة المسدس الكاتم تماماً مثلما وقع الكرملين بالمصيدة آنذاك وان تبدل الفاعل.
ان النتاج الشبابي الان لم يجد أمامه بد غير الأحزاب الدينية وهي تمسك زمام السلطة والمال لتطوعهم من حيث ان تشتهي تحت عباءة المقدس من اجل استخدامهم لإيقاف عجلة التطور والحياة. وبذلك يتهدد أمن المنطقة الذي يعتبر جزءا مهما وفاعلا من خصوصية السلم الدولي… وليعلم البيت الأبيض ان جميع الأحزاب الدينية بشقيها السني والشيعي تلقًن بثقافتها التنظيمية الخفية ان أمريكا والغرب هم الكافرين تحت شعار “كلا ..كلا ..امريكا” وتعتبر من الواجب المقدس محاربتهم واضعافهم بشتى الطرق والوسائل وان كانت اللعبة السياسية على الطريقة المصرية “عسكر وحرامية” , وبدأت روسيا هي الشريك الاستراتيجي لمخططات الاسلام السياسي الشيعي في المنطقة باستنهاض محور موسكو – طهران – بغداد – دمشق وهو حلم كي جي بي القديم قبل تفكك الاتحاد السوفيتي…وعلينا ان نعي جيدا ان احزاب الاسلام السياسي وعت الدرس تماماً وان قتالها ضد الاتحاد السوفيتي آنذاك أيضاً جاء ليس محبة بالغرب وأمريكا بل جاء من نظرة ثاقبة في تزاحم المصالح في المساحات التنظيمية وترتيب الصفوف على حساب المد الشيوعي والقوى الليبرالية والآن يفكروا بنفس الطريقة لإجهاض برنامج الحياة المدنية الواعدة وإسقاط الفكر العلماني الليبرالي لتأسيس الدولة المدنية بغية تأسيس كيانات دينية لا ينافسها بديل ورسم آلية للصراع بينهما ليوهموا صاحب القرار الغربي انهم يسيروا بركب توجيهاته …ولكنهم جادين ليل نهار بإزالة المفردة المدنية لكيان الدولة وخاصة في العراق… وحينها ستكون منطقة مصادر الطاقة مليئة بالمتطرفين الذين يعملوا على تعطيل عجلة الحياة والحضارة العالمية.
على الولايات المتحدة الامريكية وبحكم المسؤولية القانونية والأخلاقية التي رافقت عملية دخولها العراق وما ترتب من نتائج تهدد مصير العراق كأمة ووطن واحتراما لمصالح المجتمع الدولي لكون العراق جزءا مهما من خارطة المصالح العالمية ولتكن الأمة العراقية جزءا فاعلا مع المنظومة المجتمعية الدولية والاقليمية لترسي دعائم الأمن والسلام الدوليين بحكم العراق كونه منتجا فاعلا لتزويد السوق العالمية للطاقة ويساهم بإرساء دعائم الاستقرار الدولي.
وعليه يتوجب اعادة رسم الخارطة السياسية في العراق باتجاه تشكيل حكومة إنقاذ وطني تحت مظلة الامم المتحدة وبدعم الولايات المتحدة الامريكية بحكم المعاهدة الاستراتيجية والعمل على تأسيس لانتخابات متكافئة تمثل إرادة العراقيين في تأسيس دعائم الدولة المدنية بعدما اشارت بوصلة الصراع الانتخابي ان الخطوات التي تسير بها الانتخابات العراقية ستلد مولودا مخيف يجعل القادم من الايام محرقة للجميع.
[email protected]