عندما تكون نسبة المرأة أكثر من النصف من مجموع الشعب فمهما كان مستواها الثقافي والحضاري، فهو دال على البلد فمن حالها وهي طفلة الى كينونتها انثى كاملة ضاجة بالحياة والأمومة ثم جدة ترعى الاحفاد وتصون العائلة الكبيرة.
ان توالي الخيبات والخسارات على المجتمعات المستعبدة لسنوات طويلة تحت حكم وقسوة محتلين قادمين من أصقاع بعيدة حيث يحمل هؤلاء في معتقداتهم وحشية عنيفة وجهل وخرافة سرعان ما يقلدها الفقراء والمسحوقون لتحصل للمرأة على نصيبها في كل ما مر.
ظلت النساء في مجتمعاتنا تعيش المعاناة والتخلف والأمية لعقود متوالية من الزمن.ذهب المحتلون وتحررت البلدان وحكمها الطغاة وغادر هؤلاء وبين الماضي والحاضر كانت المرأة تارة ترى الظلام وتعيشه وتارة تجد النور وتلمسه في حياتها ورغم الكم الهائل من المعاناة والصبر بين الظلام والنور وبين الجهل والعلم كانت لها قصص لترويها لنا من واقع القرية العراقية.
رِفقاً بالقوارِير (نساء القرية)
تعبر كلمة القوارير والتي تنسب لرسول الله صل الله عليه واله وسلم حين قال عليه السلام «رفقا بالقوارير» ويقصد بها النساء فهي تعبير رقيق وجميل يثمن رقة وشفافية المرأة في المجتمع الاسلامي لذلك منحها الرسول الاعظم هذه الصفة لتكون خاصتها فأين هذا من واقع المرأة الريفية اليوم.
في احصائية لجامعة الدول العربية فأن 75% من المجتمعات العربية يعيشون في القرى، بينما 25% فقط يعيش في المدن. ومعظم من يعيشون في المدن أصولهم قروية أو هاجروا إلى المدينة بحثا عن فرصة عمل لا يجدونها في القرية. وبالتالي فإن بحث أوضاع المرأة القروية إنما هو بحث لجذور مجتمع وغالبية أمهاته، ومعظم العباقرة والعلماء هم أبناء هذه المرأة البسيطة.
ويبدأ عمل المرأة القروية منذ الصباح حتى المساء، فتقول الحاجة ام علي الجبوري 78 عاما من قضاء القاسم في محافظة بابل «نستيقظ من نومنا قبل شروق الشمس بساعة على الأقل، لإطعام وسقي الحيوانات والمواشي، ثم كنس المنزل وترتيبه وإعداد الإفطار لمن في المنزل».
وتضيف زوجة ابن ام علي (كنتها) «في مواسم العمل نظل نعمل حتى منتصف الليل لغسل الملابس وإعداد الطعام، وإذا كان في المنزل أكثر من واحدة فإن إحداهن تبقى للعمل المنزلي ورعاية الحيوانات والأطفال وتذهب الباقيات للحقل».
وتبين لنا ام كوثر 40 عاما من اهالي طويريج « كان في السابق معظم الوقت الذي تقضيه النساء في النهار يكون للعناية بالمزروعات وتوفير الحطب لاغراض اعداد الخبز واعداد وقود محلي لازال يستخدم في القرى وهو مصنوع من فضلات الحيوانات ويسمى (مطال) حيث نعمل على صناعته طيلة العام وغالبا ما تقضي المرأة القروية نصف يومها في الحقل، وعادة تقضي اليوم كله، وتنهي عمل المنزل في الصباح الباكر وفي المساء بعد العودة».
وفي غفلة عن ضجيج المدن ومعاناة نسائها مازالت في القرية اوجاع اكل الدهر عليها وشرب تقول ام مريم 33 عاما وام لستة اطفال اصغرهم بعمر الشهرين «امتلك عباءة بالكاد أصلحها بين الحين والآخر وثانية بالية ممزقة للعمل في الارض لا أشتري الثياب إلا للضرورة لان أطفالي أحق مني في الثياب الجديدة ولأنهم صغار يستهلكون الكثير منها في حياتهم وخصوصا ان لدي ابنين في المدرسة ومصاريفهم تزداد كلما كبروا أضيف لهذا ثمن رعايتهم الصحية وزيارة الطبيب التي باتت شهرية تقريبا «.المرأة في القرية.. مسؤولية مضاعفة
من المؤلم سماع كلام ام مريم إذ انها لا تجد في نفسها الأحقية لكل جديد وهذا بالتأكيد سينعكس على وضعها الاجتماعي والنفسي يقول الخبير بعلم الاجتماع الدكتور غريب الجميلي ان المرأة القروية في العراق مازالت تعيش واقعاً أليماً فعلاً، وأوّل شيء في هذا الواقع أنها فريسة للجهل فلم تتعلم، ولقد كان لهذا الأمر ما يبرره حينما كان التعليم مكلفاً ولم يستطعه إلا الأغنياء أما الآن فالتعليم مجاني، ومع ذلك يرسل الرجل القروي ابنه للمدرسة، ولا يرسل ابنته ليحكم عليها بشقاء جديد«.
ويشير د. الجميلي إلى أنه «من المعروف أن أحوال الإنسان تتغير وواقعه يتحسن طبقاً لمستوى التعليم الذي يحصل عليه، وكلّما حصل على قدر من التعليم تحسّن إدراكه لصحته ولبيته ولأبنائه ولمستواه الاجتماعي. والمرأة الريفية تشارك الرجل الريفي في كل هذا العناء، لكن المعروف أن المرأة في القرية تتضاعف مسؤوليتها عن الرجل وبالتالي يزيد شقاءها. وعموماً فإن هذه المرأة القروية بسيطة في مسكنها، بسيطة في ملبسها، بسيطة في طعامها، لا تتمتع برعاية صحية، ومع ذلك فهي محافظة في أخلاقها، وتؤدي دورها الاقتصادي بنجاح فتربي الاطفال وتهتم بالمزروعات والحيوانات، وتحقّق لأسرتها درجة طيبة من الاكتفاء الذاتي».