نستقبل الحبَّ كسَفْرَةٍ في السعادة، وإذ به هبوطٌ اضطراري ببراشوت الشقاء! ويبدو لنا من بعيد بحيرة تعزفُ أجمل أغانينا، تنادي طيورنا وماعزَنا وأيائل جبالنا وأفيالَ خيالنا، دون أن يتمخض المشهد عن رِيٍّ وشجر. يقفُ وحدَه كفارس لحلمٍ قديم، منتظراً صلواتنا، بينما يده الخفيّة في جعبة سلاحه لتهشيم مجازاتنا الباسلة. يتمارى لنا في الأصائل خلف سروةٍ، وأحياناً أمام امتنان. وعندما يجد الطريق سالكةً، يفرد جناحيه ويضرب الأفق بهما، مستريحاً في البُعدِ، ومتربصّاً بأهل الهوى المجانين، إلى حين حصول المأساة.
واقفٌ مثل فكرةٍ، وأحياناً مثل عُواءٍ ناءٍ يمزّقُ كلام النصّ. إن ابتلَّ سرعان ما يجفّ كعِقابٍ، وإن تدحرج لا يتوقّف إلا وهو يجرف معه العيون والأيدي والسيقان التي عدَت في الحقول بحثاً عن عُشبِه. حسّاسٌ كمراهق مع أمّه وأبيه، سرعان ما يبكي متعلّلاً أن المعلّمات لم ينتبهن إلى غرّته الشقراء. بل وينشجُ وهو بين النّحر والحجاب الحاجز واضعاً رأسه حيث ينبغي لحبيبٍ افتراضيّ. مليءٌ بالأصداف والحصا قلبُه؛ ولذا يقرقع كلما تجوَّل فينا، مُحدِثاً مهرجاناً قاتماً من القيل والقال. مفضوحٌ ولا تهمُّه الفضيحة. وعابثٌ وفي الحريق جادٌّ. له مخالب مشحوذةٌ، ويحمل طنافس الحرير ليُجلسَ عليها أجمل ضحاياه. لا يلتقطُ أنفاسه وهو في الطِّرادِ العظيم مع الزمن، لأنه كشابٍّ ملتاثٍ يضربُ الأرضَ فيفلقُها عن نبعٍ وثرثرات. حزينٌ أغلب الأحيان في انتظار فريسة، ومفترسٌ كلّ وقتٍ لكلِّ ما يمرُّ أمامه من نساءٍ مَرِحاتٍ وملتحينَ وعُبّادَ قمر. عندما يهدرُ صوتُه ندري أنّ الطبيعة تحضِّرُ موّالَها. وإذا همس سقطت أغلفة السوليفان عن الهدايا التي أُعِدَّت لمماته. هجيناً في سلَّة تينٍ يكون عندما تتربَّصُ به النساءُ المدرّباتُ على الوخز. ومن القُفَّةِ إلى أذنيها يقفز عندما يشمُّ سحرَ العابرات. يضحكُ من قلبه إذا رأى حُسنَنا وفازَ منا بقبلة. ويجارينا أحياناً في مسيل الآهات. واقفٌ في الحلق لا نبلعهُ ولا يخرج.. وسادٌّ الطريق أمامنا بيننا وبين الضُّحكة. متحمِّسٌ دوماً لكي يُدلِّكَ لنا جباهَنا المعصوبةَ بالألم، وأحياناً أقدامَنا التي أنهكها الرّقصُ، بينما جنودُه تنبشُ تاريخَنا للفوز بجرة عسلٍ قديم.
رأيناه يتمشّى قريباً جدّاً من ضلوعنا.. فعرفنا أنّا قد أشرفنا على التهلكة.. وأنَّ الأملَ الذي ندَّعيه بات منتهيَ الصلاحية!
يا لهُ من فارسٍ مغوارٍ تنقصُه المروءة هذا الحبّ!
ليس للأمل من دَورٍ هذا الأسبوع!
نقلا عن الغد الاردنية