18 نوفمبر، 2024 1:38 ص
Search
Close this search box.

أستاذة الرياضيات الدكتورة سعدية مراد مكي في ذمة الخلود

أستاذة الرياضيات الدكتورة سعدية مراد مكي في ذمة الخلود

بمزيد ٍ من الأسف الشديد والحزن العميق، تلقينا خبر رحيل أستاذة الرياضيات الدكتورة سعدية مراد مكي بتاريخ 24 أذار 2014. وبرحيلها يكون العراق والمجتمع العلمي العالمي قد خسرا عـَلـَما ً مـِن ْ أعلامـِها ونجما ً ساطعا ً من نـُجومـِها، تألق َ في سماء ِ المعرفة ِ العلمية ِ لسنين طويلة، واضبت ْ خلالها الفقيدة نشاطها العلمي طيلة حياتها دون كلل ٍ أو ملل ٍ لحين مرضها ووفاتها .

برسالةِ رثاء ٍ مؤثرةٍ، وكلماتٍ صادقةٍ معبرة عن عمق الأسى، أبلغنا بها أستاذنا الكريم الدكتور ريمون شكوري بنبأ رحيل أستاذتنا الدكتورة سعدية . حال قرأتي هذا النبأ، حزنت ُ كثيرا ً لفقد هذه ِ العالمة والإنسانة الجليلة، ليس لمصاب أهلها ومحبيها فقط، بل لمصاب بلدنا العراق. عندئذ ٍ أتصلت بالدكتور ريمون للأستزادة بمعلومات أخرى عن الراحلة، فبحسرات ٍ شديدة ٍ وألم ٍ عميق ٍ، كنت ُ أحسُها عـِبرَ الهاتف ْ، ذكر َ ليّ انه عـَرفها منذ عام 1963، عند رجوعها الى العراق، بعد ان أكملت دراستها للماجستير والدكتوراه في أميركا، وعـَمـَلت ْ لفترة معينة كباحثةٍ علميةٍ لدى شركةِ بوينك الأمريكية للطائرات، لما لتخصصها من علاقة مباشرة ووثيقة ببحوث الشركة المذكورة. تزوجت من الراحل الدكتور مظفر علي غالب، ولديها من الأولاد، أربعة، وهم، الدكتور علي والدكتورة ميي، والدكتورة مـَها والدكتورة لـُمى، والجميع يقيمون في الولايات المتحدة الأمريكية حاليا ً.

عَـرفت ُ الراحلة، لأول مرة في عام 1973 كأستاذة في موضوع المعادلات التفاضلية في قسم الرياضيات، كلية العلوم – جامعة بغداد. تـَمـَيزتْ الفقيدة بمقدرتها العالية في مجال تخصصها، وحسن تعاملها مع طلابها، فأحبها الجميع، وتعلق َ بشخصها طلاب الدراسات العليا في مرحلتي الماجستير والدكتوراه ، فـَكـثـر َ عددهم ، ناهيك عن آلاف الطلبة الذين تتلمذوا على يديها، حاصلين على درجة البكلوريوس على مرور عقود عديدة من الزمن.

كان آخر لقائي بالراحلة في عام 2008 في مدينة ساند ياغو – كاليفورنيا، حين قـَدِمتْ برفقة ابنتيها لـُمى ومـَها، بهدف ِ مشاركتها في مؤتمر ِ الجمعية الأمريكية للرياضيات الذي عقد في عام 2008 في المدينة، إذ انها ساهمت في المؤتمر بأحد بحوثها القيمة، وقد رافقناها الى قاعة المؤتمر وأستمعنا لبحثها بحضور عدد من الباحثين في الرياضيات من مختلف الجنسيات، بينهم الدكتور ريمون . وبعد الإنتهاء من المؤتمر، وما تبقى من الوقت، رافقنا العائلة لزيارة بعض معالم المدينة، ولبوا دعوات حضور لمأدبة غذاء أقيمت ْ على شرفهم، واحدة، أقامها الدكتور ريمون وعقيلته أستاذتنا، نورية أنطوان، والأخرى أقامتها السيدة محاسن مراد، أحدى الطالبات القديمات للدكتورة سعدية . وقد دارت ْ أحاديثَ شتى مع أستاذتنا لحين وداعها.

 ومن الكلمات المؤثرة التي ذكرها ليّ الدكتور ريمون بحق ِ العراق لفقدان علمائه وباحثيه، روى ليّ قصة أحد أساتذة الكيمياء من زملائه في كلية العلوم- جامعة بغداد، وهو الدكتور سلمان رشيد، الذي يعاني من مرض ٍ شديد ٍ والأوجاع تعتصره، نقل ليّ ، قوله: “ لا أخشى الموت، أشعر ان العراق يفقد أعز أبنائه”. فرغم ان المرض َ يصارع هذا الإنسان الوفي، الا أنه لا يهاب الموت، ولا يبالي بألم مرضه، فأوجاع العراق غـَدتْ أشد مـِن ْ أوجاعه، وجراح العراق أصبحت ْ أعمق من جراحه. ما أنبلَ وأسمى هذا الإنسان الذي فقده العراق؟ كلماته الصادقة تـُبـكينا جميعا ً. فها هو بلدنا تهاجمه الذئابُ المفترسة من كل صوب ٍ، تفتكُ به وتمزقُ خيرة أبنائه من أولي العقول، فيفرون هربا ًعن وطنهم، يرحلون َ الى عالم ِ الغربة ِ، كما رحلت ْ العالمة سعدية.

فنامي أيتها العالمة ُ الجليلة ُ
نامي بعيدا ً عن أنياب ِ الذئاب ِ
نامي بعيدا ً، هذا ما أراده أعداء العراقِ
فلا يسعنا الا وان نتقدم نحن طلبتها القدماء العراقيين بخالص العزاء لأهل الفقيدة ومحبيها ولوطننا الجريح الصبر والسلوان.

أحدث المقالات